ضغوط على توجّه «الأكراد» نحو دمشق
منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قراره سحب قوات بلاده من سوريا، دخل ملف شرقيّ الفرات مساراً سريعاً ومتشعباً تحكمهُ قنوات تفاوض ومقايضات مفتوحة بين كل الأطراف المعنية بمصير تلك المنطقة. واشنطن التي أشعلت فتيل تلك المفاوضات، بدت منقسمة على نفسها بداية، ليعود ترامب ويقدّم عبر «تويتر» أول من أمس، نقاطاً تلخّص تصوراً يضمن لبلاده موازنة عصا تحالفاتها مع أنقرة والقوى الكردية في الشمال السوري؛ إذ هدد بمعاقبة تركيا اقتصادياً إن استهدفت «الأكراد»، وتحدث عن إنشاء «منطقة آمنة بعرض 20 ميلاً» تمنع اجتياح تركيا لكامل مناطق سيطرة «وحدات حماية الشعب» الكردية، كما أي هجمات من تلك الأخيرة نحو الأراضي التركية. المقترح والتهديد الأميركي لقيا لغة متوازنة من تركيا، حاول عبرها المسؤولون الأتراك أيضاً الموازنة بين ملامسة مشاعر الأتراك بتذكيرهم بأنهم «لا يركعون للتهديدات» والترحيب بمقترح «المنطقة الآمنة».
وعلى الجانب الآخر من الحدود، لم تخرج مواقف مباشرة من قبل «مجلس سوريا الديموقراطية» أو «الوحدات» الكردية، حول «تغريدة» ترامب تلك، فيما تشير الأجواء هناك إلى وجود تعويل على مسار التفاوض مع دمشق، رغم ما قد يخرج من تعليقات إعلامية تخالف ذلك. هذا التعويل بُني على فشل في تحصيل ضمانات بديلة عن الجانب الأميركي، الذي لا يكلّ من تأكيد انسحابه، وخاصة من فرنسا. ويلاحَظُ تطوّر اللقاءات على هذا المسار، من زيارات سرّية لقاعدة حميميم الجوية، إلى اجتماعات متواترة في كل من دمشق وموسكو، تهدف إلى ضمان حماية المنطقة الحدودية من أي اعتداءات تركية، والتفاوض على مستقبل إدارة شرقيّ الفرات. وبحسب المعلومات المتوافرة، قدّم الطرف الكردي ورقة مطالب إلى موسكو لنقلها إلى دمشق وإقناعها بها.
ونصّت تلك الورقة، من بين ما نصّته، على «إقرار حقوق للكرد في الدستور عبر إقرار نظام اللامركزية الإدارية... وإقرار اللغة الكردية لغةً رسمية ثانية في البلاد، مع السماح للمناطق الكردية باعتمادها لغةً في التعليم، إضافة إلى تقسيم الموارد الطبيعية والاستفادة منها بنحو عادل، مع اقتراح أن تكون القوات العسكرية الموجودة في المنطقة تابعة للجيش السوري».
وأُتبعت تلك المطالب، بما أوضحته مصادر مطلعة على سياق التفاوض في حديث إلى «الأخبار»، عن أن الجانب الكردي أكد لموسكو أنه يريد دخول الجيش السوري إلى مدينة منبح وكامل الشريط الحدودي، مع الموافقة على تسليم المنافذ الحدودية للجانب الحكومي، وتأجيل مناقشة تفاصيل الورقة المقدّمة لحين إنجاز اتفاق سياسي شامل. ويوضح عضو الهيئة الرئاسية في «مجلس سوريا الديموقراطية» حكمت حبيب، في تصريح إلى «الأخبار» أن «المحادثات مع الجانب الحكومي وصلت إلى مرحلة متقدّمة. ومسألة إنجاز اتفاق بات خياراً استراتيجياً مهماً بالنسبة إلينا، سواءٌ أبقي الأميركيون أم انسحبوا، لأن الهدف حماية الوطن من عدوان تركي جديد».
ويلفت حبيب إلى أن «لا مانع من انتشار الجيش السوري الوطني على كامل الحدود، وأن تدار المنافذ الحدودية الواقعة في مناطقنا من الجانب الحكومي»، مضيفاً القول: «إن مطالبنا ليست منزلة، وهي قابلة للتعديل والنقاش والحوار، حتى إنجاز اتفاق شامل».
ويعلّق المسؤول في «مجلس سوريا الديموقراطية» على ما تناقلته أوساط كردية عن وجود ضغط أميركي لتأجيل أي اتفاق مع دمشق، بالقول إن «واشنطن لم تطلب منّا رسمياً إيقاف أو تأجيل الاتفاق مع الجانب الحكومي، لكنها تحاول الإيحاء بأنها تريثت بقرار الانسحاب، لدفعنا إلى تغيير موقفنا من الحوار مع الحكومة»
أما الجانب التركي، فقد تعامل برويّة مع تهديدات ترامب لحين اتصال الرئيس رجب طيب أردوغان بنظيره الأميركي، ونقاشهما طرح «المنطقة الآمنة».
وفي الاتصال، أكد أردوغان استعداد تركيا لتقديم كافة أشكال الدعم للولايات المتحدة خلال عملية سحب القوات من سوريا، وفق ما قالت الرئاسة التركية. وأضاف البيان الرسمي أن الطرفين شددا على ضرورة تطبيق «خريطة طريق منبج» وعدم إتاحة الفرصة للجهات التي تحاول عرقلة الانسحاب الأميركي. ومع تأكيد المسؤولين الأتراك أن طرح «المنطقة الآمنة» فكرة تركية في الأصل، أكد وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، أن «الرئيس ترامب يطرح هذه الفكرة الآن بعدما بدت تركيا أنها مصمّمة على مهاجمة الوحدات الكردية والقضاء على الإرهابيين... ونحن لسنا ضد هذه الفكرة».
وأضاف جاويش أوغلو أن ترامب «يتعرض لضغوط من أجهزته الأمنية والعسكرية... وعلى الإدارة الأميركية التفريق بين الأكراد والوحدات الإرهابية». وفي موازاة تلك التصريحات، كان لافتاً ما قاله الوزير التركي عن مجريات إدلب ومحيطها، إذ رأى أن «النظام أرسل الإرهابيين من درعا وحمص والمناطق الأخرى إلى أدلب وجوارها، وهو ما أدى إلى الوضع الحالي هناك»، مضيفاً أن «التنسيق مستمر مع روسيا في إطار اتفاق سوتشي لمعالجة هذا الوضع». ومع مواصلة أنقرة تعزيز قواتها على طول الحدود مع الأراضي السورية، خرجت تصريحات لافتة أمس من زعيم «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني، أكّدت دعمه توحيد الفصائل في جسم عسكري واحد، وعزله عن «إدارة مدنية موحدة» بما يتيح لها أداء «دور كبير في الأيام المقبلة».
وقال الجولاني في معرض حديثه عن تطورات شرقي الفرات، إن «حزب العمال الكردستاني عدو للثورة، ويستولي على مناطق يقطن عدد كبير فيها من العرب السنة، ونرى ضرورة إزالة هذا الحزب».
وعاد عضو «مجلس الشورى» في «تحرير الشام»، المصري أبو الفتح الفرغلي، للتأكيد أن «هيئة تحرير الشام لا يمكن أن تسعى لعرقلة تحرير المسلمين السنّة من حكم الملاحدة، ولو كان ذلك على أيدي العلمانيين الأقل بعداً عن الدين»، مضيفاً أن ذلك «لا يعني أنها ستشارك في المعارك هناك، أو ترى جواز المشاركة».
أيهم مرعي، حسني محلي
إضافة تعليق جديد