المستهلكون السوريون يشترون “الستوكات” ووزارة “حماية المستهلك” تتفرج!
خالد معماري:
يعاني السوريون في السنوات الأخيرة، من رداءة البضائع المستوردة المعروضة في الأسواق، بما فيها من منتجات كهربائية، وبطاريات، وألواح طاقة شمسية، وقطع تبديل، وخردوات، وأدوات صحية، وألعاب الأطفال، وملحقات أجهزة خلوية.. والأمر وصل إلى درجة، بات فيها المستهلك، يدرك تمامًا، أن العمر الافتراضي لأي منتج يقوم بشرائه، لن يتجاوز الأسبوع الأول من تاريخ الاستخدام، وإن حصل، وبقي المنتج على قيد الحياة، متجاوزًا تلك المدة، فهو حظ من السماء، يوجب مضاعفة الحمد والشكر لله.
أما عن سبب رداءة المنتجات المستوردة إلى الأسواق السورية، فسأروي قصة غريبة سمعتها، من شخص جمعتني معه الصدفة، في أحد الأسواق، كنت أشتكي له سوء البضائع، فعرّفني عن نفسه بأنه طبيب مختص في الجراحة، يقيم ويعمل في بريطانيا، لسنوات عديدة، إلا أن حادثًا وقع معه، لم يقعده، لكن أوقفه عن ممارسة المهنة، فقرر العمل في مجال الاستيراد، من الصين إلى بريطانيا.
وتابع.. بسبب حاجز اللغة، كان يطلب في كل زيارة إلى الصين، مترجمًا يرافقه إلى المعامل، للاطلاع على المنتجات والأسعار، وعقد الصفقات.. وفي إحدى الزيارات، أخبر المترجم (باللغة الإنكليزية)، أنه من أصل سوري، أثناء الرحلة إلى المعمل، وهناك حدث شيء غريب، فبعد أن طلب عرضًا بأسعار القطع التي ينوي شراءها، شاهد اختلافًا شديدًا بالأسعار، فإحدى القطع التي اعتاد شراءها بأكثر من 10 دولارات، جاء ثمنها أقل من دولار واحد، وقطعة أخرى ثمنها يتجاوز خمسين دولارًا، عرضت عليه بثمانية دولارات.. وبسبب دهشته من رخص الأسعار، طلب مدير المبيعات، مستفسرًا عن الأمر، ليجيبه الأخير بكل صراحة: “أنتم السوريون تطلبون البضائع بأدنى المواصفات، وأقل الأسعار، وبعمر افتراضي يضمن وصولها إلى أماكن البيع فقط.. وأحيانًا تتنازلون حتى عن الشرط الأخير، مقابل خفض السعر”.. وهنا عَلِم محدّثي، أن المترجم، أخبر أصحاب المعمل، بجنسيته السورية، ولم يبلغهم عن جهة شحن البضائع المطلوبة، وأنها سوف تخضع بمواصفاتها لقوانين السوق الأوروبية.
استمعت إلى قصة محدّثي بكل اندهاش، ولم يخطر ببالي إلا تفوقنا على الصينيين، فصناعتهم تغزو أسواق العالم، وتدمر اقتصاديات أكبر الدول الصناعية، أما نحن، فنغزو بصيتنا كسوريين، جميع المعامل، وورش الصناعة الصينية.. وهو ما يعيدنا إلى أسواقنا، التي باتت مكب لكل رديء من البضائع المستوردة، وهو ما يفسر سبب عدم وجود ضمان للسلع المباعة في سورية، فالبائع يعلم تمامًا حالة البضائع التي يستوردها المستورد، وإذا ألزم نفسه بضمانها، ولو لشهر واحد، سوف يتكبد خسائر تفوق رأسماله، وبسبب غياب المنافسة الحقيقية، وصلنا ببساطة إلى ما نحن عليه الآن.
لكن حماية المستهلك، لا تتشكل من المنافسة وحسب، بل يجب أن ترافقها قوانين واضحة وصارمة، وهو ما قامت به أغلب دول العالم.. ففي 15 آذار من عام 1962، ألقى الرئيس الأمريكي (جون كينيدي) خطابًا أمام الكونغرس، تحدث فيه عن الحقوق الأساسية الأربعة للمستهلك، أُطلق عليها اسم (شريعة حقوق المستهلك)، ثم قامت الأمم المتحدة لاحقًا بتوسيعها إلى ثمانية حقوق، من خلال إصدارها للمبادئ التوجيهية لحماية المستهلك، وبعد ذلك اعتمدت المنظمة الدولية للمستهلكين، تلك الحقوق، كميثاق، واعتُبِرَ يوم 15 آذار من كل عام، يوم عالمي لحقوق المستهلك.
الحقوق الأساسية الأربعة للمستهلك:
1- الحق في السلامة.
2- الحق في الحصول على المعلومات.
3- الحق في الاختيار.
4- حق الاستماع إلى شكايات المستهلك.
أما التوسع الذي أقرته الأمم المتحدة، فجاء كالتالي:
5- الحق في إشباع الاحتياجات الأساسية.
6- الحق في التعويض عن السلع الرديئة والخدمات غير المرضية.
7- الحق في توعية المستهلك.
8- الحق المستهلك في بيئة صحية ومنزل آمن.
أما في سورية، فقد أحدثت عام 2012 وزارة، دعيت باسم (وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك)، تُعنى بشؤون المستهلكين، وتسهر على حمايتهم.. وعلى الرغم من إحساس السوريين بالفقدان التام للبند السادس، من شريعة حقوقهم، إلا أن تلك الوزارة، كما هو واضح، تسهر على (تنفـيذ سياسة الدولة في شؤون الأسعار)، أي أنها تسعى جاهدة في ضبط الأسعار، ومنع الأسواق من الانفلات، مع العلم أن العام الفائت، صدر المرسوم التشريعي رقم (8)، الخاص بحماية المستهلك، والذي يؤكد في فصله الثاني، على أن:
أ – للمستهلك، ولمرة واحدة، الحق في استبدال المادة أو المنتج أو السلعة بأخرى من ذات الصنف أو بذات القيمة، دون تحمل أي نفقات، وذلك خلال ثلاثة أيام من تسلمها، ودون الإخلال بأي ضمانات أو شروط قانونية أو اتفاقية أفضل.
ب – للمستهلك الحق في إعادة المادة أو المنتج أو السلعة، واسترداد ثمنها، دون تحمل أي نفقات، إذا تبين وجود عيب فيها، أو تعذر استبدالها بأخرى من ذات الصنف أو القيمة.
بينما تلزم المادة رقم (5) منه، بائع المفرق، بـ “وضع بيان يتضمن حق المستهلك في الاستبدال والإعادة، في مكان ظاهر داخل أماكن بيع المواد أو المنتجات أو السلع”.
من الواضح أن أحكام المرسوم لم تطبّق على أرض الواقع حتى الآن، حيث أن المستهلك السوري يُجبر على شراء البضائع الرديئة من الأسواق وفق مبدأ (البضاعة التي تباع لا تُرد ولا تُستبدل)، وهو مبدأ تم منعه في أغلب دول العالم حتى العربية منها، ففي مصر مثلاً، تنص المادة (17) من قانون حماية المستهلك على أنه: ” للمستهلك الحق في استبدال السلعة أو إعادتها مع استرداد قيمتها النقدية، دون إبداء أي أسباب، ودون تحمل أي نفقات خلال 14 يومًا من تسلمها”.. أما المادة (21) فتنص على أنّ “للمستهلك الحق خلال 30 يومًا من تسلم السلعة في استبدالها أو إعادتها مع استرداد قيمتها النقدية، إذا شابها عيب أو كانت غير مطابقة للمواصفات.”
والأمثلة تطول.. بانتظار تحقيق حماية حقيقية للمستهلك السوري، الذي بات يستدين لشراء مستلزماته الحياتية الضرورية، نتيجة لمدخوله متناهي الصغر، ثم يرمي ما استدانه في القمامة، نتيجة سوء البضائع التي يشتريها، وعدم امتلاكه أي ضمانات تكفل له تحقيق المعادلة البسيطة: (قيمة المشتريات) يساوي (المنفعة منها).. علّ صيتنا سيبقى ذائعًا بين الصينيين، إلى حين تطبيق قوانين تراعي جودة البضائع، وتحمي المستهلكين.
الفينيق
إضافة تعليق جديد