البير كامو مؤسس مذهب العبث
مفكر و فيلسوف فرنسي عاش في القرن العشرين ولد في الجزائر يوم الجمعة 7 نوفمبر 1913 و مات يوم الاثنين 4 يناير 1960 في فرنسا ، كتب روايات عديدة مثل الغريب و أسطورة سيزيف و السقوط ، و حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1957 عن روايته المشهورة الطاعون .
يعتبر كامو مؤسس المذهب العبثي في الفلسفة ، و العبثية حركة فلسفية تنطلق من فرضية مركزية تقول إن الإنسان يوجد بلا هدف في عالم فوضوي بالكامل .
شرح كامو فلسفته بالانطلاق من أسطورة سيزيف في الميثولوجيا اليونانية ، إذ أن سيزيف مجبرٌ على دفع الصخرة من أسفل المنحدر إلى الأعلى ، و لكنه لا يستطيع الوصول أبداً إلى القمة ، ففي كل مرة تعود الصخرة للتدحرج إلى الأسفل ، و عليه أن يعيد الكرّة مرّة أخرى ، تماماً كما سيزيف ظروفنا قاسية و أفعالنا تصبح بلا معنى ، و هذا ما يمكن تسميته بالعبثية .
اقترح كامو ثلاث طرق للتعامل مع إنعدام المعنى في الحياة ، الانتحار و الإيمان و القبول .
لكنه رفض الطريقة الأولى ، فنحن لا نستطيع تحقيق أي معنى من الموت . كما رفض الايمان لأنه رفض لعبثية العالم . وفقاً لكامو سوف نتقبل أن الحياة لا تحتوي على معنى مؤكد ، و أننا يجب أن نمتلك القوة لخلق المعنى ، و يكون ذلك من خلال :
أولاً السعي لشيء يستحق الموت لأجله :
وفقاً لكامو بدل أن تتخذ قراراً بالانتحار لإنهاء حياتك التي لا تحمل معنىً اتخذ قراراً بالسعي وراء ما يستحق الموت لأجله ، كالجنود الذين يدافعون عن أوطانهم و يضحون بأنفسهم ، و هذا يعطيهم المعنى .
يبدو الأمر صعباً في الواقع المعاصر ، فاليوم نحن نمتلك ثقافة تمجد النزعة الإستهلاكية و الراحة ، و تبعدنا عن مفهوم التضحية من أجل هدف نبيل و ذي معنى ، بالرغم من ذلك يمكننا خلق معنى بأنفسنا ، عندما نربط شغفنا مع مجموعة من الأهداف ، التي يجب إنجازها لتؤثر بمجتمعاتنا بطريقة إيجابية .
ثانياً قرر مستقبلك كل يوم :
وفقاً لكامو الحياة هي مجموع اختياراتنا ، عموماً في الحياة نحن نختار و يجب أن نتخذ قرارات . و هناك بعض الناس مدركين تماماً لخياراتهم ، كالجنود الذين يضعون خطة يتبعونها و يسعون لإنجازها بشغف ، يعرفون ماذا يريدون و ما الذي يعطي حياتهم المعنى . لكن في المقابل هناك بعض الناس ممن لا يعرفون كيف يعيشون ، و لا يمتلكون رؤية و لا معنى خاص لحياتهم ، و لذلك على البشر أولاً أن يعرفوا المهارات التي يمتلكونها أو يتمتعون بها ، ما الذي يريد تعلمه ؟ ما نوع الأصدقاء المفيد لهم ؟ ما الذي يجعلهم سعداء ؟ ما نوع العمل الذي يتوافق مع شغفهم ؟
و وفقاً لكامو كل قرار يصنع مستقبل الإنسان ، فإذا قرر للطالب أن يخرج مع أصدقائه بدل أن يدرس ، فمن الممكن أن يفشل بامتحاناته ، و من الممكن أن يصبح مستقبله في خطر .
ثالثاً ازرع الحبّ :
يخبرنا كامو أن العالم الخالي من الحبّ عالم ميت ، في روايته الطاعون يشرح كم نحن ضعفاء كأفراد عندما نواجه الوباء ، إذ يكتشف البشر أهمية التضامن ، فالحبّ بين الناس هو ما يوحدهم ، و غالباً ما ينسون ما يسبب لهم الانقسام ، كالأراء السياسية و العقائد الدينية و غيرها .
في هذه الحالة يصبح الأهم هو النجاة ، و يغدو الحبّ وحده القوة التي تجعلنا نتواصل .. لذلك أصرّ كامو فعلياً على أهمية زراعة الحبّ ، فالعالم الخالي من الحبّ يقتل الإنسان من الداخل ، و يجعله يعيش ضمن الأفعال الروتينية ، مع عدم اختبار السعادة الحقيقية في الحياة .
إذاً إن لم تزرع الحبّ و إذا بقيت في عمل لا ترغب فيه ، و تزوجت شخصاً لا تحبّه ، و إذا كنت تعيش في مدينة لا تحبّها ، فإنك مع الوقت ستفقد معنى حياتك .
رابعاً افعل ما بوسعك في كل لحظة :
وفقاً لكامو الكرم الحقيقي تجاه المستقبل يكمل في بذل كل شيء للحاضر ، و تغيير العالم يكون من خلال حياة بناءة و متمردة ، و لذلك فقد قال ( أنا متمرد إذاً أنا موجود ) .
إذاً لكي تكون شريفاً في المستقبل عليك أن تكون كذلك في الحاضر مهما كانت المغريات ، فإذا كنت تخون ذاتك الحالية من أجل ذاتك في المستقبل فإنك تهين شرفك ، و ستشعر بالخجل كلما نظرت لنفسك في المرآة .
خامساً إيجاد القوة حتى في أكثر اللحظات قسوة :
تنطلق الفلسفة العبثية من أمرين ، الأول هو أن البشر يبحثون دوماً عن المعنى ، و الثاني هو أن العالم لا يقدم أي معنى .
وفقاً لكامو عندما يستطيع الإنسان إيجاد شغفه فإن ذلك يعني صيفاً لا يقهر في مقابل الشتاء المظلم ، و يمكن للأفراد أن يخلقوا عالمهم الداخلي من خلال معرفة شغفهم و معرفة حريتهم بعيداً عن البحث في العالم الخارجي ، و بهذه الطريقة سيجدون المعنى .
إذاً مهما كانت الظروف التي تمرّ بها قاسية ، و حتى أن خسرت عملك ، و فقدت شريك حياتك ، يجب أن تبقى متأكداً أن هناك صيفاً لا يقهر بداخلك يجعلك آمناً من هذه الصعوبات .
وعن الذين يدعون معرفتنا يقول الفيلسوف البير كامو:
" لا أحد يعلم ما أصابك ، لا أحد يعلم كيف هي معركتك الخاصة مع الحياة ، ما الذي زعزع أمانك و قتل عفويتك ، كم كافحت و كم خسرت ، لا أحد يعلم حقاً من أنت "
إضافة تعليق جديد