مدخل لفهم الصراع الطبقي
إعداد: عبد المجيد طعام
يعد تغييب الوعي بالانتماء الطبقي من أقصى درجات الاستيلاب والتغريب ، وأخطر أشكال الاستبداد تطرفا عنفا ، لهذا آثرت أن أن أخصص مجموعة من الحلقات لفهم الصراع الطبقي ، لعلني أحفز في بعض المتتبعين رغبة التساؤل عن وضعهم الاجتماعي وانتمائهم الطبقي ،بهذف خلق رغبة المعرفة والبحث عن سبل استعادة الوعي بالانتماء الطبقي ، في الحقيقة تعد مسؤولية إيقاظ الوعي الطبقي من المسؤوليات الرئيسة التي يجب أن يضطلع بها المثقف ليستحق حمل صفة " مثقف" .
حينما نذكر الصراع الطبقي تحضر في أذهاننا صورة سمعية لشخص بلحية كثيفة ونظرة حاسمة، إنها صورة كارل ماركس ، وهي الصورة التقليدية الشائعة التي يعرف بها هذا الفيلسوف ورجل الاقتصاد ، لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن ماركس لم يخترع مفهوم "الصراع الطبقي"، ابتكره فرانسوا جويزو، المؤرخ والسياسي الفرنسي ،عاش خلال القرن التاسع عشر، كان ليبيرالي التوجه ، لكن ماركس ساهم في انتشار هذه المفهوم، وجعله واحدا من المفاهيم الرئيسية في نظريته الاقتصادية .
قبل أن نشرح ما هو الصراع الطبقي، يجب أن نذكر أن ماركس فيلسوف واقتصادي ألماني، درس القانون أولاً قبل أن يتحول إلى الفلسفة والاقتصاد، هو شخصٌ قدَّم الشيء الكثير من نفسه وحياته في سبيل عمله وأفكاره، تعرَّض للرقابة والطرد، وسافر من بلد إلى آخر هروبا من الاضطهاد، ورغم إصوله البورجوازي، فقد عاش معظم حياته في فقر شديد.
كان ماركس يؤمن بأفكاره وبنضاله، ناضل من أجل الثورة الفكرية والاجتماعية والسياسية . وهو مادي التوجه، ينتمي إلى الفلاسفة الماديين الذين يرون أن المادة سابقة على الفكر. غالبا ما نختصر ماركس في فكره الاقتصادي، لكننا لا يمكننا فهمه في غياب مرجعيته الفلسفية , يرى ماركس أن الأفكار والوعي انعكاس للعلاقات المادية، أفكارنا إذن ما هي إلا انعكاس لوضعنا الاجتماعي الذي يؤطره وضعنا المادي، لنفهم أكثر نورد اقتباسين مما جاء في كتب ماركس ، الاقتباس الأول يقول فيه ماركس:" ليس وعي الأفراد هو الذي يحدد وجودهم، إنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم "والاقتباس الثاني: "حركة الفكر هي مجرد انعكاس لحركة الواقع المادي وقد انتقلت إلى عقل الإنسان "، وفقًا لماركس، ليست الأفكار هي التي تنتج الأفعال والأحداث، بل الأفعال والأحداث هي التي توجه العالم وتولد الأفكار ، على ضو هذا التصور سيتحدث ماركس عن بنية تحتية وأخرى فوقية ، البنية التحتية هي وسائل الإنتاج والبنية الفوقية هي الأفكار ، يرى أن الاقتصاد هو ما يشكل العالم، هوما ينظم جميع العلاقات المادية والعلاقات الاجتماعية ، الاقتصاد إذن هو ما يشكل حياتنا المهنية، وعلاقاتنا بزملائنا وأصدقائنا ،وبكل المحيط الذي نعيش وسطه ، كما يحدد الأجر الذي نتقاضاه مقابل العمل ، وهو الذي يحدد المهام التي يجب أن نقوم بها، والمسكن الذي نعيش فيه، والحي والبيئة الاجتماعية، والعادات والتقاليد والدين نفسه ، يشكل الاقتصاد علاقتنا بالاستهلاك والتكنولوجيا، ونوع تعليمنا، والمدرسة التي نرسل إليها أطفالنا ونوع دراساتهم العليا. يحدد الاقتصاد كل شيء ، إنه يمثل القوة العظمى التي توجه كل حياتنا واختياراتنا دون أن ندرك ذلك، نحن لا نعي أهمية هذا الاقتصاد في تشكيلنا وتوجيهنا بشكل لا إرادي ، لهذا غالبا ما ننظر إلى حالتنا الاقتصادية والاجتماعية كأحداث طبيعية ، أو كقدر ووقائع وأحداث نعجز على تفسيرها ، ونعتقد أن هناك قوة غيبية تتحكم وتوجه مسار حياتنا ، لهذا نرى أن لا جدوى من طرح تساؤلات عن وضعنا الاقتصادي والاجتماعي.
في حياتنا اليومية، سؤال الوضع الاجتماعي غائب ومغيب ، لا نملك الوعي الكافي لندرك أن وضعنا الاجتماعي ،تتحكم فيه علاقة الصراع التاريخي بين المستغَلِّين والمستغِلِّين ، كما لا ندرك أن وجودنا الفردي والجماعي ، تتحكم فيه علاقات الإنتاج التي يحددها موقعنا في الجهاز الإنتاجي. جاء ماركس ليصرخ في وجه الجميع :" لا يجب أن يستمر الاستغلال " قال لنا :"عليكم أن تدركوا أن المجتمع منظم في طبقات اجتماعية، توجد طبقتان رئيسيتان، هما الطبقة الرأسمالية أو البورجوازية والطبقة العاملة أو البروليتاريا. الطبقة الرأسمالية هي التي تستحوذ على وسائل الإنتاج ، وتجعل منكم مجرد مأجورين ، تبيعون جهدكم العضلي بثمن لا يساوي ما تبذلونه من جهد ، وبهذا أنتم لا تستفيدون ، بينما يراكم الرأسماليون راس المال " بالنسبة لماركس، تاريخ الإنسان هو تاريخ الصراع المخفي أو المعلن بين هاتين الطبقتين المتناقضتين، أصحاب رأس المال والعمال ، ولكن في الغالب نحن نعيش حالة عدم وعي اجتماعي للطبقة التي ننتمي إليها.الحلقة القادمة : كيف يتم تغيب الوعي بالانتماء الطبقي ؟
إضافة تعليق جديد