بلير أيضاً مقتنع بأنه "مبعوث العناية الإلهية"

25-03-2008

بلير أيضاً مقتنع بأنه "مبعوث العناية الإلهية"

كان توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق مقتنعاً بقدرته على جذب الجماهير إليه، وأنه هو الزعيم الذي ينبغي عليه أن يتواجد على المسرح الدولي لحل الأزمات العالمية المستعصية، بما في ذلك العراق .جوناثان باول أوثق مساعديه ورئيس أركان مكتبه لمدة 12 عاماً كشف أن بلير كان مصاباً فعلاً بعقدة يتصور من خلالها أنه بمثابة “مبعوث عالمي له قدرات ساحرة على الإقناع وحل الأزمات الدولية المستعصية” .

ولذلك يوضح باول، في كتابه “كراهية عميقة وغرفة صغيرة” عن دوره في التوصل إلى تسوية سلمية لأزمة إيرلندا الشمالية ووقف العنف هناك، ان عقدة بلير قادته إلى  الاعتقاد بأن تواجده يعتبر أمراً ضرورياً على المسرح العالمي في اللحظات الحرجة .

ويقول باول الذي كان ضمن الدائرة الضيقة المحيطة ببلير إن رئيس الوزراء السابق كان يبدي حماساً بالغاً لأهمية تدخله الشخصي لحل أزمة إيرلندا الشمالية على نحو غير طبيعي .

ويروي مساعد بلير أن رئيس الوزراء السابق أبلغه في عام 1998 أنه هو وحده القادر على إحلال السلام في الإقليم المضطرب الذي كان قد شهد أعمال عنف أسفرت عن مصرع أكثر من ثلاثة آلاف شخص . وكان ذلك قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق الجمعية الوطنية في بلفاست الذي كان الأساس الذي تم بموجبه وضع الأسس الكفيلة بوقف سفك الدماء هناك .

وكانت وزيرة شؤون إيرلندا الشمالية عندئذ مو يولم قد أصبحت مقتنعة أيضاً بأن سعي بلير الشخصي إلى التدخل في حل الأزمة على هذا النحو المبالغ فيه كان راجعاً إلى إصابته ب”عقدة حقيقية” تجعله يقتنع فعلاً بأن “بوسعه المشي على الماء كأنه مبعوث فوضته العناية الإلهية لإحلال السلام في العالم” .

لذلك فإن حماس بلير للمشاركة في حرب العراق، إلى جانب صديقه الكبير الرئيس الأمريكي جورج بوش، كان يعتبر أيضاً مثالاً على اقتناعه وثقته المفرطة بأنه هو الزعيم الذي سيقوم فعلاً بإحلال الديمقراطية وإعادة بناء العراق بعد التخلص من حكم صدام حسين .

ومن الجدير بالذكر أن بوش أيضاً كان مقتنعاً بأنه قد لقي تفويضاً من الله لحل مشكلات العالم، بما في ذلك العراق . كما أن بلير الذي عمل محامياً لفترة من الوقت قبل أن يحترف السياسة كان يتمتع بقدرة واضحة على الإقناع من خلال الخطابة والجاذبية الشخصية القوية وابتسامته العريضة التي تؤدي إلى تحييد ألد خصومه واستمالتهم إلى جانبه .

-كتاب آخر: ويقول الدكتور ديفيد أوين وزير الخارجية البريطانية الأسبق إن بلير كان فعلاً مصاباً بحالة مرضية عصبية تجعله يعتقد أن بوسعه تحقيق النجاح مهما كانت المصاعب التي ستعترض طريقه . ويقول أوين الذي كان وثيق الصلة ببلير إنه “ركب رأسه” فعلاً، ولذلك كان يتوهم أن بوسعه عمل أي شيء . ويوضح أوين، في كتاب سيصدر له في الشهر المقبل أنه بحكم خلفيته كطبيب متخصص في الأعصاب قبل أن يحترف السياسة ان بلير كان يسيء فهم الحقائق المحيطة به مما يدفعه في نهاية المطاف إلى الوقوع في أخطاء فادحة مثل غزو العراق .

عنوان كتاب الدكتور أوين هو “المرض والسلطة: الأمراض التي أصابت الزعماء في العالم خلال المائة عام الماضية” .

ويؤكد الدكتور أوين أن مسلك بوش وبلير في الاندفاع نحو الحرب منذ خمسة أعوام مضت، وكذلك الطريقة التي عالجا بها فترة ما بعد الغزو، يعكسان فعلاً إصابتهما بهذا المرض النفسي العضال .

ويصف كلاً من بوش وبلير بعدم الكفاءة، إلا أنه يوضح أن عدم كفاءة رئيس الوزراء السابق كانت من نوع خاص جداً وترجع أساساً إلى الثقة المفرطة بالنفس والقلق الدائم وكذلك عدم الاكتراث أو الإصغاء الجيد للتفاصيل الدقيقة .

ويؤكد الدكتور أوين الذي عمل أيضاً مبعوثاً دولياً خلال الحرب الأهلية في البوسنة أنه عرف بلير عن كثب منذ عام 1999 خلال أوج الحرب الجوية التي شنتها قوات حلف الأطلسي على صربيا بعد انتهاكات حقوق الإنسان الكثيرة التي وقعت في اقليم كوسوفو، ولكنه يلاحظ أنه بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول الإرهابية في أمريكا أصبح بلير شخصاً مختلفاً تماماً، فقد بدأ يشعر بأهميته الشخصية الزائدة وكأنه “مبعوث العناية الإلهية” . ويرصد الدكتور أوين أيضاً في كتابه أن بلير بدا بعد ذلك مقتنعاً بأن تقديره للأمور هو دائماً الصحيح .

وبذلك فإن بلير أصبح فعلاً مصاباً ب”مرض العظمة” كما يقول الدكتور أوين، ولذلك فإنه كان حريصاً بشكل دائم على أن يكون في مركز الأحداث العالمية .

ويدلل الدكتور أوين على صحة نظريته بالقول إن بلير، خلال الأعوام الأخيرة في الحكم، عقد 54 اجتماعاً مع بعض زعماء العالم وسافر لأكثر من 40 ألف ميل، وزار خلال ذلك 31 دولة .

وكان واضحاً أيضاً ان بلير قد أصبح يتجاهل نصيحة كبار المسؤولين المحيطين به، وخاصة قلقهم ازاء التخطيط لحرب العراق، والنتائج التي سيسفر عنها الغزو .

وعندما كان مساعدوه يحذرونه من مغبة العواقب الوخيمة للحرب، كان بلير يصفهم بالاستسلام، ويصف نفسه بأنه مثل تشرشل الزعيم التاريخي البريطاني، وكان يصف صدام من ناحية أخرى بأنه مثل هتلر . واختلف بلير أيضاً مع كبار القادة العسكريين، ولم يصغِ إلى نصائحهم قبل الحرب، وكان يستبعد أي مصاعب ستقع . لذلك فإن الدكتور أوين يقول إن بلير أصبح مثل المريض الذي اكتسب مناعة ضد أية إصابة بجراثيم فتاكة . ولهذا فإنه أصبح محصناً ضد أي مصاعب قد تنشأ بعد الحرب على نحو وهمي .

ويوضح الدكتور أوين أن بلير كان أيضاً مصاباً بمرض في القلب سعى بكل الطرق إلى إخفاء حقيقته عن كل من حوله . وكان هذا المرض يؤدي إلى مضاعفة آثار مرض العظمة الذي أصابه قبل ذلك . ولذلك انخرط في عمليات خداع وهمية .

وبالرغم من خضوع بلير لوسيلة جراحية لتصحيح ضربات قلبه فإن البيان الطبي الذي صدر بعد ذلك كان يتسم بالغموض، كما يقول الدكتور أوين . وكطبيب محترف فإنه يشكك في صحة الرواية الرسمية عن مرض بلير . ويشير إلى ان صديقه القديم الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون اعترف بأنه كان يعلم بحالة بلير المرضية لفترة طويلة، وقال كلينتون “إن بلير أبلغني بهذه الحالة منذ أعوام” . ولكن عشرة “داوننغ ستريت” نفى صحة كلام كلينتون، مؤكداً أن رئيس الوزراء “لم يكن مصاباً وليس مصاباً بحالة مرضية في القلب من قبل” .

ويشير الدكتور أوين بعد ذلك إلى أن ديفيد بلانكيت وزير الداخلية العمالي السابق يعترف أيضاً في كتاب مذكراته بأن بلير كان مصاباً بهذه الحالة المرضية منذ 15 عاماً على نحو متقطع .

ويقول الدكتور أوين إنه لاحظ بعد الحرب ان بلير أصبح مثل رجل تقدم في السن على نحو مفاجئ، وكان القلق بادياً على ملامح وجهه بشكل عميق . وكان واضحاً أيضاً أنه فقد وزنه . ويوضح وزير الخارجية الأسبق انه خلال حرب العراق كانت بريطانيا تحتاج إلى زعيم له المقدرة على انتهاج سياسات جديدة، ولكن على العكس من ذلك، فإن بلير كان يخفي عن العالم حقيقة مرضه ويدعي أنه يتمتع بلياقة بدنية كاملة وسلامة الفكر .

ومن ناحية أخرى، يعتقد الدكتور أوين ان بعض الأدوية الطبية التي كان بلير يتعاطاها قد أثرت في حالته النفسية، وأسهمت في زيادة جنون العظمة لديه . وبعد ذلك، أصبح بلير مصاباً بعقدة النرجسية، وحب الذات المفرط، كما يقول الكتاب .

علاوة على ذلك فإن الدكتور أوين يتطرق إلى زاوية حساسة أخرى، وهي أن بلير كان يعتقد أنه يرتبط بعلاقة خاصة بالله . ولذلك فإنه كان يعتقد ان الله ألهمه للقيام بأمور كثيرة من بينها غزو العراق . ومن ثم فإن بلير كان يعتقد “انه ليس مسؤولاً أمام الناخب البريطاني ولكن أمام الله” .

ويحذر الدكتور أوين من أن جنون العظمة والوهم بالتمتع بقدرات خاصة مثلما كان الحال بالنسبة لبلير يعتبران أمراً لا يتوفر له علاج فعلي حتى الآن، لأن هذه حالة مرضية غير تقليدية .

عمر حنين

المصدر: الخليج

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...