كتب محفورة في الذاكرة
دلال ابراهيم:
جاء في قائمة أعدتها هيئة الكتب النرويجية (معهد نوبل النرويجي) حول أفضل الأعمال الأدبية على مر العصور. عبر التصويت على قائمة تتألف من مئة كتاب من قبل نخبة من أبرز الكتّاب العمالقة الذين ينتمون إلى 54 دولة مختلفة. وظهرت الأعمال مرتبة ترتيباً أبجدياً دون غلبة لعمل على آخر. ولكن باستثناء وحيد كان لصالح رواية «دون كيشوت» التي تصدرت القائمة باعتبارها أفضل عمل أدبي تمت كتابته في التاريخ في ذلك الوقت.
وهذا الموضوع يحيلنا للحديث عن الرواية اليتيمة، أي الرواية التي سبقت شهرتها شهرة صاحبها وطغى اسمها على اسمه.
يقول المتابعون والمختصون في الأدب العالمي أن هناك روايتين فقط حصلتا على شهرة فاقت شهرة المؤلف، الأولى هي رواية «ألف ليلة وليلة» التي ضاع اسم مؤلفها واختلف الباحثون في أصلها. والثانية هي «دون كيشوت» والتي رغم أن اسم مؤلفها معلوم إلا أنه غير معروف، لأن روايته سرقت الشهرة منه. والتي ما زالت محل اهتمامات ودراسات وأبحاث نقدية بعد أكثر من أربعة قرون مرت على تأليفها. حتى إن النقاد يعتبرون أن فكرتها أسست لفن كتابة الرواية، وهي دون شك تمثل العصر الذهبي للأدب الإسباني. حتى أصبحوا يطلقون على اللغة الاسبانية اسم «لغة سرفانتس» مثلما تسمى الإنكليزية «لغة شكسبير». وتحكي الرواية قصة رجل تنتابه أوهام من عصر الفروسية.
أو عن فئة من الكتّاب المؤثرين الذين أثبتوا قدرتهم على الكتابة الرفيعة وتعددت أعمالهم لكنهم طاروا إلى سماء الشهرة على ظهر عمل واحد، ومن هؤلاء غابرييل غارسيا ماركيز الذي صار ضمير أمته ولم يخرج إلى العالمية إلا بعد روايته «مئة عام من العزلة». ومنهم برام ستوكر (دراكولا)، وتشارلوت برونتي (جين اير)، وإف سكوت فيتزجيرالد (غاتسبي العظيم)، انطوان دو سان اكزوبري (الأمير الصغير)، باولو كويللو (الخيميائي). وهذا على سبيل المثال.
في تجسيد رائع للحكمة المأثورة التي تؤكد أن «الانسحاب في الوقت المناسب انتصار». أي بين الفينة والأخرى يجود التاريخ، في فترات استثنائية، بأشخاص استثنائيين، يكتبون رواية واحدة يبهرون بها العالم ثم يختفون إلى الأبد.
ونكتشف حين نعود إلى بعض هذه الأعمال، أن أصحابها مميزون حقاً، فقد كتبوا أدباً لا ينسى. فعلى الرغم من قصر النصوص التي تركوها وراءهم، عند مقارنتها بما نراه اليوم، إلا أنهم نجحوا إلى حد كبير في جعلها مشحونة ومكتنزة، ومرتبطة بالمكان مشدودة إلى الجذر والأصل. وهم على مهارتهم وتمكنهم لم تغرهم الكثرة أو تخفهم قلة الإنتاج.
وورد ضمن قائمة «أصحاب العمل الواحد» أسماء لروايات خلدت نفسها وأصحابها بطريقة يصعب معها أن يطولها النسيان، بالنظر إلى السياق والظروف والحيثيات التي تكون قد رافقت ولادة كل عمل على حدة. بحيث باتت معروفة باسم ظاهرة «أصحاب العمل الواحد». وتتحدث القائمة عن أشهر خمسة أعمال وهي:
«الناقوس الزجاجي» سيلفيا بلاث
عاشت سيلفيا سنوات صعبة بعد زواجها من الشاعر الإنجليزي تيد هوز، فتسبب في إصابتها بالاكتئاب ومحاولات انتحارها الفاشلة بسبب خياناته، كتبت سيلفيا الشعر فكان ديوانها «آرائيل» من أهم الأعمال الشعرية في القرن العشرين، والذي تم نشره بعد وفاتها بعامين، ولم تنشر سوى رواية واحدة «الناقوس الزجاجي» العام 1962 تحت اسم مستعار وتضمنت حياة شبه موازية لحياتها
«الحصان الأسود» آنا سويل
نشرت «آنا سويل» روايتها العام 1877، لم تكن سويل عضوًا في أي من حركات الدفاع عن الحيوانات، لكنها كانت تقود عربة يجرها الحصان لتوصيل والدها لعمله كل يوم، وروايتها هذه جعلت سوء معاملة الخيل قضية عامة آنذاك، وسبب في الإقلاع عن استخدام الزمام الكابح وغيره من ممارسات سيئة ضد الخيول. وتوفيت بعد خمسة أشهر من نشرها.
«ذهب مع الريح» مارغريت ميتشل
لم تكن مارغريت ميتشل من الباحثين عن النجاح الأدبي؛ فكتبت رائعتها «ذهب مع الريح» سرًّا في تحد لزميل لها سخر منها ولم يصدق أنها قادرة على كتابة رواية، حتى إنها لم تكن تنوي النشر ولازمت البيت 6 سنوات من أجل الكتابة لتنتج واحدًا من الكتب الأكثر مبيعًا.
«مرتفعات وذرنغ» إميلي برونتي
لم تجمع إميلي ما كتبته من شعر خلال حياتها حتى عندما نشرت روايتها الوحيدة «مرتفعات وذرنغ» باسم مستعار؛ لصعوبة قبول امرأة تكتب في العصر الفيكتوري واعتبار الأدب من اختصاص الرجل فقط، وبعد وفاتها وهي في سن الثلاثين قامت شقيقتها بنشر الرواية باسمها الحقيقي.
«دكتور زيفاغو» بوريس باسترناك
يعد باسترناك واحداً من أعظم شعراء القرن العشرين، ولكن في فن الرواية كتب ملحمته «دكتور زيفاغو»، الرواية التي كتبها باسترناك وأخرجها ديفيد لين فيلمًا بالاسم نفسه، وحصد بها خمس جوائز أوسكار. وبقيت الرواية متربعة على عرش أفضل المبيعات وفق صحيفة نيويورك تايمز لمدة ستة أشهر كما ونال مؤلفها جائزة نوبل عام 1958.
بينما خلد الكاتب الإيرلندي أوسكار وايلد اسمه، ضمن قائمة أدب القرن الـ19 بروايته الفلسفية «صورة دوريان غراي» (1891). وعكس ما ذهبت إليه التوقعات من مواصلة وايلد لنجوميته الأدبية، فضل الاكتفاء بهذا العمل الذي يحكي قصة حياة شاب أراد أن يرسم صورة لدوران، وكيف أن العمل أظهر مدى الترابط بين البطل والمكان الذي ظل يرسمه لسنوات حتى اكتملت لوحته.
ولكن ظاهرة رواية واحدة يمكن أن تخلد اسم صاحبها في عالم الأدب العربي، فعلى ما يبدو أن هذه الفكرة لا تزال غريبة أو مهجورة في سياقنا الإبداعي، رغم ما تحمله من بريق وإغراء، قد يستحثان الكاتب على السعي لإنجاز عمل واحد مميز، يستطيع بواسطته أن يعلق في ذاكرة القراء ولا يغادرها. ولكن ثمة استثناءات, يمكننا أن نذكر منهم أحلام مستغانمي في (ذاكرة الجسد) الطيب الصالح في (موسم الهجرة إلى الشمال) غسان كنفاني في (رجال تحت الشمس) محمد شكري (الخبز الحافي) صموئيل شمعون (عراقي في باريس).
تشرين
إضافة تعليق جديد