ما قِيلَ و ما لم يُقّلْ عن " جورجيا ميلوني "
في حي ( جارباتيللو) بالجنوب الإيطالي ، حي العمال و الفقراء والذي يُعَدُ مَعقِلًا لليسار القديم ترعرت في بيت جدتها ، وكانت قد وُلِدَت في روما لأب ينتمي للحزب اليساري و أم يمينية شديدة التطرف ، و لم يتنازعها الطرفان إذ هجرهما الأب وهي لا تزال رضيعة فاستمعنا لرعاية الأم ، الأم التي ستشكل كل ملامح الإبنة والتي ستكون فيما بعد أول رئيسة وزراء إمرأة في تاريخ إيطاليا ، و أول رئيسة وزراء تنتمي لليمين الشعبوي الإيطالي الذي عفا عليه الزمن مع موت "موسوليني " ، والذي لا يتشابه كثيرًا مع شعبوية "دونالد ترامب" الفجة و لا "ماري لوبان " الشرسة ، لكن صلة الدم والعيش والملح ،و الصدر الذي يَحِنّ يجمع كل اليمينيين مُرغَمين و طائعين في سلة واحدة .
جورجيا الطفلة ذات العام الواحد و التي فارق أبوها أمَها للأبد انتمت لكل ما تعتنقه و تنتهجه الأم من فكر يميني متطرف كارهةً و مناهضة لكل ما كان يمثله الأب من قيم و أفكار و رؤى ، كانت قد خلعته من عقلها و قلبها و ضميرها و كان أن اعتبرت "موسولينى " والدها
وفي ذات الوقت نمت واعتنقت كل القيم كمسيحية متدينة تتجنب المثليين وتدينهم علنًا في عملها كصحفية و كنائبة في مجلس النواب ، و في ذات السلة وضعت كل لاءاتها : أتخذت موقفًا حادًا تجاه الإجهاض و زنا المحارم و المهاجرين المسلمين والمِثلية الجنسية بالطبع و طوال الوقت لم تنسَ أن تمنح تحيةً كبيرة بملء الكف الأيمن لمعلمها ووالدها الروحي "موسوليني " و إن اختلفت عنه كليةً في كثير من المبادئ والسلوك -كما تقول- بل و تبرأت علنًا من نعتها بالفاشية
هُنا وُضِعَت "جورجيا "في بؤرة الضوء و بؤرة الحدث و بؤرة (إستيجماتيزم) التقييم خاصة حين أعلنت عن رغبتها في طرد المهاجرين الذين أفقدوا إيطاليا هويتها راغبين و عاملين لتحويلها الى ما يشبه دولتهم الإسلامية التي فروا من قيودها و مشايخها متسائلة لماذا لا يعودون للعيش في البقعة التي تتسق و أفكارهم حيث هُويّاتهم ولماذا يرغبون في تغيير هُويّتنا ؟
والله الست عدّاها العيب .
ليس صحيحًا أن "جورجيا ميلوني " أصبحت على ما أصبحت عليه من أفكار و مناصب لأنها (كانت فقيرة تبيع الخيار والطماطم في السوبر ماركت مع أمها ) ! فكل االأروبيين والأميركان لا تعيبهم هذهِ المِهَن و لا تحدد انتماءاتهم السياسية ، انخرطت "جورجيا "في اليمين الذي قادتها والدتها إليه منذ نعومة أظافرها و كأن الأم تصفع طليقها مائة قلم على صفحة وجهه لتركه لهما فارًا إلى إمرإةٍ أخرى في بلادٍ بعيدة حيث انقطعت أخباره ، فكان أن قطعت الأم عنه صلة رحم ابنتها به و أقصتها عن اليسار و زرعتها في رحم و حضانة و تربةٍ يمينية .
طرقت Giorgia Meloni أبواب السياسة والعمل العام والخطابة منذ تعليمها الجامعي إذ كانت تتمتع بطلاقة اللسان و الزعامة الشعبية مبكرًا شأنها شأن نساء برج (الجدي ) صاحبات المزاج العنيد -مولودة في 15 يناير - وبسهولة سقت طريقها نحو عضوية مجلس النواب و الصحافة و تزوجت صحافيًا إيطاليا يُدعى " جيامبرونو " والتحقت بحزب ( إخوان إيطاليا) المتهم باليمينية الموسولينية ، وسرعان ما اختارها "بيرلسكوني " عام 2008 وزيرة للشباب والرياضة ، ويمكن اعتبارها( تربية بيرلوسكونية) أكثر منها انتماء للفكر الفاشي الموسوليني .
ثم كانت المفارقة العجيبة التي تطرح ألف سؤال ، أحد أهم هذه الأسئلة هو : من كان خلف الفوز الكاسح ل "جورجيا " و من دفع الأموال لها و للناخبين ، ثم من دفع بها للفوز بنسبة
26% في المائة من الأصوات و بعد اندماجها مع عدة أحزاب حصلت على الأغلبية 63%النسبة التي مكنتها بفوز رئاسة الوزراء الأسبوع الماضي وهي التي لم تحصل سوى على 5.4% من أصوات الناخبين عن ذات الحزب عام 2012 ؟ فمن صنع هذا الفارق ؟ و كيف ؟ و ما هي الأسباب التي جعلت الناخبين الإيطاليين المعروفين في أغلبيتهم بأنهم من ذوي الميول اليسارية ، ما الذي يجعلهم يختارون هذا الحزب فجأة ويقعون في غرامه؟
الإجابة :
1- يقولون إنها ألعاب و فلوس "بوتين " الذي يجمع كارهي أميركا في سلته ! بالرغم من أنها بعد فوزها سرعان ما طمأنت الإيطاليين والأوربيين بدعمها لأوكرانيا و رئيسها ؟
2-يقولون "ترامب " و نفوذه وفلوسه ، و هو الذي أرسل سكرتيرة السابق الخاص "ستيف بانون" الى آيطاليا ليكون أول المهنئين لها و خطفت صورتهما على المسرح لحظة فوزها بحكم إيطاليا كل الأضواء .
3-و يقولون أن من دفع بها للفوز هو أحد أباطرة الظل الشعوبيين الذين يقودون العالم الآن ضد هيمنة القطب الأميركي الواحد ، الشعوبيون الذين يثقلون كفة الميزان الدولي تجاه جمع أثقال من هنا وهناك ، أثقال يمينية متطرفة ، كفة الميزان التي ظلت منذ نهاية الحرب الثانية تتأرجح عالية في الفراغ .
4-و يقولون البنت سر أمها
5- و يقولون و يقولون ، لكنها يقينا هي من قادت طريقها الصعب بطموحها و بتعبها و بأفكارها التي تسعي كيّ تعيد الى إيطاليا شكلها القديم ، و في ذات الوقت تسعي كي تبتعد ببلادها عن المهاجرين العرب و عن سكة الإتحاد الأروبي الذي مزقته تبعيته لأميركا ، هي ترفض أن تصبح بلادها تابعة خادمة لأميركا إنها اليمينية ضد تسلط القطب الأوحد و لا تحب أن تقف في طابور الخدمة الأميركي خلف ألمانيا أو انجلترا .
قالت بالحرف عقب فوزها في الخطاب المُتلفز : (a night of pride for many and a night of redemption.”) إنه يوم فخر ويوم فداء ، وأضافت انه يوم نصر ولقد اختارني الإيطاليون ولن أخذلهم ، في ذات التوقيت أعلنت مستشارتها Emiliana De Blasio والمتحدثة بإسمها أن "جورجيا" بإعتبارها أول رئيسة وزراء إمرأة في إيطاليا تصنع التاريخ لم تأتِ من أجل حقوق المرأة و الدفاع عن الجمعيات النسائية لكنها جاءت من أجل إعادة صياغة هوية بلدها من جديد .
هل فسرت جورجيا للعالم هويتها اليمينية ؟
هل اقتنع العرب والمسلمون ؟
هناء فتحي
إضافة تعليق جديد