وعد المهنا يتقصى أسباب الانهيارات في حي مدحت باشا الآثري
الجمل- وعد المهنا: لم يكن مفاجئاً حدوث الانهيار لبيوت ومحلات دمشقية عريقة تقع على الشارع المستقيم الممتد على طول 1500 م بين بابي الجابية وشرقي بعد أن أصرت محافظة دمشق على تنفيذ مشروع تأهيل الشارع الذي يعرف أيضاً بشارع مدحت باشا أبي الدستور العثماني وخالع آخر السلاطين حسبما جاء في كتاب صدر عن وزارة الثقافة مؤخراً والمسؤولة مباشرة عن تراث سورية بشكل عام وتراث دمشق القديمة المسجل كإرث عالمي منذ عام 1979.
لم يكن مفاجئاً على الأقل للذين نبهوا سابقاً ومن كانوا أعضاء في اللجان المشكلة من قبل محافظ دمشق والتي اجتمعت بتاريخ 21/5/2006 وأيضاً من قبل المواطنين قاطني هذه البيوت والمحلات الذين تحدثوا مجتمعين لنا من موقع الانهيار: " تم الحفر لثلاث مرات وعلى عمق 8 أمتار وبعرض 5 أمتار مما سبب تضعضع المنزل علماً أنه ظهرت تشققات منذ أن تم الحفر للمرة الأولى وبعلم سابق من مدير المشروع"!
أما السيد ميشيل سلوم صاحب المحل التي انهارت واجهته والذي كان مغلقاً وقد دعاه جاره لشرب الشاي قبل أن يهم بفتحه ليصل مع صراخ جيرانه "محلك ينهار"! فيعلق:" طلبوا منا إغلاق محلاتنا ولم يسألنا أحد عن رأينا وهاتفنا مقطوع والواضح من طريقة التنفيذ أنه لم يتم إعداد دراسة قبل التنفيذ"!!
المهندسة ريما جورية رئيسة بلدية باب توما تقول:" المشاكل التي تواجه التنفيذ غير المشاكل التي تتعرض لها الدراسة" وحيث أن مدير الإشراف من محافظة دمشق مشغول مع العاملين تابعنا مع السيدة جورية التي أضافت معللة سبب الانهيار:" الخلل في التربة المشبعة بالمياه"!!
المعماري موفق دغمان الذي سبق وحذر في تحقيق نشرته "الثورة" مؤخراً يوم الأحد 21/10/2007 وقد قال فيه معلقاً على تحفظ أحد أعضاء تقييم المشروع : "نجم التحفظ عن عدة اعتبارات هي: هناك تخوف من تدمير الطبقات التاريخية في باطن الأرض, ثم لابد من وجود شركات متخصصة لها خبرة طويلة بمثل هذه المشاريع إضافة إلى ضرورة توفر آليات وأجهزة إشراف متكاملة تقوم بالعمل كما انه لابد من إشراف دولي وبذلك نكون قد أحطنا المشروع بعدة عوامل تساعد على إنجاحه"!
د. دغمان الذي التقيناه في موقع الانهيار واكتفى بالتعليق " الأهم الآن إزالة الخطورة عن الناس "!!و قد سبق وقد صرح للثورة:" ثمة خطأ فادح يحصل فالحفر يسبق عمل الأثري! في الطبقات العميقة تقدم التربة مدلولاً وليس شرطاً أن نكتشف مشيدة ما وهذا كلام خطير بمعنى أننا إن لم نجد مشيدة لا نعتبر ذلك اكتشافا! هناك طبقات التربة والمكونات العضوية وأقنية المياه التقليدية التي كانت جارية وشبكة الصرف الصحي التقليدي وكان من شروط التنفيذ أن نوثق كل ذلك"!!
كما والتقينا د. يسار عابدين من كلية العمارة في موقع الانهيار وقد قال: " العمل لا علاقة له بالهندسة وما من مشروع هندسي بهذه المواصفات"؟!! هذا وقد سبق للدكتور عابدين أن تحفظ شخصياً على المشروع في رسالة وجهها إلى محافظ دمشق بتاريخ 30/5/2006 بصفته رئيس لجنة تقييم الدراسات المقدمة من قبل مديرية دمشق القديمة لمحور مدحت باشا لأعمال التأهيل والترميم ونورد مقتطفات من هذه الرسالة:
• لا توجد دراسة تنفيذية تفصيلية كلملة شاملة للأعمال المراد تنفيذها، ويجب وضع دراسات لكامل الأعمال المعمارية والترميمية بشكلها العام والخاص بأدق التفاصيل الموضحة بالرسوم والأشكال والمسميات والأوصاف، ولا يمكن أن يعتمد مشروع بهذه الأهمية على توقعات واحتمالات ومفاجآت!!
• مخططات الدراسات غير كافية، ولا يمكن استخدامها إلا في الدراسات النظرية الأكاديمية، وليست مخططات تنفيذية لمشروع بمثل هذه الأهمية.
• لا توجد خبرة علمية تراكمية لدى فريق العمل لوضع مثل هذه الدراسة، خصوصاً بالنوعية والحجم والخلفيات الاجتماعية والثقافية والتاريخية، أضف إلى أن المشروع ليس حقل تجارب أو مسرحاً للتدريب!!!
• عدم إجماع مهندسي فريق العمل أنفسهم على كفاية الدراسة المعدة من قبلهم للتنفيذ وعلى دقتها ولا حتى على شموليتها!!!!
• لا يمكن التعامل مع مثل هذه المشاريع بالكميات والمواصفات فقط، مثل رصف الطرقات وتعبيدها، بل هي مشاريع نوعية هامة جداً، لا تتكرر في تاريخ الدولة بشكل معاصر، ولا يمكن إصلاح أخطاءها بسهولة بعد تنفيذها!!
• لا يمكن إتمام الأعمال المذكورة في دفتر الشروط خلال فترة زمنية واضحة ومحددة، بسبب تحكم الإدارة وجهاز الإشراف بما هو غير معروف، الأمر الذي يؤدي بالمتعهد إلى التورط في دفن أو الإساءة إلى معالم أثرية خوفاً من إيقاف المشروع أو تأخره!!
• لم يتم الحصول على استشارات مدونة من الهيئات العالمية واللجان الدولية الحكومية والمنظمات المعنية بالمدن القديمة والتراث العالمي، على إمكانية تنفيذ مثل هذه الدراسات، دون أن تؤثر سلباً على مكانة المدينة كأثر تراثي عالمي!!
• لا توجد دراسة إنشائية تفصح عن الحالة الفيزيائية للأبنية في وضعها الراهن، ولا يوجد تحديد لأماكن التدعيم وأنواعها وطرقها، وكان من المفترض التنويه عن عوامل الأمان مع احتمالات الهزات الأرضية.
• لم تحديد أهمية المكتشفات الأثرية المتوقعة بالنسبة للواقع في المدينة القديمة، ولم توضح الإجراءات في حال تم اكتشاف آثار ذات أهمية فائقة!!!
ونخلص أخيراً إلى تحذير د. عابدين إلى أنه توجد مخاطر كبيرة وكثيرة في إجراء الحفريات المذكورة، يمكن أن يفصح عنها كل من عملَ في تنفيذ صيانات للمدينة القديمة، ويمكن تحديد نوعين واضحين من الأخطار:
• تصدع أبنية دمشق القديمة بالكامل مع احتمال تهدم بعضها، بسبب الحفريات الكثيرة سواء بأعماق بسيطة أو عميقة.
• سرقة أو طمس أو تشويه معالم العصور التاريخية المدفونة تحت الأبنية.
هذا وقد تم اكتشاف ثلاثة أعمدة رومانية في موقع الانهيار يصل عمق قاعدتها إلى أربعة أمتار مما يدل على أن نظيراتها تقع تحت الأبنية المشادة على جانبي الطريق وقد ذكرت بعض المصادر أنه تم نقلها لقلعة دمشق مما يعني غياب إشراف مديرية الآثار والمتاحف مباشرة على العمل ومما يعني خسارة توثيق ما تكتنزه الطبقات التاريخية التي تكتنفها أرض دمشق القديمة من كنوز لا يمكن الحفاظ عليها بإشراف من هؤلاء العابثين الذين جلّ همهم محاولة إثبات مقعداتهم على الكراسي بحجة احتفالية دمشق عاصمة ثقافية 2008 لا سيما بعد فشلهم الذريع في تنفيذ مشروعهم المهزلة في شارع الملك فيصل والذين يجتهدون بأي ثمن الآن لتنفيذه رغم قرار اللجنة المكلفة بقرار من وزير الثقافة بإلغاء قرار الهدم ورفع الاستملاك.
في الخلاصة ومع ما ردده سكان حي المنطقة حول رشاوى وصلت لحدود المليار لمنح تراخيص لافتتاح مطاعم واستهتار كامل من محافظة المدينة على كل أصعد حماية تراث دمشق القديمة منها ما يجري الآن الحفر لأعماق ثمانية أمتار واستخدام آليات ثقيلة وعدم وجود اختبارات للتربة وعدم متابعة وإشراف من المحافظة ومديرية الآثار ودليلنا الثابت هو الخراب المدروس ربما لضرورة الاحتفال بعاصمة ثقافية 2008 ولربما للحفاظ على كراسي تدر الملايين لصالح الجالسين عليها فلا ضير في أن يستمر مدير موقع تراث عالمي في إشرافه على تنفيذ هذا النوع من المهام وأعلى ما وصلت إليه سيرته الذاتية هو رئيس ورشة هدم في محافظته بينما الكثير من زملائه في المحافظة تم القبض عليهم متلبسين ولتقر عين المسؤولين جميعاُ عن الحفاظ على هذا التراث وعلى من يرغبون بالاحتفال به العام القادم وهو يرفل بأجمل ثوب صممه التخريب المتعمد والجهل المطبق!
وعد المهنا
www.heartofdamascus.org
الجمل
إضافة تعليق جديد