24-01-2022
مغالطة التوسّل بالمرجعيّة أو الحُجة بالسلطة أو بالثقة أو الاحتكام إلى سلطة
(argument from authority أو appeal to authority أو Argument from trustful)
د. عماد فوزي شعيبي:
السلطة Authority تعني التفويض. وعندما يُمنح شخص التفويض يمتلك السلطة باعتباره مُفوّضاً و موثوقاً. ولكن المغالطة التي سنبحثها في المجال المعرفي تتصل بالتفويض الذي يُعمي !
يُستخدم في هذه المُغالطة دعمُ مرجعيّة ما كدليل على استنتاج صحة الحجة. فأن يكون شخص ما أو مؤسسة موثوقين، و قد قدّما فكرة لا يعني تداولها باعتبارها مرجعاً موثوقاً نهائياً، أو أنها لاتخضع للنقاش أو النقد أو التعديل. فالمرجعية الأبديّة لا مكان لها في العلم.
ويقع المرء في مغالطة «الاحتكام إلى سُلْطة» ad verecundiam عندما يعتقد بصدق قضية أو فكرة لا سند لها إلا سلطة قائلها، قد تكون الفكرة صائبة بطبيعة الحال، وإنما تكمن المغالطةُ في اعتبارِ السلطة بديلًا عن البيِّنة، أو اتخاذها بينةً من دون البينة!
إنها خبرةٌ بالوهم
وتعتمد مغالطة التوسل بالمرجعية على فكرة أن المرجعية المتصورة (أي السلطة المُفوضة كالأشخاص الاعتباريين والعلماء والمشاهير ...)، وأحياناً إلى أشخاصٍ عاديين، لكننا نحبهم ونثق بهم، لا بد من أنهم يعرفون أكثر وأنه على المرء أن ينصاع لها بلا تدقيق. وهذا نوع من أنواع الانحياز المعرفي النفسيّ.
ترتبط الفكرة هنا بما يُدعى بتأثير ووزل Woozle، ويُعرف كذلك باسم الاستدلال بالاقتباس أو (ووزل)؛ أ ي عندما تتسبب الاقتباسات المتكررة، لمنشورات سابقة تفتقر إلى الأدلة، في تضليل الأفراد والجماعات والعامة من الناس، وتجعلهم يفكرون أو يعتقدون أن هناك ثمة دليلاً ، عندئذ تصبح الأكاذيب أساطير جمعيّة.
ووزل هو اسم لحيوان وهمي ورد في مؤلّف ل(ألان ألكسندر ميلان) بعنوان ويني ذا بوه (Winnie-the-Pooh)، الذي نُشر في عام 1926؛ "حيث ذهب شخصان للاصطياد وكانوا على وشك اصطياد حيوان مُتخيّل دُعيّ ب "ووزل"، وقاموا بتتبع آثار الأقدام المخلّفة على الثلوج، معتقدين أنها آثار ووزل. وأخذت هذه الآثار تتكرر على طول الطريق. ثم يوضح كريستوفر روبن أنهم لم يكونوا يتتبعون سوى آثارهم حول شجرة. بمعنى أن البشر تدور حول نفسها عندما تكرر أفكاراً غير موثوقة. فهم احتكموا إلى سلطة موثوقة هي سلطة الأقدام وآثارها فانتهت بهم إلى معرفة مزيفة وإلى الدوران حول وهم.
وهذه هي نفسها مغالطة «الاحتكام إلى السُلْطة» ad verecundiam عندما يعتقد بصدق قضية أو فكرة لا سند لها إلا سلطة قائلها، قد تكون الفكرة صحيحة، وإنما تكمن المغالطةُ في اعتبارِ السلطة بديلًا من البحث، أو اتخاذها دليلاً من دون الدليل!
أحد الأمثلة على استخدام الاحتكام إلى السلطة المرجعيّة في العلوم يعود إلى عام 1923 ، عندما أعلن عالم الحيوانات الأمريكي البارز ثيوفيلوس بينتر ، استنادًا إلى البيانات الضعيفة والملاحظات المتضاربة التي قدمها، أن البشر لديهم 24 زوجًا من الكروموسومات . ومن العشرينيات حتى عام 1956 ، نشر العلماء هذه "الحقيقة!!"؛ حيث الحقيقة ما يعتقده الناس حتى ولو كان غير دقيقي، بناءً على سلطة هذا المرجع ، على الرغم من الابحاث اللاحقة التي أكدت أن عددها هو 23.
ومثال ذلك الاحتكام الى السلطة البحث الموسوم بالعنوان: When contact changes minds: An experiment on transmission of support for gay equality"
"عندما يُغير العقل الأفكار" والذي نُشر في عام 2014. وكان احتيالًا بناءً على بيانات مزورة ، ولكن تم تجاهل المخاوف بشأن تلك البيانات في كثير من الحالات بسبب الانحياز للسلطة، أي لسلطة قائله وهو الاستاذ الذي شارك الطالب البحث.
فقد كتبه مايكل لاكور وهو طالب في الدراسات السياسية في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس مع أستاذ العلوم السياسية بجامعة كولومبيا دونالد جرين . ونُشر المقال في المجلة الأكاديمية Science في كانون الأول 2014 ، وتم سحبه من التداول في أيار 2015 بعد أن تبين أن البيانات الواردة في الدراسة قد تم تزويرها . و يُزعم المقال أن أذهان الناس بشأن قضية زواج المثليين يمكن تغييرها من خلال المحادثات مع المتجولين المثليين ، ولكن ليس مع المتجوّلين المستقيمين، ويرجع ذلك الاعتماد على هذا البحث الذي تم تنزيله من قبل 111000شخصاً جزئيًا إلى الوزن الذي يُشكّله [المؤلف المشارك للدراسة] الذي يحمل اسم دونالد غرين " . وفق قاعدة: أنا أثق به تمامًا ، لذلك لم أعد أشك في ذلك ".
ونفس الأمر يصدق عندما يحتكم البعض إلى رأي رجل دين ما، باعتباره مرجعاً في علوم الدين. ويصل الأمر إلى الاحتكام إلى فيلسوف أو عالم أو دين!
والأمر يصدق ليس فقط على من له سلطة أو حجةٌ في اختصاصة كما ورد في المثالين السابقين، إنما أيضاً لمن ليس له مرجعيّة كقول إينشتاين في الدين، فالعالم له مرجعية في الفيزياء لا في الدين،(وهو أصلاً لايجب حتى في الفيزياء أن يمتلك سلطة مطلقة تمنع التفكير اللاحق) أو كقول يُنسب لمؤلف مسرحيّ في دين ما، حيث تكون المُغالطة المعرفيّة هنا في أن القول اكتسب مصداقيّة وأحياناً قدسيّة من خلال (سلطة الاسم ) من ناحية وقُدسية الموضوع (الدين) من ناحيّة أخرى، فيجتمعان معاً لإنتاج معرفة مزوّرة.
وتكون المعرفة تحت نفس وقع هذه المُغالطة عندما يتم نفيها اعتماداً على (لا سلطة) أو لا تفويض لمن قالها باعتباره ليس مشهوراً أو مشهوداً له، ومن هنا تكون آليّة اضطهاد الأفكار الجديدة، والسخرية منها باعتبارها ليست مستندة إلى مرجعية مُعترف بها ومشهود لها. كما أنها حجة مغلوطة للإعلان والزعم بأن الشخص الذي يقدم الأفكار الجديدة يفتقر إلى السلطة المرجعيّة، وبالتالي لا يلزم النظر في حججه وما يُقدّمه.
وتستند الحجة إلى السلطة إلى فكرة ساذجة تقول: إن السلطة المتخيّلة للمرجعيّات يجب أن تُلزم المرء يجب أن يتوافق مع رأيهم. هذا له جذوره في التحيزات المعرفية مثل تأثير آش Asch الذي يقول إن نظرية المقارنة الاجتماعية ترى إلى أنه عند السعي إلى التحقق من الآراء ، سيلجأ الناس أولاً إلى الملاحظة المباشرة. فإذا كانت الملاحظة المباشرة غير فعالة أو غير متاحة ، فإن الناس سوف يتحولون بعد ذلك إلى أشخاص آخرين (أي إلى السلطة التفويضية لهؤلاء الأشخاص) للمقارنة وللتحقق من صحتها.
علاوة على ذلك ، ثبت أن البشر يشعرون بضغط عاطفي قوي للتوافق مع السلطات المرجعيّة ومواقف الأغلبية وفق ما ندعوه "ثقافة القطيع" لإراحة رؤوسهم .
وفي دراسة تسلط الضوء على الأساس النفسي للمغالطة من حيث صلتها بالسلطات المتصورة هي تجارب Milgram ، أظهرت أن الناس أكثر ميلاً إلى الذهاب مع شيء ما عندما يتم تقديمه من قبل السلطة المُفوّضة. ولاحظ العلماء أن بيئات معينة يمكن أن تنتج حالة مثالية لهذه العمليات لتترسخ وفق حالة التفكير الجماعي . ففي التفكير الجماعي ، يشعر الأفراد في المجموعة بالميل لتقليل النزاع وتشجيع التوافق. من خلال مناشدة مرجعيّة السلطة-التفويض التلقائي.
فأي شخص يكون مرجعاً، فإنه يمتص طريقة تفكيرنا ويقودنا إلى مما يؤدي إلى التفكير الجماعي ، وكذلك هو حال الجيوش كما يقول ايرفينج ل. جانيس في كتابه عام (1971). التفكير الجمعي. وهذا طبيعي حيث يكون في بعض الحقول الحياتية حاجة لذلك الجانب المُعميّ من الاستعراف؛ لأن الجيوش وخاصة في الحروب لا تحتمل من جنودها التفكير اللاجمعي لأن هنالك من (يجب) الركون إليهم كمرجعيّة.
أحياناً تكون المرجعية مركز أبحاث او جامعة دون التأكد من مدى الموثوقية ابحث فيها أو للنقد الذي يتم توجيه إلى البحث الذي تم الإسناد إليه كمرجعية ثقة
وكثيرًا ما يلجأ الناس إلى تدعيم مواقفهم بادعاء أنها مصدَّقة من جانب خبراء ثقات أو جامعات أو منظمات، دون تحديد شيء من ذلك بالاسم، ودون ذكر البينة والوثائق التي تستند إليها هذه المنظمات أو أولئك الخبراء، وكثيرًا ما يُشار إلى هذه السلطة المجهولة بلفظ عام من قبيل: « قال العلماء»، «قال الفيلسوف الفلاني»، «إنه رأي القائد الناجح الاسكندر»...إنهم غلطة كبيرة تعكس سوء الأداء المعرفي.
إضافة تعليق جديد