مطبخ الموسيقى في قصر العظم
لتصل الى حفلة «مطبخ الموسيقى» التي أقيمت مساء أول من أمس في قصر العظم في دمشق ونظمها المجلس الثــــقافي البريطاني، عليك اجتياز ســـوق البُزوريّة بعراقته، وروائحه التي تتنوع بين العطر والبهارات والـــقرفة والبابونج وغيرها من الأعشاب التي تبعث في النفوس شعوراً بالارتياح والبساطة.
تستقبلك بوابة قصر العظم الخشبية الصغيرة. تحني ظهرك للدخول. حديقة غنّاء في البهو الكبير، ورائحة التاريخ تفحّ من الجدران. بنى قصر العظم حاكم دمشق أسعد باشا في العام 1749، وقسمه الى ثلاثة أقسام: حرملك وهو خاص بالعائلة، سلملك للزوار، وخدملك وهو القسم المخصص للخدم. ويعتبر القصر الذي تحوّل الى متحف للتقاليد والصناعات الشعبية من أهم المعالم الأثرية في سورية.
كل شيء جاهز للحفلة. مسرح أعد خصيصاً في الهواء الطلق، الى جانب شجرة عملاقة عمرها من عمر البهو، وجمهور متنوّع.
أول الواصلين كان رجل دين بعمامته البيضاء ووجهه النيّر، وقف في زاوية تطل على المسرح ليراقب عن كثب ما سيحصل. شبان وشابات، كبار وصغار، كهول وعائلات بأكملها بدأت التوافد الى القصر. مقاربة سوريالية ما بين التاريخ والموسيقى الحديثة، التاريخ يحتضن موسيقى الروك والراب والهيب هوب، اضافة الى المقامات الشرقية والأنغام الصوفية. بدأت الحفلة وراح الجمهور يتمايل، ثلاث جميلات أرخين أجسادهن وتمايلن وأمتعن الجمهور. عجوز كان يدندن كلمات أغنية مع الفرقة، فتتغير ملامح وجهه وكأنه عاد بالزمن سنوات وسنوات. هذا التقارب الروحي – النفسي بين الفرقة والجمهور، جعلها تبتكر نغمات جديدة، فكان الارتجال سيد الموقف. اذ ألهب عازف الكمنجة (محمد مدحت) الحضور بألحانه وكأنه نثر مادة مخدرة في الهواء، فعلت الصيحات ولوّحت الأيدي مطالبة بالمزيد. عشرات الأجانب كانوا بين الحضور رقصوا ودندنوا من دون أن يفهموا الكلمات. حوار ثقافي - موسيقي حدث ليلة أول من أمس. قُلبت الأدوار. السوريون طربوا للألحان الغربية وموسيقى الجاز، والسياح الاجانب الموجودون أرخوا أجسادهم للنغمات الشرقية.
يوماً بعد يوم، يظهر مدى الترابط الموسيقي الحاصل بين أعضاء الفرقة، ويظهر ذلك واضحاً من خلال التسليم الموسيقي من عازف الى آخر، خصوصاً ان التسليم من آلة شرقية الى اخرى غربية يعتمد على ايقاع معين ودقيق، وسرعة في التنقل بين السلالم الموسيقية، لأن الفشل يظهر على شكل فراغ موسيقي، قد يضيّع الفرقة ويخرجها عن النوتة.
يعد الإعداد الجماعي للموسيقى، وسيلة مثالية لخلق المشاركة والترابط بين موسيقيي الفرقة، ويمكنهم من التواصل وتنمية قدراتهم الفنية والابداعية في سياق متعدد الثقافات. وتحظى الموسيقى والتفاعل معها بأهمية كبيرة بين الشباب في كل مكان، خصوصاً أنها قد تكون منفذاً للهروب من المشاكل الحياتية التي تلاحقهم. كانت تجلس بالقرب من المسرح، وجهها وجسدها الضعيف يؤكدان تخطيها السبعين سنة. تتمايل في كرسيها، تصفق بعد كل أغنية، الا أنها وبعد انتهاء احدى الاغنيات صرخت بصوتها الجارح «we want more baby».
كانت تلك السبعينية، تستعيد ماضيها الجميل وتتمنى لو تقدر أن تقف وترقص وتزيح ثقل السنين عن خصرها المترهل. مع آخر أغنيات الحفلة، طلب المغنيان «آر جي بي» وهشام من الجمهور أن يفكر بأشياء جميلة ويرقص. وما إن بدأت الموسيقى حتى راح الشباب يتمايلون على شكل لوحة تشكيلية، فامتزجت الضحكات بالصيحات، وتشابكت الايدي، وهزت الخصور العربية مع الغربية.
محمد غندور
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد