الاختراعات السورية “في مهب الريح”.. اتفاقيات مكتوبة على “لوح جليد”
من المعروف أن البحث العلمي، هو الذي يضع العلم والتكنولوجيا في خدمة الإنسان والتنمية البشرية، حيث يقوم الباحث بوضع خلاصة جهده وفكره في خدمة المؤسسات الحكومية والخاصة للمساهمة في تطوير المجتمع ورقيه.
وعلى هذا تقوم أي دولة بمساعدة باحثيها ماديا ومعنويا، من تقديم الدعم المادي حتى إنهاء مرحلة البحث، ومن ثم تتكفل بتنفيذه على أرض الواقع..
في سوريا الوضع مختلف كما هو مختلف في كثير من الجوانب، حيث تنام عشرات أو ربما مئات الأبحاث في غرف الباحثين، على أمل أن تبصر النور على يد أحد “المتبرعين” بإنقاذها.. علّ هذا المتبرع يأتي وهو غالبا لا يأتي !..
مخترعو سوريا بلا دعم
في عام 2017.. سجل في سوريا 41 اختراعا جديدا، حصل أصحابها على “براءة اختراع”، وفي عام 2018 كان هناك 37 اختراعا، وهذا العام من بدايته وحتى يوم إعداد هذا التحقيق سُجل حوالي 40 اختراعا جديدا..
تم التواصل مع عدد من هؤلاء الباحثين، للوقوف على مصير أبحاثهم، والذي تبين أنه مصير محزن ومجهول.
أحمد جهاد محمد نجيب، محامي حصل هذا العام على 4 براءات اختراع، وهي: ( توليد الكهرباء من الشهيق والزفير _ مهماز الأحذية المنتج للكهرباء _ الأدراج المنتجة للكهرباء من حركة المشاة _ القلم الذكي لإدخال الأوامر باللمس )، أكد أن أبحاثه الأربعة لم تُنفّذ على أرض الواقع، مضيفا أنه يعرض تلك الأبحاث في المعارض التي تقام، وأن تمويلها كان على حسابه الشخصي!
أما فراس عبود وهو طالب في كلية هندسة المعلوماتية، حصل عام 2018 على براءة اختراع، هي: ( القبعة الالكترونية للمكفوفين )، وقال أن أحداً لم يتبنى مشروعه والذي كان تمويله على حسابه الشخصي أيضاً، بالرغم من حصوله على جائزة في معرض الباسل للإبداع والاختراع!!
مضيفا أنه وبعد أن وعدته وزارة الشؤون الاجتماعية بتبني المشروع وأعطته موافقة لتجريب الجهاز في معهد المكفوفين بالمزة، فجأة وبدون سابق إنذار رفضت تبني المشروع وألغت كل شي!
كذلك هو الحال عند حسام وجيه ديوب، الحاصل على براءة اختراع عام 2018، وهي: ( طريقة تحضير عقار صيدلاني من نبتة عشبية لعلاج اللشمانيا الجلدية ومرض اللمفاوي سرطان الدم الحاد )، وهو أيضا من تمويله الخاص، قال إنه إلى الآن لم ينفذ المشروع كونه موضوع طبي ويأخذ وقتا في التجريب، ولكن يوجد مستثمر خاص سيتبنى هذا المشروع قريبا حسب الوعود!!
منذر بوش وهو مدير مركز التأهيل ورعاية المخترعين بحلب، حاصل أيضاً على براءة اختراع عام 2017، وهي: ( دولاب مائي لضخ الماء وتوليد الكهرباء )، أكد أن لا أحد تبنى مشروعه إلى الآن، بالإضافة لحصوله على 13 براءة اختراع من 2013 حتى الآن، ولم يتم تنفيذ أي مشروع منها، مضيفا أنها جميعا لا تزال مخزنة في المنزل منذ سنوات!
المستثمر السوري لا يقدر قيمة الاختراعات
مدير حماية الملكية التجارية والصناعية، شفيق العزب، أوضح : أن “مديرية حماية الملكية تأخذ طلبات الأبحاث على مدار العام وتقوم بتقديمها للهيئة العليا للبحث العلمي، التي تقوم بدورها بتقييم البحث من خلال اللجنة العلمية المكونة من 27 دكتور ومن اختصاصات مختلفة، وتقرر إن كان يستحق أن يحصل على براءة اختراع أم لا، ونحن نقدم براءة الاختراع على هذا الأساس”.
وأضاف العزب: ” نقوم بإقامة معرض الباسل للإبداع والاختراع، لعرض الأبحاث حتى نكون صلة وصل بين الباحث والمستثمر، فنعرض تلك الأبحاث، وهناك لجنة علمية من الهيئة العليا للبحث العلمي تقوم بإعطاء جوائز لأصحاب الاختراعات الأفضل وذلك بغرض تشجيعهم”.
وعن قلة المستثمرين للاختراعات السورية، تابع العزب: “إلى الآن المستثمر السوري لم يقدر قيمة الاختراعات الموجودة حتى يقوم باستقطابها، ولو كانت نفس الفكرة من خارج سوريا كانوا تسابقوا عليها.. ونحن ليس لدينا أي مشكلة إذا أراد الباحث أن يعطي اختراعه لمستثمر خارجي”.
اتفاقيات تنتظر “التنفيذ”
أما رئيس دائرة براءات الاختراعات، نسرين عقل، فكشفت، أنه يجب على البحث العلمي أن يحقق 3 شروط حتى يأخذ براءة الاختراع، وهي: الجدة والخطوة الابتكارية وقابلية التطبيق الصناعي، وأن الذين يقدمون أبحاث علمية ممكن أن يكونوا طلاب أو باحثين مستقلين أو حتى عمال، وهذه البراءة هي حماية ملكية للبحث العلمي مدة 20 عام”.
وعن معرض الباسل للإبداع والاختراع، أكدت عقل أن الذي يأخذ جائزة في المعرض ليس من الضروري أن يحصل بحثه على براءة اختراع، فالمعرض هو تشجيعي ويقوم بإعطاء جوائز، وكانت هذا العام الجائزة الأولى بقيمة مليوني ليرة مقسمة لأربع أقسام كل قسم 500 ألف، والثانية 900 ألف، والثالثة 600 ألف، وباقي الجوائز ميداليات ذهب وأجهزة “تاب” وموبايلات، إضافة لجائزتين من المنظمة العالمية للملكية الفكرية، وهي ميداليتين ذهب لأفضل اختراعين ضمن المعرض.
وفي السياق ذاته، قالت عقل: “نحن مهمتنا أن نأخذ الطلبات ونحولها للقطاعات المختصة، ويوجد اتفاقية مع الهيئة العليا للبحث العلمي، ولكن لم توقع بعد، وعلى أساسها سنقوم بتحويل الطلبات لها وهي تفرز الطلبات على القطاعات المختصة، وبدورنا ننتظر الرد العلمي من الجهة المختصة لنقوم بإعطاء براءة الاختراع، مؤكدةً أنه في نهاية كل عام نرسل قائمة بالاختراعات التي أخذت براءة اختراع لهيئة الاستثمار السورية لتضعها على الخارطة الاستثمارية، وأيضا لدينا اتفاقية مع هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
تشير عقل إلى الاجتماع الحاصل في العام الماضي وأخذوا فيه البراءات من 2011 ل 2018 الخاصة بإعادة الإعمار، وكانت الاتفاقية أن يأخذوا 30 براءة اختراع ويجتمعوا مع المستثمرين، ولكن لم يتم تنفيذ ذلك”.
وتابعت عقل: ” يجب على كل الوزارات أن تساعد المخترعين وتتبنى أبحاثهم ولكن هذا لا يحصل ولا نرى منه شيئا، أما وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك فتبنت مشروعين تابعين لاختصاصها، وهما مشروع الدكتور أحمد العوض ( جهاز نقل هوائي لدقيق القمح )، ومشروع ناظم عبدو ( التحكم الآلي بدرجة حرارة الأفران )، أما باقي الوزارات “ما حدا استثمر شي” .. وفي النهاية تبنّي هذه المشاريع يعود بالفائدة عل الجهة المستثمرة وفي الوقت نفسه تشجع الاختراع والمخترعين.
أخيرا
وأخيرا.. كان وما زال البحث العلمي مشروع بالغ الأهمية وأساس النهضة والتقدم في الدول، وركناً رئيسياً في الحضارة والعمران، وهذا الجهد المنظم، الذي لا تنهض الدول إلا به، لا يمكن أن يجري في ومن فراغ، فينبغي توفير البيئة العلمية السليمة للباحث، والتي تساعده على إنتاج بحث علمي محكم، ثم يأتي دور المؤسسة الرسمية بعد ذلك لتساعد على إخراج نتائج البحوث العلمية إلى النور، ومن الأروقة العلمية النظرية إلى ميادين العمل حيث الارتقاء المباشر بالحياة الإنسانية، وهنا يجب على جميع مؤسساتنا دعم هذه الأبحاث من خلال تمويلها وترويجها لتساعد في تطور المجتمع ورقيه، بدلا من إهمالها وتجاهلها بالشكل الذي يحصل اليوم!
هاشتاغ سوريا
إضافة تعليق جديد