شبح 2015 يلوح في الأفق: موجة لجوء جديدة من تركيا إلى أوروبا
بعد أقلّ من شهر على تصريح مثير للجدل أطلقه وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، خلال لقاء مع مسؤولي خفر السواحل التركي، قال فيه: «إن الحكومات الأوروبية لا تستطيع الصمود 6 أشهر إذا فتحت تركيا أبوابها أمام المهاجرين وسمحت لهم بالعبور نحو القارة الأوروبية»، عادت أفواج اللاجئين السوريين لتغزو سواحل اليونان. حركة تهريب تجري حالياً، تُعَدّ الأنشط منذ موجات عامي 2014 و2015، كما وصفها أحد المهرّبين، وهو ما أكدته أيضاً اليونان التي استدعت السفير التركي في أثينا للوقوف على أسباب هذه الموجة الكبيرة.
موجة اللجوء الجديدة نشطت باطّراد، تزامناً مع التطورات التي تشهدها ميادين القتال في الشمال السوري من جهة، وإجراءات تركيا الأخيرة ضد اللاجئين السوريين على أراضيها، التي عدّها قسم كبير من السوريين بمثابة «تضييق متعمد يهدف إلى دفعنا للخروج من تركيا». في مدينة أزمير الساحلية التركية، يجتمع عشرات السوريين في منزل صغير في انتظار الموعد الذي يحدّده المُهرّب لخروج دفعة منهم إلى «البلم» (القارب) للهرب إلى إحدى جزر اليونان، ومنها إلى أوروبا.
يقول محمد (اسم مستعار)، وهو سوري في العقد الثالث من عمره، خلال اتصال هاتفي ، إن دفعة سبقت دفعته لم يكتب لها النجاح، حيث ألقي القبض عليها، لافتاً إلى أن «الأمن التركي يتساهل مع السوريين في أزمير على عكس إسطنبول، حيث لن يطول احتجازهم، كما لن يُرحَّلوا إلى سوريا». يروي محمد، الذي حاول الهرب إلى اليونان مرتين الشهر الماضي ولم ينجح، تفاصيل التجربتين السابقتين، فيقول: «حاولت الهرب عبر البرّ حينها من إسطنبول، حيث تمكّنت في المرة الأولى من الوصول إلى اليونان بعد أن قطعت نهراً يفصل بين الحدود التركية واليونانية، قبل أن يُقبَض عليّ وتعيدني السلطات إلى تركيا. وفي المرة الثانية رُحِّلتُ إلى سوريا، حيث نُقلنا إلى معبر باب الهوى، وسُلِّمنا لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) التي تدير المعبر». وبعد بضعة أيام من مكوثه في مدينة إدلب، تعرّف محمد إلى مهرّب، ومقابل 400 دولار تمكّن من العودة إلى تركيا، لتبدأ رحلة البحث عن مهرّبين جُدد نحو أوروبا، وطرق جديدة «أكثر ضماناً».
أسواق «فايسبوك»... ومكاتب منظمة
انضمّ محمد إلى مجموعات للاجئين السوريين على موقع «فايسبوك»، بينها مجموعة «كراجات المشنططين»، التي يتبادل أعضاؤها خبرات الهرب إلى أوروبا، وأفضل الطرق وأكثرها أماناً، إضافة إلى الإعلانات المتتالية لمكاتب التهريب الخاصة التي تنشط في تركيا. وعبر هذه المجموعة، تعرّف إلى أحد المهرّبين، والتقاه، حيث اقتنع بالسفر إلى أزمير التي تُعَدّ أكثر أماناً وأقلّ مخاطرة، رغم خطورة السفر عبر البحر بواسطة «البلم». سنوات العمل الطويلة أكسبت مكاتب التهريب طابعاً مؤسّساتياً، إذ لم يعد العمل اعتباطياً وفردياً. فقد أُنشئ ما يسمى «مكاتب الضمان»، وهي عبارة عن مكاتب خاصة يضع الشخص المعنيّ المبلغ المتّفق على دفعه للمهرّب فيها، ويحصل على ورقة تحمل «شيفرة» خاصة، ليسلّم هذه الورقة للمهرّب بعد أن يصل إلى وجهته بسلام، ولا يستطيع المهرّب الحصول على المبلغ إلا من طريق هذه «الشيفرة».
موجة اللجوء الجديدة نشطت باطّراد، تزامناً مع التطورات في الشمال السوريوتختلف تكاليف التهريب تبعاً للمنطقة، فالأسعار في إسطنبول تختلف عن الأسعار في أزمير، وتبعاً لطريقة التهريب أيضاً، من طريق «البلم» أو اليخت، وصولاً إلى تأمين جوازات سفر مزورة في اليونان يستطيع من يشتريها السفر إلى إحدى دول أوروبا التي تستقبل اللاجئين السوريين، الأمر الذي يجنّب اللاجئ الانتظار في المخيمات اليونانية، ويبعد عنه خطر إعادته إلى تركيا.
«أردوغان باعنا»
في الغرفة التي ينتظر فيها محمد، يجلس معه عشرات الشبان الآخرين، أحدهم وصل قبل يومين من سوريا بهدف الهرب إلى أوروبا فوراً من دون المكوث في تركيا. يروي الشاب الذي يبلغ من العمر 19 عاماً أن الأوضاع في إدلب لم تعد تسمح له بالبقاء فيها، خصوصاً بعد الاتفاقات التركية – الروسية الأخيرة. يقول الشاب الذي عرّف عن نفسه باسم عُقبة: «أردوغان باع إدلب، وهيئة تحرير الشام لن تسلّم المحافظة بسهولة، ما يعني أن الحرب قادمة لا محالة».
يذكر عُقبة أن مئات السوريين في إدلب بدأوا يخرجون منها تباعاً، عبر طرق التهريب المختلفة، بهدف الهرب إلى أوروبا، ويتطرّق خلال حديثه إلى التظاهرات التي شهدتها المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا، وإحراق صورة الرئيس التركي خلال تلك التظاهرات كشاهد على ذلك. وعن سبب عدم مكوثه في تركيا، يضحك عُقبة ويكتفي بالقول: «اسأل صديقي هنا الذي كان يعيش في تركيا، لماذا يريد الرحيل».
يقول صديقه محمد إنه وآلاف السوريين الذين يعيشون في تركيا مثله، وجدوا أنفسهم مجبرين على الخروج من تركيا بعد الحملات الأمنية التركية والقرارات الجائرة بحق السوريين، ويضرب مثالاً على ذلك القرارات التي منعت السوريين من العمل في ولايات أخرى غير الولايات التي سُجِّلوا فيها، ويشرح: «مثلاً، أنا مسجّل في غازي عنتاب، وعملي في أنقرة. أجبروني على العودة إلى عنتاب، وهناك لا عمل لي، فكيف سأعيش؟». يستطرد محمد خلال حديثه، ويتطرق إلى «العنصرية التي نتعرض لها... العمل بأجور بخسة»، و«الانتقائية التركية للسوريين، حيث يُحتضَن بعض الفئات، وتُهمَّش فئات أخرى ويُضيَّق عليها بهدف تطفيشها». وعلى الرغم من الأعداد الكبيرة للاجئين السوريين التي وصلت إلى اليونان أخيراً، إلا أن هؤلاء لا يشكّلون العدد الحقيقي للاجئين الذين حاولوا الهرب، وقبضت عليهم السلطات التركية، وخصوصاً الذين حاولوا التسلل براً من إسطنبول، أو ألقي القبض عليهم قبل أن يتمكنوا من مغادرة السواحل التركية.
اليونان وما بعدها
بعد الوصول إلى اليونان، يخطط محمد وأحد أصدقائه للبحث عن مهرّب جديد، وخصوصاً أن مكاتب التهريب في تلك الجزر تنشط بشكل أكبر، وبتكاليف أقل، موضحاً أن «الأمر يختلف من جزيرة إلى أخرى، في بعض الجزر يوجد تشديد، وفي جزر أخرى يغضّون الطرف عن اللاجئين ويفسحون لهم المجال للخروج نحو أوروبا».
وتستضيف اليونان في الوقت الحالي نحو 24 ألف لاجئ سوري موزعين بين جزرها (ليسبوس وخيوس وساموس وليروس وكوس). ويجري إسكان اللاجئين بشكل مؤقت في انتظار بتّ أمرهم والبحث عن دول تقبل استقبالهم. وتختلف فترة الانتظار بين جزيرة وأخرى، حيث تصل الفترة في بعض الأحيان الى خمسة أشهر، وفق ما ذكر أحد اللاجئين السوريين الذي تمكن قبل أيام من الوصول إلى هولندا بعد انتظاره في اليونان. وتشكل ألمانيا وهولندا والسويد مقصداً لكثير من المهاجرين في الوقت الحالي، سواء بسبب وجود أقرباء لهم في تلك الدول، أو بسبب «المعاملة الجيدة التي يحظى بها اللاجئون هناك»، وفق تعبير محمد، الذي أضاف: «عندما تصل إلى اليونان تكون قد تجاوزت العائق الأصعب في رحلة اللجوء، لأن كل ما يأتي بعد ذلك يمكن حلّه، في ظل وجود مكاتب وشبكات تهريب كثيرة هناك، وسعي السلطات إلى التخلص من اللاجئين».
الأخبار -علاء الحلبي
إضافة تعليق جديد