الفنان محمود جبر في ذكرى الرحيل ..ابتسامة كبيرة في الذاكرة
هل تذكر تلك الأمسيات الجميلة بصحبة الأصدقاء والأحباب؟! كانت أصوات الضحكات ترن في أرجاء المكان ويعلو التصفيق من جمهور المسرح الكبير الذي افترش كل المقاعد بما في ذلك تلك المساحات الفارغة على الدرج الخشبي ..تمر الصور في شريط الذكريات وبرغم الغبار الذي خلفته سنوات الغياب ستجد صدى الضحكات وأنت تقلب عناوين مسرحيات حجزت مكانها في الزمان والمكان للمبدع الراحل محمود جبر ويمكنك أن تسترجع الكثير من العناوين من أرشيف تلك المسرحيات السورية الجميلة كمسرحية «لا عالبال ولا عالخاطر» بطولة: محمود جبر- محمد خير حلواني ومسرحيات «في بيتنا ولد».. بطولة: محمود جبر- هيثم جبر- سعد الدين بقدونس، «مطلوب كذاب» و«أحلى شي» و«مدير بالوكالة» و«أبو الفوارس» «حط بالخرج» و«عيلة بالع الموس على الحدين, و«عشك يا بلبل», «سجين بالأجرة» وعشرات العروض التي تركت بصمة واضحة في المسرح السوري منذ ستينيات القرن الماضي, فكان الفنان محمود جبر ذلك المبدع الكوميدي الذي نجح في صناعة الفرح على خشبة المسرح.
خاض الفنان محمود جبر دروباً وعرة لكنه كان كل مرة يصل إلى المشهد الأخير منتصراً وناجحاً ومحبوباً من جمهوره ومتابعيه عبر مسيرة فنية قاربت الــ 40 عاماً منها:« البرجوازي النبيل- أبطال بلدنا- الخروج من الجنة- العطر الأخضر- تحت الرماد-مريض في الوهم- الأيدي الناعمة- ليش هيك صار معنا».
كما عمل في البرامج والتمثيليات الإذاعـيـة ومنها: «البطل -حكايا عائلية- أزواج وزوجات- أزواج وأبناء -حكاية بيتنا».
وفي السـينما شارك في أفلام عديدة منها:« قطط شارع الحمرا -ساعي البريد- قاهر الفضاء- مقلب حب- خياط للسيدات- بنات آخر زمن- صدر الرجال- حسناء وأربع عيون- شباب في الجنة».
وجسد العديد من الشخصيات المحببة في الدراما التلفزيونية منها:« أسبوعيات محمود جبر- مصلح أفندي- قصة مثل- برنامج ساعي البريد- الموظف- رقصة الحبارى- الإجازة السعيدة- ثمن الحرية».
ربما كان من غير السائد لأكثر متابعي كوميديا محمود جبر عدم معرفتهم بأن الإضحاك ليس مجرد حركات بهلوانية, فمسرحياته كانت ذات طابع شعبي لطيف، تهدف إلى إحداث الشعور بالبهجة أو بالسعادة , من خلال مفارقات الموقف وقد نشأت الكوميديا السورية من «الاسكتشات» الغنائية الجماعية، ومن الحوار الدائر بين الشخصيات التي تقوم بأداء عفوي ينطلق من لوحة من لوحات الواقع والحياة اليومية, وتعد المسرحيات التي شارك فيها الفنانون السوريون, مثل: محمود جبر وعبد اللطيف فتحي والفنان دريد لحام وغيرهم من أروع الأمثلة على فن الكوميديا التي تدور حول سلوك الناس وأخلاقهم، ويمكن للملهاة (الكوميديا) أيضاً أن تكون «النكت» التي يقولها الناس لبعضهم بعضاً أو القصص المضحكة, إذ أفرزت أشكالاً شعبية.
وهذه النصوص لم تقدم حدثاً متماسكاً بل كانت مقاطع أو «اسكتشات», وخلال تطورها صارت تأخذ بنية ثابتة فأصبحت تتألف من مقدمة أو استهلال, تؤديه شخصية واحدة على شكل مونولوج, أو شخصيتان ثانويتان على شكل حوار, ويلي ذلك الدخول وهو نشيد الجوقة ومن ثم المساجلة.
وقد يتفق معنا البعض على أن كوميديا محمود جبر يمكن أن نطلق عليها ما يسمى «كوميديا الأخطاء» أو ميديا الأخطاء فهي تتكون من سلسلة من الأخطاء بالنسبة للواقع أو حقيقة الشخصيات أو سوء فهم لحادث أو شخص معين والنتيجة في أغلب الأحيان حوار «خلف خلاف».
ومثل هذه الأخطاء يستطيعها المسرح أكثر من الحياة ونحن نتقبلها ونضحك لها .. أمثلة كوميديا الأخطاء «مسرحية أبو الفوارس أو مسرحية حط بالخرج» …
هذا النوع من كوميديا المزاج وهي نوع من كوميديا الشخصية مبسط, إذ يأخذ المؤلف نقطة واحدة مميزة لكل شخصية, فهناك الرجل الغيور أو العصبي أو الكريم أو الكسول, وكما أن الشخصيات في التراجيديا تعاني بسبب شخصياتها في الكوميديا نراهم يجعلون من أنفسهم موضعاً للضحك والسخرية بسبب احتكاك شخصياتهم بالمواقف المختلفة، وفي مثل هذه المسرحيات قد نجد شخصية واحدة متحكمة كما في مسرحية مدير بالوكالة, وهو ما يسمى شخصية الفارس التي تهدف إلى الإضحاك عن طريق مؤثرات مغالى فيها ومن دون أي تعمق نفسي, ورسم الشخصيات والفكاهة هنا هو سلسلة من المواقف المسلية وتكثر في الفارس المفاجآت والمصادفات والمبالغات والفارس الجيد يتطلب قدراً كبيراً من الصنعة.
أيضا نجد في مسرحيات الراحل الفنان محمود جبر الكوميديا الاجتماعية وفي هذا النوع تنبع المتعة من تصوير نقائص اجتماعية موجودة وشائعة أو أنماط اجتماعية كالوصولي– النمام ..إلخ وهذا النوع يحتوي قدراً لابأس به من التصوير للشخصية كذلك البناء قد يكون معقداً ولكن التسلية الأساسية منبعها لغة وعادات الشخصيات التي تصورها المسرحية وأمثلة ذلك مسرحية «في بيتنا ولد» ومسرحية «مطلوب كذاب».
وقد تجد في كوميديا محمود جبر الكوميديا العاطفية هذه الكوميديا التي تخاطب عواطفنا إلى جانب الإضحاك.
هنالك العديد من الأنواع للملهاة، من بينها الملهاة السطحية, حيث يقوم الكوميديون بأداء أعمال وحركات مثل السقوط أو إحراج الآخرين ما قد يسبب الضحك. ومن الأنواع المعروف كوميديا الوقوف، حيث يقف المؤدي الكوميدي أمام الناس ويخبرهم بالنكت والقصص المضحكة، وهي مهنة لدى البعض أو مجرد هواية.
ومهما يمكن لا أحد ينكر أن مسرحيات الفنان محمود جبر لا تزال الى اليوم قادرة على إضحاكنا وندين له بالشكر, فالضحك سلاح الإنسان الأول للتغلب على الوجه العابس للحياة,والضحك سعادة والضحك علاج في وجه المرض, والضحك وسيلة للتواصل مع الآخرين، والضحك نافذة واسعة نطل منها على الحياة ببهجتها وزينتها وجمالها.
واليوم تمر ذكرى رحيل الفنان الكبير الذي ترك وراءه إرثاً كبيراً للمسرح السوري وبصمة خاصة بدأها وهو في مطلع شبابه, فأسس مع زملاء الدراسة أوائل الخمسينيات فرقة مسرحية للهواة وقدم سنة 1955 أول مسرحية كوميدية بعنوان« ناسي أفندي» ثم عمل في المسرح الحر الذي كان يديره الفنان الراحل عبد اللطيف فتحي, ثم ساهم في تأسيس المسرح العسكري وقدم عرضاً في حفل افتتاحه بعنوان العطر الأخضر.
وفي سنة 1968 أسس جبر فرقته المسرحية التي حملت اسمه.
وليس هذا بغريب عن الفنان الراحل الذي يعد من الأعضاء المؤسسين لنقابة الفنانين وشكل مع أفراد أسرته عائلة فنية سورية عريقة, فأخواه هما الفنان الراحل ناجي جبر والفنان هيثم جبر وزوجته هيفاء واصف شقيقة الفنانة منى واصف وابنتاه ليلى ومرح.
وكان للسينما نصيب من أعمال الفنان الراحل, حيث شارك في أعمال سينمائية للقطاع الخاص مثل:ء فيلم ساعي البريد , قطط شارع الحمراء, قاهر الفضاء , خياط للسيدات».
ولم يهمل جبر أي جانب من جوانب الفن ,إذ دخل مجال العمل التلفزيوني منذ تأسيس التلفزيون العربي السوري 1960 عبر مسلسل «الإجازة السعيدة» الذي أطلق عدداً من نجوم الكوميديا الرواد ثم شارك في مسلسلات أخرى آخرها كان «رقصة الحبارى» ولكن شغفه بأبي الفنون أثر في حضوره التلفزيوني.
المصدر : تشرين
إضافة تعليق جديد