الواقع الاقتصادي بين المواطن ومواقع القوة
يحلم السوريون , أن تبدأ مرحلة إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي بعد سنوات طويلة من الحرب , ولكن الواقع يحفل بأزمات شتى , ولعل أهمها : الحصار الاقتصادي و العقوبات الأوروبية والأمريكية , وهجرة الكوادر والأموال السورية , وانكماش الناتج المحلي الإجمالي , وانخفاض سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية وما سببه من انخفاض في القدرة الشرائية لعموم الناس وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة وانتشار الفقر , اضافة للمهاجرين أو النازحين الذين أجبرتهم ظروف الحرب على هجر مساكنهم , معالجة تلك الأزمات عملية صعبة تحتاج إلى سياسات اقتصادية خلاقة تتسم بالعمق وبالشمولية والديناميكية مدعومة بآليات الوصول إلى التمويل بأكفأ وأسرع الطرق , سياسات غير تقليدية سواء بالنسبة للهيكل أو البناء المؤسساتي أم بالنسبة للذهنية التي تقوم باجتراح الحلول المناسبة , فهل هذا حال السياسات الاقتصادية السورية ؟؟؟؟ المعروف , إن السمة العامة لسياساتنا تعتمد على الحلول الإسعافية والمراوحة في المكان , لذلك ما زالت مشاكلنا تتفاقم لتؤدي في مجملها إلى انخفاض الدخل وتدني المستوى المعيشي للناس , وبالإضافة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تجذرت وانتشرت , ظهرت في المجتمع السوري ظواهر مقلقة , تتمثل في تركز الكثير من النشاطات التجارية أو الاستثمارية بأسماء شخصيات وشركات صارت معروفة , والسؤال المباشر الذي يخطر ببال المتابعين للشأن السوري : هل تقوم تلك الشخصيات بأنشطة تجارية واستثمارية تنسجم مع الأولويات التنموية التي تحتاجها البلد ؟؟ أم أن الربحية وتكوين الثروات بأسرع ما يمكن هو سيد الموقف , وبغض النظر عن الإجابة , أصبح الاحتكار سمة خاصة بالاقتصاد السوري , وهذا له انعكاس سلبي على مدى تنافسية الاقتصاد الوطني والثقة به . إن الواقع الاقتصادي المعقد والمرتبك الذي يدور فيه أغلب الناس بين انعدام فرص العمل للشباب وانخفاض قدرتهم الشرائية وفقرهم وانسداد الآفق أمامهم , بينما يطرح الواقع الكثير من التحديات والأسئلة ومنها : 1. لماذا لا تكون السياسات الحكومية واضحة في قضايا أساسية مثل , الإنتاج الصناعي , الزراعي , الخدمي ,الاستيراد والتصدير , ويكون متاحا للجميع في حال تلبية الشروط والمتطلبات , لماذا يراعى فلان ويستطيع أخذ التسهيلات وتوضع العراقيل أمام علان ..لأسباب مختلفة ؟؟؟2. لماذا لا يتخذ إجراءات تمنع عمليات الالتفاف على القانون ؟؟؟ مثلا : استيراد السيارات الذي هو نظريا ممنوع ...ولكن بدعوى التجميع المحلي يمكن الاستيراد عمليا .3. لماذا لا يتم إلغاء الإجراءات الروتينية والشروط التي تمنع إنشاء الكثير من المنشآت التي تساهم في زيادة الإنتاج المحلي , وخصوصا تلك التي لاعلاقة لها بالجودة والأمان والسلامة ؟؟؟4. لماذا لا يوجد جهة منفذة لتقارير هيئة المنافسة ومنع الإحتكار لتتمكن من العمل بشكل جيد وحيادي في منع كل أنواع الإحتكار التي تؤدي إلى تشوه الأسواق والأسعار وإعمال مبدأ المنافسة وتكافؤ الفرص ؟؟؟؟ ... ولا سيما أن قانون إحداث الهيئة جاء فيه , أن مهمتها " تحديد القواعد المنظمة لحرية المنافسة و الالتزامات الموضوعية على كامل المنتجين والتجار ومقدمي الخدمات والوسطاء الآخرين " .5. السؤال الأخير والذي يسأله كل مواطن , لماذا لم نسمع عن مكافحة حالات فساد بالرغم أنه أصبح متفشيا ومتجذرا في المؤسسات والشركات العامة والخاصة وعلى كل المستويات ؟؟؟إن الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها , قد يفتح الطريق لمعالجة المشاكل الرئيسية لاقتصادنا , وهي بشكل رئيسي ناتجة عن تداخل عوامل أساسية , لعل أهمها : انعدام الكفاءة في المؤسسات وطريقة اتخاذ القرارات الحكومية , الفساد المالي والإداري بكل أشكاله , تركز المشاريع والأنشطة الاقتصادية بأسماء معينة , الأمر الذي ينعكس على سورية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا , حيث يمنع الاحتكارالتطور والنمو في البلد , ويؤدي إلى تركز الثروة بأيدي فئة قليلة من المجتمع وبالتالي غياب العدالة الإجتماعية , ويؤثر الفساد سلبيا على الدولة ويحرمها من إيراداتها , الأمر الذي لا يمكنها من الإنفاق على الخدمات الأساسية من التعليم والصحة والأمن , ولا يسمح لها بدور تدخلي لصالح المواطن , كما أنها لا تستطيع خوض غمار انشاء المشاريع الانتاجية العملاقة وإقامة البنى التحتية , وهذا يفسر أن تلجأ الدولة إلى تمويل معظم المشاريع التي تحتاجها بعيدا عن خزينة الدولة ولو كان على حساب عوائدها المستقبلية , إن هذه المعادلة التي تتشكل من أغلبية فقيرة بالكاد تستطيع العيش وأقلية مترفة تمتلك الكثير من المشاريع والشركات والأصول , تستطيع تجاوز القانون متى وكيفما شاءت يساعدها في ذلك منظومة الفساد التي تنتشر في كل المؤسسات العامة , فإن ذلك يؤدي إلى انعدام الثقة بين الدولة والمواطن وينتج عن ذلك المزيد من المشاكل الاقتصادية والسياسية . إن بروز بعض رجال الأعمال لدينا الفاعلين والمؤثرين في مختلف المجالات الاقتصادية , ومهما كانت الأنشطة التجارية أو الاستثمارية التي كونوا منها ثرواتهم , لن يكون سلبيا بالمطلق , فيما إذا لعب النظام ضريبي وجمركي دورا فاعلا لصالح قوة الدولة , إلا أن ما هو معروف , الدوائر المالية التي تشكل أحد أضلع منظومة الفساد وأكثرها تأثيرا على الدولة والمكلفين , لا سيما وأن ألية العمل فيها تعتمد الطرق الورقية القديمة وتساعد على إخفاء المعلومات والتقاطعات التي يقوم عليها العمل الضريبي , و لم يجر تطبيق تكنولوجيا المعلومات والإتصالات والاستفادة من إمكانياتها الهائلة في السرعة والدقة والقدرة على استرجاع المعلومات الخاصة بالمكلف من مصادر مختلفة وتقاطعها لضمان صحتها ودقتها , وتحاول وزارة المالية تعويض تطوير العمل الضريبي والجمركي بمداهمة المحلات ومكاتب الشركات بطريقة عشوائية وبدائية, لا تخلو من الفساد ولا تؤدي إلا إلى إتقان المواطنين للعبة القط والفأر .... ليس إلا .
لمياء عاصي : تشرين
إضافة تعليق جديد