مسلسل "الغرفة 207".. لحظات مرعبة وتفسيرات حول مكان "ملعون"
يقدم المخرج المصري محمد بكير أحداثا درامية ضمن إطار الرعب والغموض والإثارة، حول الأماكن الملعونة، والغيبيات التي يصعب على الإنسان تفسيرها، وذلك في مسلسل "الغرفة 207" المعروض حديثا على منصة "شاهد".
وتدور أحداث المسلسل حول شخصية جمال الصواف، التي يجسدها الفنان محمد فراج، حيث ينتقل للعمل في بلدة مرسى مطروح المصرية، وخلال عمله في فندق، يواجه لغز الغرفة 207 في الفندق، التي تصيبها لعنة خفية، وتؤدي إلى تهديد حياته وحياة الزائرين، ويحاول الصواف أن يتخطى خوفه، ويصل إلى قصة هذه الغرفة.
أحداث المسلسل المقتبسة عن رواية "سر الغرفة 207" للكاتب المصري أحمد خالد توفيق تبدأ في عام 1968، وتمتد فيما بعد لتشهد في الحلقات الأخيرة، دخول التكنولوجيا للحياة، ومدى تأثر الحياة بذلك، سلبيا وإيجابيا، مع تناول طبيعة العلاقات الإنسانية التي تتجسد وتنفرط وقت الرعب والخوف، عبر 10 حلقات تلفزيونية.
وتركز الكوادر على الانفعالات الذاتية للأشخاص، أمام حالات الخطر، مبينة كيف يتحول الحدث عند البعض إلى تحدٍ مثير للتحليل والاكتشاف، كما حدث مع الصواف، وكيف يتحول عند الآخر إلى أمر غيبي لا يمكن فكه، ولا يتبقى في هذه الحالة سوى التعايش والإذعان.
مشهد بحري
المشهد الأول في المسلسل يكشف عن نوعية محتواه، في إشارة ذكية من المخرج، إذ يفتح الكادر على مشهد بحري نهاري، حيث لا يتواجد في الكادر سوى صورة لتلاطم الأمواج أمام مبنى قديم، في إشارة من المخرج إلى صراع قادم، وحيرة ودوامات، ستدور خلال المشاهد القادمة.
ولا يكتفي المخرج بطريقة التشكيل للمبنى التي توضح بأنه في زمن قديم، فيكتب على داخل الإطار، جملة بالخط العريض، بأن الحدث يدور في العام 1968، في مرسى مطروح في الإسكندرية المصرية.
أدوات
ويعمل المخرج عبر الصورة والإضاءة على نقل الغموض والريبة ومشاعر القلق، للجمهور، عبر الإضاءة الموحشة، ونظرات الممثلين، والهدوء والفراغات بين حوارات الممثلين، وكذلك من خلال الحركة الدائرية للكاميرا، على الجدران، والحركة البطيئة المتتبعة للأقدام، للكشف عن مساحة المكان الفارغ..
ومن ثم انطلاق الصوت المفاجئ، فبهذا، تمكن المخرج من السيطرة على مشاعر المشاهدين، عبر نقل حالة التوتر، والشغف لاكتشاف لغز المكان.
المحتوى
وتتمثل أدوات الجذب في المسلسل في المحتوى بداية، حيث إن غرف الفنادق تحديدا تبقى مثار تساؤل للإنسان، فلا يعرف المرء من كان قبله في الغرفة التي يرتادها، وهذا مثار عاصفة في الرأس حول طبيعة القصص التي دارت على الفراش ذاته، وفي أرجاء الجدران، وهذه كانت حيلة الكاتب، لشد الجمهور حول الحدث الغامض في هذه الغرفة، التي طالت من حياة وتفاصيل وذكريات جميع من دخلوها.
الشخصية الرئيسة
كما أن أدوات الجذب تحققت بفعل الأدوات التصويرية للمحتوى، حيث انطبع الغموض على طبيعة الشخصيات، وطريقة تقديم بروفايل كل شخصية..
فبدت شخصية الصواف غامضة منذ اللحظة الأولى، وتم الكشف فيما بعد على أنه هارب من ماضٍ أليم، وعلاقات فاشلة، أدت على ابتعاده عن دمنهور مكان إقامته، وتمكن فريق التصوير والفنان فراج من التعبير الحسي والحركي عن هذا بشكل سلس.
إن الخاسر لكل شيء، يترك المكان الذي اعتاد عليه، ويجرب في مكان آخر، ومن الواضح أن شخصية جمال الصواف، انطلقت إلى التجريب في الخطر والمجهول والغامض الأسطوري، حيث إن الأماكن الملعونة، تدور في دائرة الرعب، وتمس كل من حاول الاقتراب منها..
لكن جمال الصواف كان له دائرته الذاتية من الفوضى في حياته، ما مكنته من التقاطع مع دائرة الغامض في الغرفة، وخاض مغامرة فك غموضه الذاتي واكتشاف ذاته، من خلال أسرار الغرفة الملعونة، وهو ما دفعه إلى العودة لماضيه، وذكرياته، وتمكن من الوصول لمرحلة جديدة من التجريب، وفيها إجابة على سؤال: ماذا يفعل المرء في لحظات الخطر؟
مركزية الحدث
ويمكن تقسيم المسلسل، كتكوين، إلى ثلاثة أجزاء، ففي الجزء الأول تمكن المخرج من شد الجمهور نحو مركز الأحداث، والزمن الذي بدأ منه وبطريقة مقنعة، حيث عاصرت الأحداث كأفكار وطريقة تناول زمن ستينيات القرن الماضي، من حيث طريقة الحياة، والملابس، وطريقة الإضاءات والأثاث، حتى طريقة تعاطي الشخصيات مع الحدث الغامض، فلم تكن جرأة الإنسان فكريا، تمتلك مساحة أوسع مثل عصر الحداثة والتقنيات والتكنولوجيا.
تحليل
وفي الجزء الثاني انطلق السيناريو إلى منطقة التحليل والإثارة والمزيد من التداخل ما بين الشخصيات ودوافعها، وهي منطقة إثارة للمزيد من الأسئلة والتحليلات حول لغز الغرفة الملعونة.
هذه الغرفة الملعونة تتواجد داخل كل إنسان، وليس داخل فندق "لونا" فحسب، الذي احتضن الأحداث، فالإنسان يبقى دوما في طريقه لاكتشاف ذاته ومعرفتها، إلا أن هنالك أحداثا وأفكارا حول ذاته وفهمه للعالم، تبقى دون إجابات واضحة، وهذه هي طريقة المحتوى والإخراج في الاشتباك مع الإنسان، وهي مرحلة احتدام للأفكار داخل العرض.
حشو وتكرار
أما الجزء الثالث من الصراع الدرامي، فيأخذنا إلى مرحلة تكرار للأفكار، بهدف كسب المزيد من الوقت في التشويق والإثارة، لكن هذا لم يخدم فكرة التسلسل والصعود في الأحداث نحو الذروة، حيث توقف النمو الدرامي عند سدٍ ما، لا يمكن تخطيه، وهو ما أوقع المخرج في أسلوبية الحشو الدارمي.
إلا أن الأحداث بقيت محتفظة بهالة المخفي والمحير، حتى نهاية العرض، عبر المزيد من الدوران حول بؤرة العمل، ومركزيته، وإثارة الفضول لاكتشاف سر الغرفة 207.
استعادة أحمد زكي
ويمكن التقاط قدرة الممثل محمد فراج في تجسيد الدور، من خلال حواسه المتجددة مع الأحداث التي واكبت لحظات الرعب والخوف، وكذلك ملامح الصبر والجلد لديه، كما وتمكن فراج من تقديم ملامح الحب والعاطفة مع سارة، التي جسدتها نادرين فرج.
وأظهر فراج تقاطعا مع كاركتر الفنان المصري الراحل أحمد زكي خلال تأدية دوره، عبر طريقة الأداء والإكسسوارات الشخصية، والإيماءات، وكانت زوايا التصوير، في لحظة ما، كأنها تسترجع شخصية أحمد زكي في أدواره خلال ثمانينيات القرن الماضي.
إرم
إضافة تعليق جديد