ياسر صافي: ولذة اللعب بالممنوع
الجمل: بعد العديد من المشاركات والمعارض في بروكسل ودمشق والشارقة وعمان والقاهرة وغيرها يأتي معرض أعمال ياسر صافي في دبي ليكمل ما بدأه عام 1999 في المركز الثقافي الفرنسي بدمشق.
" غاليري المجلس في دبي " من الأماكن القليلة في دبي التي لها هوية ثقافية خاصة، وسط هدير الآلات الحاسبة والمؤتمرات العالمية وإيقاع الحياة الاقتصادية الجارفة .
ومعرض الفنان السوري ياسر صافي له فرادة وحضور مميز سيما إذا كان المعرض " لوحات حفر وخاصة حين تكون اللوحات بهذه القدرة الفائقة على شد انتباه الزائرين والعابرين، ليقف الزائرأمام أربع لوحات أكريليك وأحد عشر عملا حفريا. موقعا بيد الفنان ياسر صافي.
شبه الناقد والفنان أسعد عرابي شخوص ياسر صافي بأنها " دمى لخيال الظل" " يحركها كيفما يشاء يمارس عليها سلطة الخلق ويوزع لها مهماتها ويعيد رسم خارطة أقدارها ، فيغدو التشخيص والخلق في مواحهة الخالق والصانع والمؤطر تلك الجدلية السمحاء، الخطيرة التي عرف سر قوتها مبدعو القيم ومروجو الدين فحرموا الرسم والتشخيص والتخليد والتنحيت وكل ما يمت إلى فعل الخلق بصلة .
للوهلة الأولى تبدو شخوص ياسر صافي مأسورة لمتحكم بارد يشظيها، يشقلبها ،يجمعها ويفرطها بمشيئته الخاصة. ولكن بعد امعان النظر سيبدو أن هذه المخلوقات عبارة عن كائنات أصيلة أزليّة طازجة وكأنها اكتشفت للتو.
نراها وكأنها هي من مدت سلطتها لتستخدم صانعها. أو أنها بعد أن خلقها انكرته وعندما تصبح ضعيفة منزوية باردة ترغب بالتحرك ترسل دعواتها إليه فيأتيها يحاول تغير أماكنها يتدخل في الفراغ الذي يحيط بها . ينجح حينا ويفشل أحايين.
عالم من قاع غامض بعيد، من أرواح ومخلوقات، حيوانات وأسماك من شدة فرحها غبطتها نشوتها أزليتها لا تسمع ولا ترى تمتص أحبار ياسر صافي . وتلقي به بعيدا يتأمل حيواتها ليحزر نيتها فيعاود العمل.
يقول :
أوافق فأنا لا أخطط لخلقها، هي موجودة أصلا، تعرفت عليها بالهدم بالتجريب الواعي والغامض " أو ما يسمى الحدس الفني " فهذا الخط سيوصلني حتما إلى يقين. أنقضه بعد حين.
ثمة جدالية لا تنتهي، تفرض نفسها على متعاطي الفن، مروجي الشخوص، ومسببي العطب لكل ما هو جتهز ومكتمل ونهائي.يعملون به في فضاء مكتظ بالرموز ومُلتاث بالأسئلة .
ثمة مدينة افتراضية هدمت غيلة دوهمت ذات موت، أنقاضها تتلامح في أعمال الفنانين السورين وأرواح سكَّانها تتجلى في أعمالهم، كائنات غريبة تظهر بين الفينة والأخرى أطياف بلد قديم ما قبل الآرامية. وقبل الأبجدية وقبل أول تشريع يحد من حرية الحركة لتلك الكائنات.
هل زرت أو استشرفت أو رأيت هذه المدينة؟
أنا أعيشها مازلت اسمع أصوات ساكنيها، أرى تلك اللحظات الكثيفة لصور تلوح في الخلفيات " مهشرة" بخطوط من ضوء، تحمل معها علامات عجائبية تعيد استحضارقاطني الأرض التي نحيا عليها. وجوه سحب منها الخوف عيون مصوبة باتجاه لحظة قدرية بديعة ، حيوانات شاركت البشر المصير نفسه بالتسليم ذاته.
هل استلبتك كائناتك فصرت تعمل على نفس الموضوع وتعيده ؟
ليس عيبا على العكس، بعض العالميين عملوا على موضوع واحد طوال حياتهم بعضهم رسم العشب خمسين عاما ولما انتقدوه قال ارسم العشب كي استطيع فهم الحقل . و أنا لست مأسورا للحفر امارس التلوين والنحت والأكريليك.
يقول يوسف عبدلكي .الحفر فضيحة الفنان فالأبيض والأسود لا يقبل المساومة والعيوب تظهر ولا تغطى بالتلوين .
اللون في لوحة صافي ثانوي والخط أصيل. السلطة ليست للموضوع أو الفكرة أنما للحس. الأيروتيك حاضر بغرائبية تثير غريزة الأسئلة. دون فجاجة
يقول "صافي "الايروتيك في لوحتي هي تلك اللذة الاولى والشغب في عيني طفل يختبر الحواس فيستلقي على الأرض يرفع نظره لسماء فتمر امرأة بتنورة قصيرة. من تلك اللقطة أتت أحدى لوحة الاكريليك.
ماذا يفعل طفل بسماء كهذه؟ سماء حمراء معطرة لدنة هامسة تسيل بروقا وحكايات وحده الحفار يعرف كيف يختزلها يخفف من غلوائها ويشدها على حائط مصقول. يصوب عليها إضاءة من الخارج يعرضها للمشاهدة بعد أن أكتمل برؤيتها بحفظها في قاع قلبه في أكتنازها كمشهد بصري قادم من تجربة فذة لأركولوجي أصيل لا يعبأ بتحديد عمر وأيام ما جرى بقدر ما يحرص على توثيق الأن السوري الإنساني الكوني بكل ما أوتي من شغف فيفتح لشخوصه نفقا سريا من خلف المعرض كي تهرب قبل حضور القناصين ومروجي اللقى وسماسرة اللون.
فادي عزام
الجمل
إضافة تعليق جديد