أدغار موران وإنسانية البشرية
يتناول كتاب أدغار موران: «النهج: إنسانية البشرية الظاهرة البشرية، وهي قضية انشغل بها الكاتب على مدار ثلاثين سنة ولقد حاول الكاتب، خلال تلك الفترة، صياغة
مشروعه الفكري، الذي تجسد في سلسلة إصدارات أطلق عليها النهج، افتتحها بـ «النهج: طبيعة الطبيعة».
ويقدم أدغار موران هذا الكتاب بوصفه الصيغة النهائية للنهج، وهو يتضمن خلاصة تصوراته حول الظاهرة البشرية وإنسانية الإنسان، مستضيئا بالتقدم العلمي الذي حدث
في ميادين المعرفة العلمية والإنسانية المختلفة التي انشغلت بـ «الظاهرة البشرية» ومن زوايا متعددة. غير أن موران يقوم في هذا الكتاب بضم تلك الزوايا ليمكننا من إدراك الوحدة المعقدة لهويتنا، إنه يدمج بصورة تأملية مختلف العلوم المتصلة بالكائن البشري من أجل الوصول إلى حقائق ذات قيمة إنسانية على الصعيد الكوني، فيبين موران في الفصل الأول الكيفية التي تأصل بها الإنسان بتأثير من التأصل الكوني على المستويين الفيزيائي
والبيولوجي، وكيف نتجت الانطلاقة الكبيرة (الأنسنة)، التي تبدو لديه كمغامرة بدأت قبل سبعة ملايين سنة، حين استخدم الإنسان يديه ومشى منتصب القامة، واستخدم النار وما تلا ذلك من ظهور للغة واكتشاف للزراعة، مما سوغ بزوغ الثقافة؛ تلك الثروة التي تنتقل من جيل إلى جيل مرسخة المعارف والمهارات والعقائد والأساطير والخبرات وتحظى الثقافة في هذا الكتاب بأهمية خاصة، فيما يتعلق بمفهوم الإنسانية، الذي لا يكتمل إلا من خلالها ، وكذلك بوصف الثقافة نتاجاً لقدرات العقل البشري لذا فإن موران يتابع التغيرات التي أحدثتها في مسار تطور الجنس البشري، ومن ثم يتناول محددات الطبيعة البشرية وهويتها الإنسانية كغريزة الحب والعقل والأسطورة، والكاتب يقدم العقل والأسطورة كنقيضين وكأمرين متكاملين في الوقت نفسه، فأحدهما يستدعي الآخر. كما يتطرق إلى الموت ولا إنسانيته كونه يمثل قطيعة قصوى بين ذهن الإنسان والعالم البيولوجي.
ويأتي بعد ذلك على ما أطلق عليه الثالوث البشري (الفرد والمجتمع، والنوع الذي تنبثق البشرية من تعدده وتداخلاته. أما الجزء الثاني من الكتاب فيتناول الهوية الشخصية ويقدم الفرد بوصفه حاملا للشكل الكامل المتعلق بالوضع البشري، أما اختزال الفرد وتذويبه في النوع المجتمع، فإنها عملية متعذرة وشاذة لأنه هو وحده الذي يمتلك الوعي والذاتية المكتملة. ويأخذ موران بالتالي - على العلم الحتمي إذابته للذات، ونفي الفلسفتين
الوضعية والبنيوية لها. ويتناول الكتاب في هذا الجزء كذلك علاقة الذات بالآخر .
ويتجاوز المفهوم الذي يطرحه موران للذات الخيار بين الرؤية المتمركزة حول الذات أولا، والرؤية التي تعرف الذات من خلال العلاقة مع الآخر. وهو يضم الرؤيتين من خلال استعارة البرنامج الثنائي. كما يتطرق إلى العلاقة بين الإنسان العاقل والمجنون، وهي كما يرى علاقة حوارية إبداعية وتحطيمية.
ويتناول الكتاب بعض الظواهر الثقافية الملازمة لحياة الإنسان كالخيال والحالة الجمالية والشعر، التي لا يعدها ظواهر عارضة أو بنى فوقية بل إنها حالات للشعور بالحقيقة الحياتية في دواخلنا. ويتطرق موران إلى قضية الهوية الإجتماعية من خلال تطور المجتمعات بدءاً
بالعائلة ومروراً بالدولة ومراحل تطورها المختلفة، وانتهاء بالدولة-الأم الحديثة. وينهي کتابه بالحديث عما يسميه المنظومة البشرية فيتطرق إلى مفاهيم ومصطلحات على
شاكلة الحرية الذهنية والاستحواذ وسطوة التاريخ وإمبراطورية البيئة.
إضافة تعليق جديد