197 ألف طن إنتاجنا السنوي من السكر ومستورداتنا تفوق الـ 450 ألف طن
يستهلك السوريون سنوياً حوالي /709/ آلاف طن من السكر أي بمعدل (35) كيلو غراماً للفرد الواحد وتظهر ضخامة هذا الرقم إذا ما قورن بالمتوسط العالمي لاستهلاك الفرد والبالغ 24 كيلوغراماً, وهذا ما تأخذه الدولة بعين الاعتبار بتحديدها مخصصات الفرد من السكر بأسعار مدعومة بهذا المتوسط، أي باختصار يسجل السوريون رقماً قياسياً في استهلاك السكر، وبذلك نحن ـ كسوريين ـ نؤكد أن التفرد صفتنا... والتميز خاصتنا... وأننا لا نقبل أن نشبه أحداً... فإذا كانت صناعاتنا متميزة بإنتاجيتها /المتميزة/، فإن كميات الاستهلاك الكبيرة من السكر تعد من مزايانا أيضاً.
باختصار دخلت مادة السكر بقوة قائمة المواد الغذائية التي تسبب نزيفاً حاداً في العملة الصعبة من الاقتصاد الوطني، جراء انخفاض إنتاجية معامل السكر الموجودة في بلدنا من جهة واضطرار الحكومة لاستيراد آلاف الأطنان من السكر بالعملة الصعبة من دول العالم المختلفة من أجل تغطية حاجات الاستهلاك اليومي المتزايد، وما يزيد الأمر تعقيداً الظروف التي تمر فيها صناعة السكر في بلدنا ومواصفات المواد الأولية التي تدخل في إنتاج السكر وإحجام المستثمرين حتى الآن عن دخول هذا المجال الصناعي...
ملاحظة: التحقيق جرى قبل إعفاء مدير عام مؤسسة السكر من مهامه.
- تشير مصادر المؤسسة العامة للسكر إلى أن إنتاجنا الوطني من السكر وصل إلى /197/ ألف طن خلال عام 2007 منها /116/ألف طن من تصنيع الشوندر المنتج محلياً والباقي تم إنتاجه من تكرير السكر الخام المستورد من دول العالم المختلفة، ويشير المهندس عدنان جمعة مدير المؤسسة العامة للسكر إلى أن خطة المؤسسة للعام الحالي تتضمن زيادة في الإنتاج تعادل أكثر من /60/ألف طن لتصل إلى /259/ألف طن، أي ما يعادل حوالي /37/بالمئة من الحاجة المحلية من السكر، وهذا بلا شك سيفرض استيراد أكثر من 450 ألف طن من السكر، وإذا ما بقيت الأسعار العالمية على حالها فهذا يعني تكبد موازنة الدولة دفع أكثر من /9/ مليارات ليرة سورية أي ما يعادل /180/مليون دولار من العملة الصعبة، في ظروف أقل ما يقال عنها إنها صعبة للغاية في ظل ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية والتي ستنعكس حتماً على أسعار السكر جراء أجور النقل على الأقل.
وبالطبع هذه الإحصائيات هي مبدئية ومن الممكن أن تزيد بآلاف الدولارات في حال فشلت المؤسسة العامة للسكر في تطبيق خطتها الطموحة لزيادة الإنتاج وخاصة في ظل عدم تطوير الآلات والتجهيزات الموجودة في معامل السكر الموجودة في أنحاء البلاد.
- وإذا كانت المؤسسة العامة للسكر تنظر بترقب وخوف إلى ارتفاع أسعار السكر في الأسواق العالمية ونحن نؤيدها في تخوفها هذا، إلى جانب حرصها الشديد على تنفيذ خطتها الموضوعة للإنتاج للعام الحالي فإن هذا لا يرتبط فقط بتجهيزات المؤسسة فحسب بل تدخل حسابات أخرى غاية في التعقيد، وإذا كنا وصفناها بالتعقيد فإن ذلك يعود إلى أن هذه الحسابات خارجة عن سيطرة المؤسسة لكونها ترتبط بمواصفات الشوندر المنتج، يقول مدير عام المؤسسة: قد نتكبد خسائر أخرى جراء تصنيع السكر بسبب درجة حلاوة الشوندر السكري التي تؤثر بشكل كبير على كلف الإنتاج، تم وضع خطة المؤسسة للعام الحالي على أساس أن تكون درجة حلاوة الشوندر /13.33 /بالمئة، مع الإشارة إلى أن نسبة الحلاوة القياسية للشوندر هي /16/بالمئة، ويشير المهندس جمعة إلى أنه في الحالة القياسية يكون المردود الإنتاجي بنسبة /12.7 /بالمئة في حين لا تتجاوز نسبة الإنتاج في خطة إنتاجنا حاجز الـ/10/بالمئة، وبنفس الفاقد، ويضيف إن خطة المؤسسة تتضمن إنتاج /117/ألف طن سكر ابيض جراء تصنيع /1.5 /مليون طن من الشوندر البالغة حلاوته /13.33 /بالمئة، وهذا سيؤدي بشكل قطعي إلى زيادة تكاليف الإنتاج بمبالغ كبيرة جداً وفي الوقت نفسه انخفاض إنتاجية المعامل، وخاصة أن كميات الشوندر المكررة لا تتأثر بدرجة الحلاوة، وبحسبة بسيطة للفوارق بين الحالتين نجد أن تكرير /1.5 /مليون طن شوندر بحلاوة تبلغ /13.33/بالمئة تنتج /117/ألف طن سكر ابيض، في حين تزيد الكميات المنتجة في الحالة الثانية بأرقام كبيرة تصل إلى /74/ألف طن.
- ويشير مدير المؤسسة إلى أن تكلفة تصنيع الطن الواحد من السكر الناتج من الشوندر بالمواصفات السورية أي نسبة حلاوته/13.33 / بلغت /36/ ألف ليرة سورية، وطبعاً هذه الأرقام حسب الخطة الإنتاجية لعام 2007، في حين لا تزيد كلفة إنتاج الطن الواحد بالمواصفات القياسية على /25/ألف ليرة سورية.
وللوصول إلى هذه النسبة لابد من تحسين مواصفات الشوندر المنتج محلياً، وهذا ما يتم العمل على تحقيقه، حسب مدير المؤسسة الذي أكد أن مؤسسته تتابع مع وزارة الزراعة إجراءات تحسين مواصفات الشوندر عن طريق زراعة عروة مبكرة، وخاصة بعد أن أثبتت البحوث الزراعية دور العروة المبكرة في تحسين مواصفات الشوندر، وقد تم إقرار زراعتها في محافظتي الرقة ودير الزور على أن يباشر معمل سكر دير الزور بتصنيع هذه العروة في مطلع العام القادم، كما نوه المهندس جمعة بحرص وزارة الزراعة على زيادة الكميات المنتجة من الشوندر السكري لتتجاوز الكميات المنتجة حاجز الـ / 1,6 / مليون طن سنوياً لتشكل هذه الزيادة إلى جانب تحسين المواصفات من حيث الحلاوة دفعاً كبيراً في زيادة كميات إنتاج السكر وتخفيض فاتورة السكر وتكاليف إنتاجه في آن معاً.
- كما يتم سنوياً استيراد حوالي /160/ألف طن من السكر الخام أي السكر الأحمر وقصب السكر، ليصار إلى تصنيعه حسب الجدوى الاقتصادية والخطط مع الأخذ بعين الاعتبار الفارق في السعر بين السكر الأبيض والسكر الخامي، ويبين مدير المؤسسة أن السعر الاقتصادي المحدد للاستيراد لعام 2008 يتراوح بين /52/ و/56/ دولاراً للطن الواحد مؤكداً أنه لا يتم اللجوء إلى استيراد سكر خامي إلا إذا تحقق الفارق الاقتصادي المطلوب، وإذا لم يتحقق ذلك تلجأ المؤسسة العامة للتجارة الخارجية إلى استيراد السكر الأبيض لتحقيق وفورات على فاتورة السكر التي تشهد في السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً يرخي بظلاله على فاتورة الواردات السورية بشكل عام.
- هذا بالنسبة إلى فاتورة السكر بشكل عام أما بالنسبة إلى أرباح المؤسسة الصافية خلال العام الماضي بعد اقتطاع الضريبة من نشاط الزيت والكحول فقد بلغت /21/ مليون ل.س، حيث أوضح مدير المؤسسة أن قيمة الإنتاج العام الماضي وصلت إلى 8.6 مليارات ل.س في حين بلغت قيمة المبيعات 8.7 مليارات ليرة، أما الضريبة المحولة فقد بلغت حوالي /6/ ملايين ليرة، مع الإشارة إلى أنه تم تخفيض بحدود /4/ بالمئة من مستلزمات الإنتاج، واشار جمعة إلى أن المؤسسة لم تكن لتحقق هذه الأرباح لولا بعض الخطوات التي اتخذتها بخصوص تخفيض تكاليف الإنتاج لتصل كلفة إنتاج السكر من الشوندر إلى /2200/ ليرة للطن الواحد مشيراً إلى أن إجمالي التخفيض وصل إلى 900 مليون ليرة خلال العام الماضي.
- وهنا لابد من الإشارة إلى أنه رغم عدم استقرار أسعار السكر في الأسواق العالمية بسبب تأثير العرض والطلب بين فترة وأخرى بقي سعر السكر ثابتاً في أسواقنا المحلية وبمعدل /30/ليرة سورية للكيلو غرام الواحد، ويجب الإشارة أيضاً إلى أن ثمن الكيلو غرام في السواق العالمية لم يتجاوز الـ /40 /سنتاً أي ما يعادل عشرين ليرة سورية، ومهما يكن من أمر فقد تجاوزت فاتورة سورية من السكر حاجز الـ (14) مليار ليرة سورية، وهنا نشير إلى أن إحصائيات المكتب المركزي للإحصاء تؤكد أن مبيعات المؤسسة العامة الاستهلاكية من مادة السكر لعام 2006 بلغت (213085) طناً بقيمة( 2067973) ألف ليرة سورية، أما قيمة مستوردات السكر فقد بلغت (12456) مليون ليرة، وطبعاً يسهم القطاع الخاص في تحمل جزء من هذه الفاتورة.
- ونظراً لخطورة قضية استيراد السكر وتأثيرها على الاقتصاد الوطني، أجرى العديد من الباحثين والمحللين الاقتصاديين عدداً من الدراسات والأبحاث الخاصة بدراسة إنتاج السكر ومعوقات إنتاجه وتصنيعه يقول الاقتصادي وحيد عبد الكريم المحاميد، تبرز مشكلة عدم توزع إنتاج الشوندر السكري بشكل يتلاءم مع الطاقات الإنتاجية لمعامل السكر المتوزعة في المحافظات في رأس قائمة المعوقات التي تؤثر في كميات السكر المنتجة، وخاصة أن نقل الشوندر السكري من محافظة إلى أخرى عبر مسافات طويلة يؤثر بشكل كبير على مواصفات الشوندر ودرجة حلاوته، موضحاً ضرورة التركيز على أهمية هذا الجانب وتحقيق التوزيع المناسب والملائم لطاقات المعامل من حيث أماكن الزراعة، موضحاً أن هذا لا ينفي بشكل من الأشكال تدني نسبة الحلاوة الموجودة في جذور الشوندر السكري الذي يعود إلى عدم وجود مواصفات جيدة للشوندر المورد للمعامل، إضافة إلى عدم وجود كوادر فنية متخصصة في إنتاج السكر وصناعته، وتعدد الجهات المشرفة على زراعة وتصنيع الشوندر السكري، ناهيك عن قدم بعض الآلات الموجودة في المعامل، وارتفاع أسعار قطع التبديل الخارجية لبعض معامل السكر، بالإضافة إلى عدم وجود كميات كافية من المياه لري محصول الشوندر، مع التنبيه إلى تأثير عدم استيراد السكر الأحمر عن طريق المؤسسة العامة للسكر الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع تكاليف إعادة تكريره.
- ويشير الاقتصادي يوسف محمود إلى ضرورة إعادة النظر بالاستهلاك المعياري للمواد الكيماوية والمساعدة في الإنتاج وتحديدها وفق أسس معيارية علمية صحيحة بهدف تخفيض التكلفة الصناعية إضافة إلى أهمية الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في صناعة السكر، باستخدام أكياس /بولي بروبلين/ الخاصة بالمواد الغذائية المعروفة بمتانتها وانخفاض أسعارها بدلاً من الأكياس القطنية المستخدمة حالياً في معامل السكر.
وأضاف: يجب وضع تكلفة معيارية لوحدة المنتج تأخذ بعين الاعتبار جميع العناصر الداخلة بالتكلفة لمعرفة نقاط الانحراف إن ظهرت ومعالجتها ، وإعادة النظر بنظام الحوافز الإنتاجية واعتماد نظام يحقق ريعية اقتصادية للعامل والشركة على حد سواء يتم فيه مراعاة الطاقة الإنتاجية الفعلية المتاحة والاستهلاك المعياري للمواد الكيماوية والمساعدة الداخلة في الإنتاج ، والمردود المحقق ومواصفات السكر المنتج ، والصيانة واستهلاك القطع التبديلية، وزيادة الاهتمام بالتأهيل والتدريب للعاملين لتطوير آلية العمل.
- وتتضمن خطة المؤسسة العامة لصناعة السكر خطوات جدية سيكون لها أثر كبير على تخفيض فاتورة السكر ـ فيما لو تحققت ـ حيث تأخذ خطة المؤسسة بعين الاعتبار نجاح زراعة العروة المبكرة في مناطق وجود المعامل الشرقية والشمالية وبالتالي إيقاف نقل الشوندر إليها من المنطقة الوسطى ، يقول جمعة: هذا يفرض بشكل حتمي رفع الطاقة التصنيعية لمعمل سكر الغاب لاستيعاب الشوندر المنتج المنطقة الوسطى، وهذا ما تسعى إليه المؤسسة، بالإضافة إلى دراسة استيراد سكر خامي /دوكمة/ لخفض كلفة إنتاج السكر، إلى جانب المحاولات الحثيثة لمؤسسة السكر لأخذ الموافقة من الجهات الوصائية لتوقيع اتفاقيات طويلة لتأمين السكر الخامي من بلد المنشأ، الأمر الذي ينعكس على تخفيض السكر المكرر في معاملنا وهذا كفيل بتوفير الفرص المناسبة للمؤسسة للدخول إلى الأسواق الخارجية بأسعار تنافسية، وفتح منافذ لتصدير الخميرة والكحول وفائض /الميلاس/ التي تنتجها معامل المؤسسة.
- قبل حوالي عامين استبشر المواطنون خيراً بعد الإعلان عن تأسيس شركة السكر الوطنية المساهمة المغفلة التي ستقيم مصفاة للسكر في /جندر/ بحمص بطاقة إنتاجية قدرها مليون طن سنوياً مع الأخذ بعين الاعتبار عند تصميم المشروع إمكانية زيادة الإنتاج إلى مليوني طن بالاعتماد على السكر الأحمر المستورد ليصار إلى تصنيعه بأفضل المواصفات الدولية لتغطية حاجة الأسواق المحلية من السكر وتصدير الفائض إلى الدول المجاورة ، ولكن حتى الآن لمّا ير هذا المشروع ـ الأمل النور، فهل يرى هذا المشروع النور في السنوات القليلة القادمة. نأمل ذلك!
عدنان أحمد
المصدر: مجلة المال
إضافة تعليق جديد