ما هي الأساطير: نظرة أنثروبولوجية

إميل دوركهايم:

إن الأساطير، والقصص الخالدة المنسوجة في نسيج الثقافات الإنسانية، هي بمثابة نوافذ على الخيال الجماعي للمجتمعات. تتجذر هذه القصص في الفولكلور، وتتجاوز الأجيال، وتشكل المعتقدات والقيم والهويات. في هذا الإستكشاف الأنتروبولوجي، نتعمق في الأهمية العميقة للأساطير عبر الثقافات المتنوعة، ونكشف عن النسيج المعقد الذي يربط البشرية من خلال هذه الحكايات الآسرة.

• وظيفة الأساطير:

يفترض علماء الأنتروبولوجيا أن الأساطير تلعب أدواراً متعددة الأوجه داخل المجتمعات.  تعمل الأساطير كبوصلة ثقافية، وتوفر أطراً لفهم العالم، وشرح الظواهر الطبيعية، والتعبير عن أصول الإنسانية. غالباً ما ترمز هذه الروايات إلى دروس أخلاقية، وتوجه الأفراد في التعامل مع الأعراف المجتمعية والمعضلات الأخلاقية.

• الهوية الثقافية والأساطير:

تعمل الأساطير بمثابة مرايا ثقافية تعكس الهويات الفريدة للمجتمعات. ومن خلال الشخصيات والأحداث الرمزية، تعبر المجتمعات عن قيمها وتطلعاتها ومخاوفها.  سواء كان الأمر يتعلق بالآلهة اليونانية أو الحكايات المعقدة للقبائل الأصلية، فإن الأساطير تشكل صلة بين الماضي والحاضر والمستقبل، مما يعزز الشعور الجماعي بالإنتماء.

• التماسك الإجتماعي والطقوس:

يرى علماء الأنتروبولوجيا أن الأساطير تتشابك مع الطقوس، مما يخلق رابطة من التعبير الثقافي والترابط المجتمعي. غالباً ما تكون الطقوس بمثابة تشريعات أو إعادة تمثيل للروايات الأسطورية، مما يعزز تجربة مشتركة تعزز التماسك الإجتماعي. من الطقوس الإدخالية(*)، إلى الإحتفالات الموسمية، توفر الأساطير السيناريو لهذه العروض الشعائرية.

• التكيف والتطور:

الأساطير ليست ثابتة. فهي تتطور مع مرور الوقت، وتتكيف مع الإحتياجات المتغيرة للمجتمعات. تكشف الدراسات الأنتروبولوجية كيف تخضع الأساطير للتحولات، حيث تتضمن عناصر أو تفسيرات جديدة لتبقى ذات صلة.  تضمن هذه الخاصية التكيفية طول عمر الأساطير، مما يسمح لها بالإستمرار عبر الأجيال.

• مواضيع متعددة الثقافات:

على الرغم من التنوع الثقافي، يحدد علماء الأنتروبولوجيا موضوعات متكررة في الأساطير في جميع أنحاء العالم. تتردد أصداء الأفكار النموذجية مثل رحلة البطل، وأساطير الخلق، والمعارك الكونية بين الخير والشر، عبر الثقافات. تشير هذه العالمية إلى وجود نوع من اللاوعي الإنساني المشترك، مما يدفع علماء الأنتروبولوجيا إلى إستكشاف الأسس النفسية التي تربط البشرية من خلال رواية القصص الأسطورية.
في النسيج المعقد للثقافات الإنسانية، تظهر الأساطير كخيوط تنسج معاً روايات الأصل والأخلاق والهوية. ومن خلال العدسات الأنتروبولوجية، نكشف عن الوظائف الديناميكية للأساطير، متجاوزين الحدود الجغرافية، للكشف عن الموضوعات المشتركة التي يتردد صداها عبر الحضارات. وبينما نواصل كشف غموض الأساطير، نكتسب رؤى أعمق في النفس البشرية والسعي الخالد للمعنى الذي يربطنا جميعاً.