قراءة في كتاب شقيقات قريش للدكتور فاضل الربيعي

ريم حبيب:

هل نحن من نسل قحطان أم عدنان ومالفرق إن كنا أحفاد هذا أم ذاك؟  وهل قحطان وعدنان جدين حقيقين أم أسطوريين؟ وهل التمايز فيما بيننا  يكمن في العبادات والطقوس أم في  أنظمة طهارة  وتقاليد طبخ وإنتاج طعام  ؟
يخبرنا فاضل الربيعي في كتابه الشيق شقيقات قريش الصادر عن دار الرافدين  أن الاسمين قحطان وعدنان قد أثارا  جملة من المشكلات التقنية عند النسابين القدماء وكما احتار هؤلاء من قبل  فقد أصيب كتّاب  التاريخ التقليدي من العرب المعاصرين بالذهول والتشوش  جراء الصلات الدموية المفترضة بينهما .فالانتساب إلى الجديين الأسطوريين تجسد على الأرض بصراع وتنافس مشحون بجهل وفوقية وتمايزات تصل إلى الدموية في إطار الاصطدام  بين ثقافات قوية وثقافات ضعيفة .

يقول الربيعي أن قحطان وعدنان هما طريقتا عيش في سياق التمايز بحثاً عن الطعام  وهو مفترق الطرق الحقيقي الذي أفضى إلى نشوء قوائم الأنساب وظهورها حيث بنيت على أسس جديدة تفاقم من شدة الانفصال . وليسا جديين ننحدر منهما ونتقاتل . فيتضمن اسم قحطان كل العناصر الفونيطيقية لكلمة قحط  بمعنى جدب، وجوع ،انعدام خصب ،واحتباس مطر . يعني كل هذا أن اسم قحطان الذي دخل قوائم أنساب  عرب جنوب الجزيرة العربية كجد أعلى لقبائل اليمن  كان في الأصل البعيد  تطويراً للجذر الثلاثي  قحط بزيادة الألف والنون فلا ينصرف إلى كونه اسم  علم أو جنس  بل توصيف ينتسب إلى عصر المجاعة الكبرى مما اضطرها للتنقل والترحال  فيما تخفي كلمة عدن وهي الجذر الثلاثي  الذي تطور منه الاسم بزيادة الألف والنون صيغة من صيغ التعبير عن الإقامة في الأرض  ويقال عدنت الأبل أي مكثت واستراحت وعدن دلالة  إلى الجماعات المستقرة .

شغفي في قراءة الكتاب ليس لأنه يصنف من الكتب الأنثربولوجية وإنما لشدة تماثل اللحظة الراهنة التي نعيشها اليوم مع ماضي بعيد فكما تعرضنا كشعوب كانت مستقرة في أرضها إلى هجرة وتبدلات حاسمة في حياتنا كان سببها الحرب والجوع والعوز والفاقة مماقد يسفر عنه ذات يوم تبدلاً في الأنساب رغم أننا كنا شعباً واحداً نسكن أرضاً واحدة فالتاريخ الذي نظنه بعيد جداً يصبح بتكرار التجارب ماثلاً أمام أعيننا .
في النهاية شكراً فاضل الربيعي على الجهد المبذول في الكشف عن الحقيقة ببراهين وأدلة وليس بتأويل وتنظير فأنت حقيقة مؤرخ مختلف .

 إذ يمكن للتأريخ أن يكون واحداً من أمرين متناقضين أما صنيعة مخيلة مؤرخ  يلهب خيالنا ويبعث فينا الشوق من رماد العصور لاستعادة حالة  توظفها السلطات الحاكمة لتخلق لنفسها  مبررات زائفة وتعليلات كاذبة  ، أويؤكد لنا  أننا كأمة نمتلك تاريخاً حقيقياً ومهما اجتهد المؤرخون فاجتهادهم يحسن صورة ما لكن لايمكنهم إيجاد ماليس موجوداً . وربما  أجمل ما في التاريخ هو الذي اخترعناه وصدقناه ولكن  يبقى السؤال الأشد إيلاماً وهو مافائدة أن نشترك في تاريخ واحد فيما مستقبلنا غائب .

وإلى كل قارئ سأقول انظر إلى جذرك  البشري الذي غرس في الأرض  واتبع شجرة نسبك ربما تشرف على نجاتك من أن تكون منبوذاً من قبل القبيلة فالبحث عن الحقيقة ليس متاحاً للجميع . اعرف مقامك وقف فيه  فالعرب كلها من بعضها .