أنقرة تبتزّ واشنطن... وعينها على «معارك» إدلب
تبدو خطوات واشنطن الأخيرة، ضمن مسار الأحداث، مشابهة لتصور التعاون المفترض مع موسكو حول مكافحة الإرهاب و«فصل المعتدلين عن المتطرفين» أيام «محادثات كيري ــ لافروف». وبالتوازي، تجدّد أنقرة مناوراتها مع حليفها الأميركي بعد جولات النقاش حول الأكراد، في وقت تراقب فيه ــ بحذر وتأهّب للتدخل ــ معارك إدلب «الأهلية» بين الفصائل المسلحة
تجتمع معطيات المشهد السوري الراهنة لتكشف عن مرحلة جديدة من «التفاهمات» الأميركية ــ الروسية، لا تختلف عن التصوّر الذي ناقشته اجتماعات مسؤولي البلدين الطويلة في زمن إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. نجاح التفاهم على «محاربة الإرهاب» اصطدم حينها بعدم الجدية الأميركية تجاه «فصل المعتدلين عن المتطرفين»، وبشكل أوضح إقصاء «جبهة النصرة» من المشهد.
أما اليوم، فتبدو الأجندة الأميركية مركزة على الحفاظ على ما تم تحقيقه (مع الأكراد في الشمال) والعمل مع الروس على ما يمكن الرهان عليه (كما في اتفاق الجنوب أو اتفاقات لاحقة متوقعة)، مع مراعاة تكثيف الضغط على إيران في سوريا، و«محاربة داعش» بطبيعة الحال.ويمكن النظر إلى التحركات الأميركية الأخيرة لقراءة الخط العام لإدارة الرئيس دونالد ترامب؛ فبعد إعلان اتفاق «الهدنة» في الجنوب والحديث عن «اتفاق ثان» يجري الإعداد له مع موسكو، جاءت التسريبات عن وقف برنامج تدريب وتسليح المعارضة السورية المدار من قبل الاستخبارات المركزية الأميركية قبل يوم من تصنيف مجلس الأمن لتنظيمي «جيش خالد بن الوليد» و«جند الأقصى» كمنظمتين إرهابيتين، بناءً على مشروع قرار أميركي. ويتّسق إدراج «جيش خالد» المبايع لتنظيم «داعش» على قائمة الإرهاب الأممية مع ما تم الحديث عنه ضمن بنود «اتفاق الجنوب»، حول تركيز الجهود لمكافحة الإرهاب بعد نجاح وقف إطلاق النار. وسوف يتيح دخول واشنطن على خط العمل العسكري ضد «جيش خالد»، في وادي اليرموك، نفوذاً عسكرياً أميركياً (جوياً على الأقل) في منطقة حساسة جداً لضمان أمن حلفاء البيت الأبيض، وخاصة إسرائيل. وبدا لافتاً أمس ترحيب موسكو بخطوة وقف برنامج تدريب وتسليح المعارضة الأميركي، مشددة في الوقت نفسه، على لسان المتحدث باسم الرئاسة ديمتري بيسكوف، على أن قضية «دعم المعارضة» لم تحضر ضمن نقاشات الرئيسين بوتين وترامب خلال لقائهما على هامش قمة العشرين في هامبورغ الألمانية.وعلى المقلب الآخر في الشمال، تستمر معارك «هيئة تحرير الشام» و«حركة أحرار الشام»، بالتوازي مع فشل مبادرات للتسوية ووقف لإطلاق النار بين الطرفين. وبينما يؤكد كل من قادة الفصائل العاملة مع الطرفين أن المعارك الجارية «حاسمة»، تبدو السيطرة على المنطقة الحدودية مع تركيا أحد أهم الأهداف العسكرية لها، إلى جانب تأمين مراكز البلدات والمدن الكبرى في عموم ريف إدلب. حيث حشدت «تحرير الشام» أمس، شرق معبر باب الهوى الحدودي، وبدأت هجوماً يهدف إلى السيطرة على المعبر، في وقت شهدت فيه بلدة سرمدا القريبة اشتباكات مستمرة داخل أحيائها منذ أول من أمس. وبدا لافتاً أمس، أنه بالتوازي مع رفض «هيئة تحرير الشام» لمبادرة «صلح» مع «أحرار الشام»، أعلنت «حركة نور الدين زنكي» انفصالها عن «الهيئة» بعد ستة أشهر على الاندماج بينهما، مبررة ذلك بالقتال الدائر ضد «الأحرار».وبالتوازي، تحدثت مواقع معارضة عن وصول مئات العناصر من فصائل «الجيش الحر» التي تقاتل تحت راية أنقرة، عبر الأراضي التركية، إلى بلدة أطمة الحدودية، في ما يبدو أنه تحضير لإسناد «أحرار الشام» في المعارك الدائرة مع «الهيئة». التحرك الأخير الذي لا يمكن أن يتم من دون إيعاز أنقرة، قد يشير إلى أن الأخيرة قررت التريّث في أيّ عملية في محيط عفرين، وهو ما بدا من خلال ضعف الزخم العسكري وعمليات القصف خلال الأيام الماضية مقارنة بحجم التحشيد التركي حين بدء الحديث عن عملية في عفرين.ويمكن قراءة التمهّل التركي في ضوء الزيارات التي شهدتها أنقرة من قبل مسؤولين أميركيين بهدف الضغط لتأجيل العملية التي ستضر بمعركة «التحالف» في الرقة. ويبدو أن الضغط الأميركي أفضى إلى توتر جديد في العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة، بدا أخيراً من خلال تبعات نشر وكالة «الأناضول» لخريطة تظهر مواقع القواعد الأميركية في الشمال السوري. فقد اعتبر المتحدث باسم البنتاغون أدريان رانكين ــ غالواي أن الكشف عن هذه المعلومات السرية يعرّض قوات «التحالف» لـ«مخاطر لا لزوم لها»، مضيفاً القول: «سوف نشعر بقلق شديد إذا أقدم مسؤولون في بلد حليف عضو في منظمة حلف شمال الأطلسي على وضع جنودنا في خطر بشكل متعمّد من خلال نشر معلومات سرية». وأوضح ان بلاده «أبلغت قلقها إلى الحكومة التركية»، رافضاً التعليق حول مدى دقة المعلومات التي نشرتها «الأناضول».وفي ردّ فعل سريع، نفت أنقرة أيّ علاقة لها بالمعلومات التي ذكرتها الوكالة المحسوبة على الحكومة. وأكد المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن أن «الأمر لا يتعلق بمعلومات صادرة عن حكومتنا ولا بأي شكل من أشكال التسريب»، مضيفاً أن «وكالة (الأناضول) حصلت على معلوماتها من شبكة مصادرها الخاصة ولم نعلم بالمقال إلا بعد نشره».ولا يمكن قراءة الرد التركي خارج إطار اللياقات الديبلوماسية، إذ إن وكالة «الأناضول» يمكن اعتبارها وكالة «رسمية» للسلطة التركية، ومن غير الممكن أن تنشر معلومات «حساسة» من دون ضوء أخضر رسمي. ومن المعروف أن وسائل الإعلام التركية، عقب الانقلاب الفاشل، أصبحت خاضعة لرقابة حكومية مشددة، تترافق مع اجتماعات شبه أسبوعية لمسؤولين كبار في الإدارة التركية مع رؤساء تحرير تلك الوسائل، لتخرج تلك الأخيرة بتقارير تعكس توجهات سلطة أردوغان. كذلك، فإن الخطاب الرسمي التركي ركز في ذروة الخلاف مع واشنطن على ضرورة اختيار الأخيرة بين «بلد حليف ومنظمة إرهابية (في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية)». وبدا لافتاً أن الوكالة أمس حاولت في تقرير موسّع ذكر ما نشرته الصحافة العالمية عن تلك القواعد الأميركية، مركّزة بشكل رئيسي على تقرير لصحيفة «بيلد» الألمانية.
الأخبار
إضافة تعليق جديد