الوطن صار كلمة جوفاء يرددها البُلهاء منّا بلا معنى

08-03-2007

الوطن صار كلمة جوفاء يرددها البُلهاء منّا بلا معنى

مصطفى علوش : هكذا تعوّدنا، نشرب قهوتنا صباحاً ونستمع لفيروز، نتثاءب يوم الجمعة ونسترخي مساء الخميس، نلعب الشطرنج يوم الثلاثاء ونضحك يوم الأربعاء، ننحني بعكس انحناء الأشجار، في كل الأوقات.
يرجم الكتّاب بعضهم بعضاً، فأسهل عمل يقوم به كاتب هو رجم زميله. ‏ نعم، واللوحة المعلّقة في الصالونات توحي أو تأمر بعدم التفكير بعيداً عن الاعتياد، فشعراء الحداثة عملاء للامبريالية، وبحور الفراهيدي مقدّسة مثل ذكرى الحبيب الميت، واتحاد الكتّاب العرب سيظلّ الى آخر الدهر الإطار الوحيد الذي يحمل مشروعية الكتّاب، وإذا فكّرنا برمي المستنقعات بحجارتنا فإن الجنود العائدين من الحرب سيتذكّرون مهمتهم فوراً، ويصوّبون بنادقهم نحو صدورنا، لا نحو المستنقع. ‏
الاعتياد مريح.. يجعل التفكير بحالة سبات، وأهل الكهف لم يستيقظوا بعد، نعم: فالنوافذ دلالة الحرية والريح رمزاً للتمرد، والنخيل يدلّ على الشموخ، كأن السجون بلا نوافذ والريح لا يمكن أن تدلّ على الخراب..؟! ‏
وفي إطار الألفة لابدّ أن يحفظ المثقّف أسماء الأعلام الكبار بدءاً من سقراط ونيتشه ونيوتن وهاكسلي، مروراً بماركس وموريلي وليس انتهاء بلينين وليفي شتراوس، ولابدّ من شرب القهوة «سادة» والاستمتاع بموسيقا بيتهوفن، فالربابة والشبّابة ليستا من ميراثنا الشرقي، ولا تتفقان مع حداثتنا، ومع كل جملة وأختها لابدّ من مفردة الديمقراطية والرأي الآخر وشتم الديمقراطية الأميركية الدموية، فالديمقراطيات العربية هي «الأقوى والأذكى والأخلد»..؟ ‏
واليسار نظيف واليمين عكسه، نقيضه، والشعارات باتساع السماء، فالغيوم لا تمر إلا في بلادنا والمطر لا تشربه إلا حقولنا، ونساؤنا دائما شريفات ونساء الغرب «عاهرات». ‏
وألفنا أصوات مذيعينا، وتحليلات المعدّين، كما ألفنا غباء الردود الرسمية بدءاً من الإدارة المحلية والتربية، وليس انتهاء بالداخلية الساهرة على راحتنا وأمتنا، وتلك الفضائيات اللعينة هي «للغزو المدمر» لعقولنا، فالأصالة.. اختراع اتحاد الكتّاب والمواجهة جبهة على جدار كل منزل. ‏
وألفنا التذمّر في بيوتنا من جنون الأسعار ونسينا دلالة الأسئلة في مناهجنا الدراسية. وذلك البائع عوّدنا على أسطوانته المملّة.. وذلك الرجل لم يترك زاوية الشارع منذ عشر سنوات، كأنه تمثال وضعته المحافظة لتجميل المكان. ‏
كل ذلك ألفناه وتعوّدناه ونسينا أن «الحقيقة للجائع تسمى الجوع وللظامئ تسمى الماء، ولليائس تسمى اليأس حسب ذلك العظيم شبرنغر. ‏
ألفنا ضجر زوجاتنا وصراخ أبنائنا وتقسيم الناس إلى أخيار وأشرار والألوان الى أبيض وأسود، فلا تدرّجات بين اللونين ومساحات الرمادي من اختصاص الفنان التشكيلي فقط. ‏
ومساحات الاسترخاء عودتنا على البحث عن الفرح بعيداً عن أرواحنا والسعادة تتسكّع في مكان ما في المستقبل.الألفة والاعتياد.. وكل أشكال الاسترخاء الفكري، هي من مفردات التشابه والسكون والموت السريري. اعتياد نكسر عبره الخوف بالوهم المزيف، فالفساد بلا فاسدين عبر الاعتياد والوطن صار كلمة جوفاء يرددها البُلهاء منّا بلا معنى يرادفها.. وآه كم تعوّدنا الشكوى وسوف نموت حاملين معنا موسوعات الشكوى الأبدية الى قبورنا. ‏
والأكيد أن الشعراء سيجدون الكلمات الضرورية للتعبير عن كل هذا الكم من الاعتياد.. وسوف نورّثه لعشرات الأجيال. ‏
ألفنا أن يظل المسؤولون عن المال العام شرفاء الى أن ندهش بحجم أموالهم الشخصية في البنوك، حيث الخرافة تعجز عن التعبير وتخجل الأرقام من المشاركة في هذا العرس. ‏ ومن يصرخ يوماً كفى اعتياداً، سنعاقبه بالاستماع لألف محاضرة من محاضرات اتحاد الكتّاب العرب الخاصة بالعولمة. ‏
عفواً أيها المعتادون، بعد قليل يردم أجسادكم التراب وتعلن المقابر حفلة استقبال جديدة، والاعتياد سيجعلكم مطمئنين الى سلامة الدفن والموت


المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...