بورنو المعرفة، ووهم التعّلم
د.فادي عمرو:
لا اعرف اذا كان هذا المصطلح موجوداً مسبقاً، ولكن دعوني أقدمه: بورنو المعرفة والذي يمكنني تعريفه بأنّه يصف استهلاك المحتوى الثقافي والمعرفي بشكل كبير وسطحي ومسرّع لتحقيق شعور بالرضا اللحظي دون تحقيق تقدم حقيقي في المعرفة. يتشابه هذا المفهوم مع تأثير المواد الإباحية على الدماغ، حيث يتسبب في إطلاق الدوبامين، مما يمنح شعورًا بالمتعة الفورية دون أي إنجاز حقيقي.
على منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، يتشارك المستخدمون روابط لكتب، فيديوهات، ودورات تدريبية بكثرة. هذا النوع من المشاركة يحقق شعورًا بالإشباع اللحظي للأشخاص بسبب إفراز الدوبامين، ويظن الكثيرون أن مجرد فتحهم لرابط ما يكفي للتعلم أو الاطلاع على تعريف عام دون استيعاب أو تعلم فعلي من تلك المواد. لعلّ أحد الأسباب الرئيسية وراء هذا السلوك هو الفهم الخاطئ للمعلومات المتاحة بكثرة على الإنترنت. يشعر الأفراد بأنهم يكتسبون معرفة حقيقية لمجرد أنهم يتعرضون لكميات كبيرة من المعلومات، بينما في الواقع، يكون تأثير هذا الاستهلاك السريع محدودًا للغاية.
يحضرني هنا كتاب "The Shallows: What the Internet Is Doing to Our Brains" للكاتب نيكولاس كار، حيث يشير إلى أن التعرض المستمر للمعلومات السطحية يقلل من قدرتنا على التفكير العميق والتركيز. يوضح كار كيف يمكن للدماغ أن يتغير استجابة للتجارب والبيئات الجديدة، ويشرح أن التحفيز المستمر والتدفق السريع للمعلومات عبر الإنترنت يعيد تشكيل دماغنا نحو التفكير السطحي وتقليل فترات التركيز. وفق الكتاب، يؤدي ذلك إلى تراجع مهارات القراءة العميقة، وهي عملية إدراكية مهمة للتفكير النقدي والتعاطف والتأمل. ويجادل بأن الإنترنت يشجع على التصفح السريع للمعلومات مما يعوق قدرتنا على الانخراط بعمق مع النصوص المعقدة.
أزعم أنّ علينا تحويل استهلاكنا للمحتوى من مجرد استهلاك لحظي يسبب الشعور بالرضا الزائف إلى عملية تعلم فعالة ومستدامة، تساهم في تطويرنا الشخصي والمعرفي بشكل حقيقي.
إضافة تعليق جديد