أوسكار 2017: «صراع العروش» بنسخة القرن 21!سياسة وأرقام قياسيّة... وشبح ترامب
على وقع حسابات السياسة الدولية (ترامب رئيساً، الحرب السوريّة) والداخليّة (الأعراق والألوان والفضائح القضائية)، تصل الدورة 89 من جوائز «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة» (AMPAS)، التي تأسّست عام 1927. كل شيء يقول إنّه الأوسكار الأكثر تسييساً منذ حرب العراق (كوارث كاثرين بيغلو مثالاً)، كما أنّه حافل بالأرقام القياسية، سواءً في الترشيحات أو النتائج المتوقعة. مسرح «دولبي» في هوليوود، يستعد لموسيقى البداية في الثالثة والنصف من فجر الاثنين 27 شباط (فبراير) بتوقيت بيروت (الخامسة والنصف من مساء 26 شباط/ فبراير بتوقيت لوس أنجليس، وهو الموعد الرسمي).
في المنطقة العربيّة، الحدث منقول حصرياً على شبكة OSN المشفّرة للعام الثالث على التوالي، عن شبكة ABC مالكة الحقوق الأساسيّة. جيمي كيميل يتولّى التقديم للمرة الأولى، بعدما فعلها مرّتين في الـ «إيمي» (2012، 2016)، وخمساً في جوائز الموسيقى الأميركيّة. يساعده ضيوف من عيار إيما ستون، وإيمي آدامز، وخافيير بارديم، ودواين جونسون «ذا روك»، وتشارليز ثيرون، وكريس إيفانز، وريز أحمد، وسكارليت جوهانسون، وسامويل ل. جاكسون، وفيليسيتي جونز، وداكوتا جونسون... لن تفتقد الخشبة لأصوات مغنّين، أمثال جاستن تيمبرليك، وجون ليجند، وستينغ، ولين مانويل ميراندا. كالعادة، يكشف صاحب أوسكار أفضل ممثل العام الفائت ليوناردو دي كابريو عن الفائزة الجديدة.
وبالعكس، تعلن أحدث مالكة لأوسكار أفضل ممثلة بري لارسون اسم «الفارس» الجديد. الأوسكارات التكريميّة من نصيب كل من جاكي شان، والمونتيرة البريطانيّة آن ف. كوتس، ومسؤول الكاستنغ الأميركي لين ستالماستر، والمعلّم الوثائقي الأميركي فردريك وايزمان. الحفل من إخراج غلين ويس، وإنتاج مايكل دي لوكا وجنيفر تود مجدداً. لا شكّ في أنّ «شبح ترامب» سيكون أحد الحضور. من المتوقع أن تصدّر الكلمات مواقف سياسيّة تصريحاً أو تلميحاً، خصوصاً في ما يخصّ المهاجرين وقرارات حظر دخول البلاد. هذه نسخة القرن الحادي والعشرين من «صراع العروش»، بين الليبراليّة التقليدية واليمين المتجدّد. يبقى البزنس قاسماً مشتركاً، لا يمكن لأميركا أن تستمرّ من دونه.
طعم أفريقي
غيليرمو ديل تورو وجايسون رايتمان كشفا أسماء المرشّحين للفوز عن 24 فئة. الترشيحات شهدت تغيّيرات «ثوريّة»، بدأت بطريقة الإعلان نفسها. لم يحصل نقل تقليدي من مسرح «سامويل غولدوين»، بل بثّ حيّ Live Streaming عبر الويب. موقع وصفحات الأوسكار ازدحمت بالمتابعين، إضافةً إلى النقل الحي من خلال البرنامج اليومي «صباح الخير أميركا» على ABC. كذلك الأمر بالنسبة للمنحدرين من أقليّات وأصول أفريقيّة. يبدو أنّ حملة #OscarsSoWhite آتت ثمارها، بعد انتقادات اقتصار مرشّحي الفئات الرئيسة على البيض. في العام الفائت، أعلنت رئيسة الأكاديمية شيريل بون إيزاك عن تغييرات كبيرة في تركيبة الإدارة والأعضاء وحقوق التصويت، بما يضمن مشاركةً أكبر للنساء والأقليّات، وتنوّع الأعراق، والتوجّه الجنسي. لدينا 7 ممثّلين من أقليّات مختلفة (رقم قياسي معادل لدورة سابقة)، و6 ممثّلين سود (رقم قياسي جديد).
هؤلاء يحضرون في كلّ فئات التمثيل: 3 مرشحات لأفضل ممثّلة مساعدة: فيولا دافيس عن Fences لدنزل واشنطن، كأوّل أميركيّة من أصل أفريقيّ تنال 3 ترشيحات، وناعومي هاريس عن Moonlight لباري جنكنز، وأوكتافيا سبنسر عن Hidden Figures لثيودور ملفي. ودنزل واشنطن لأفضل ممثّل دور أوّل عن Fences، وروث نيغا لأفضل ممثّلة دور أوّل عن Loving لجيف نيكولز، وماهرشالا علي لأفضل ممثّل مساعد عن Moonlight. أيضاً، هناك 3 كتّاب سود في فئة أفضل سيناريو مقتبس. جنكنز رابع أسود ينافس إخراجياً في التاريخ، وقد يكون أوّل متوّج من أصحاب بشرته عن هذه الفئة الصعبة. برادفورد يونغ أوّل أسود ضمن مرشحي السينماتوغرافيا عن Arrival لدوني فلينوف. الحال نفسه مع جوي ماكميلون في التوليف عن Moonlight (مع نات ساندرز)، منذ هيو أ. روبرتسون عن Midnight Cowboy (1969) لجون شليسنغر. لا ننسى أنّ Moonlight وFences وHidden Figures، تنافس على أفضل فيلم. عناوين تتحدّث عن هواجس وإنجازات أميركيين من أصل أفريقي، من بين 9 أفلام متباينة التيمات والمواضيع والحقب. عموماً، يمكن الاطّلاع على قائمة الترشيحات الكاملة هنا (http://oscar.go.com/nominees).
أفضل فيلم
المنافسة تبدو محسومةً لصالح الـ «نيو-ميوزكال» الساحر La La Land «أرض الأحلام» لداميان شازل (14 ترشيحاً، وهو رقم قياسي يعادل «كل شيء عن إيف» 1950 لجوزيف ل. مانكفيتش و«تايتانك» 1997 لجايمس كاميرون)، على حساب Arrival، وMoonlight (8 ترشيحات)، وHacksaw Ridge لميل غيبسون (الحصان الأسود هذه السنة) وManchester by the Sea لكينيث لونرغان وLion لغارث دافيس (6 ترشيحات)، وFences وHell or High Water لدافيد ماكنزي (4 ترشيحات)، وHidden Figures (3 ترشيحات).
تكمن فرادة La La Land المدجّج بكمّ مرعب من الجوائز والتكريمات، في قدرته على إحياء جانر الميوزكال الكلاسيكي في النصف الأول من القرن الفائت، وتجديده في آن. فتح الباب لموجة قادمة، محدثاً تغيّيراً بنيوياً في الصناعة (ما لم يفلح The Artist 2011 لميشال هازنافيسيوس في فعله حيال السينما الصامتة). إنجاز أكبر ممّا حققه تارانتينو للويسترن، وإيناريتو للـ B-Movie. كذلك، في احترامه الشديد لمرجعيات السينما وكبارها. بحث مرهق في فيلموغرافيا جاك ديمي وكلايزر، وروبنز ووايز وفوس وستانلي دونن وجين كيلي وبول توماس أندرسون وساندريك وفنسنت مينيللي وباز لورمان ونورمان تاوروغ. أسلوبية الكاميرا الحرّة الراقصة، واللقطات الطويلة، وسينماتوغرافيا العالم الموازي في «لوكايشنات» معروفة، والملابس والألوان، والحكاية البسيطة... عناصر حققت تيمة الحلم، ومناخ الـ Fairy Tale بشكل مثالي. لا يمكن للميوزكال أن يحمل أكثر من ذلك. حتى الانقسام الحاد جزء من عظمة الشريط، الذي ينساب في الوريد كمصل مركّز من الشوكولا.
* لماذا تصل أفلام دون أخرى، قد تكون أفضل؟
لا أفلام رديئة في الأوسكار، لكن لا يمكن إغفال عاملين مهمّين في «حياة» الفيلم ما قبل إعلان الترشيحات: المحتوى السياسي، وحملات الدعاية. القضيّة المواتية «الآن وهنا» تجذب المبرمجين والموزّعين. الحرب السوريّة أسالت لعاب «نتفلكس»، فوصل عنوانان إلى فئة الوثائقي القصير، هما: Watani: My Homeland «وطني» للألماني مارسيل ميتلشيفين، و The White Helmets «الخوذات البيضاء» للبريطاني أورلاندو فون إنزدل، الذي يعمل جورج كلوني على اقتباسه الروائي حالياً. ليس أمراً محبّباً أن تتصدّى عدسات الغرباء لأفلمة آلام السوريين، بما يحمله ذلك من أسئلة حول المعرفة والمنظور والدقّة. كذلك، تلعب الدعاية وحفلات الكوتيل والعروض الخاصة دوراً هائلاً، بتكاليف تتجاوز 500 مليون دولار سنوياً. هذا أهم أسباب غياب السينما العربية عادةً.
أفضل إخراج
يتفوّق داميان شازل أيضاً ضمن قائمة لا تعرف الرحمة. تدعمه جائزة «نقابة المخرجين الأميركيّين»، التي نطقت نبوءة الأوسكار 21 مرّة، في آخر 25 عاماً. في حال فوزه، يصبح ابن الـ 32 عاماً أصغر مخرج أوسكاري في التاريخ (أصغر بـ 221 يوماً من نورمان تاوروغ، الذي فاز عن Skippy عام 1932)، وثاني سينمائي يربح عن ميوزكال أصلي، بعد 60 عاماً على فوز فنسنت مينيللي عن Gigi (1958).
لا بدّ من رفع القبعة لميل غيبسون «المنبعث» من اللا شيء في البيوغرافي Hacksaw Ridge. أخيراً، سامحته هوليوود على تصريحاته وتصرّفاته المخمورة. من بعيد، عاد غيبسون لينجز أفضل أفلامه، عن مسعف مناهض للعنف في جحيم الحرب العالميّة الثانيّة. «مسيح» وسط عنف متلاطم. عضلات غيبسون تظهر في «شعرية الأشلاء»، التي تتوهج بعد سرد كلاسيكي، لا يخلو من المباشرة في بعض الأحيان. الكندي دوني فلينوف هو المعلّم القادم في الخيال العلمي. بعيداً عن الإثارة المجانيّة، وارتكابات النوع التجاري، يضفي فلينوف أبعاداً أخرى على ما يبدو غزواً فضائياً في Arrival. ينتصر للإنسان ونعمة التواصل. كينيث لونرغان يقترح السينما المستقلّة بأبهى حالاتها في Manchester by the Sea. درس في فيلم الشخصية الواحدة المنخورة من الداخل، من دون أدنى أمل في الخلاص. باري جنكنز يسعى ليكون أوّل أسود يخطف أوسكار الإخراج في التاريخ.
أفضل ممثّل
فنيّاً، برهن كايسي آفليك ندرة معدنه في «مانشستر على البحر»، متجاوزاً منافسيه. جاء موسم الجوائز ليصادق على ذلك ببافتا وغولدن غلوب. كمّ الحزن الشفيف الذي يجيده آفليك فوق الوصف. ولكن من قال إنّ المستوى الفنّي معيار الأوسكار الوحيد؟ جائزة «نقابة ممثّلي الشاشة» التي توقعت أوسكار أفضل ممثّل 12 سنة على التوالي، أدارت ظهرها للرجل. أكثر من ذلك، لا يبدو أنّ أعضاء الأكاديمية قادرون على تجاوز اتهامات التحرّش الجنسي، التي طالت كايسي منذ سنوات. في المقابل، يحطّ دنزل واشنطن بأداء رفيع في Fences، المقتبس عن مسرحية أوغست ويلسون. فيغو مورتنسن لا يوازي الاثنين في Captain Fantastic لمات روس، رغم ظهوره اللافت. إذا لعبت حسابات التاريخ الشخصي والسياسة، قد ينضم واشنطن إلى نادي أصحاب الأوسكارات الثلاثة.
في فئة أفضل ممثّل دور مساعد، لا يمكن تجاهل ماهرشالا علي في Moonlight. أداء عميق، ومباغت، ومتعدد الطبقات، في الثلث الأوّل من الشريط المقسوم على ثلاثة فصول. مزيج بين تاجر مخدرات ومثل أعلى لطفل محروم وحائر في هويته الجنسية. يزاحمه مايكل شانون في Nocturnal Animals لتوم فورد، في دور ضابط على حافة الموت بسرطان الرئة. «حيوانات ليليّة» ليس عملاً كبيراً، ولا يوازي باكورة فورد A Single Man «رجل أعزب» (2009)، خصوصاً على مستوى السيناريو والأداء. شانون فيلم لوحده. جوهرة نفيسة. أداء يدرّس.
أفضل ممثّلة
صحيح أنّ إيما ستون جميلة، قريبة من القلب في La La Land. ثابت أنّها اكتسحت كل جوائز الموسم تقريباً، ما يجعلها المرشّحة الأبرز لأوسكار أفضل ممثّلة دور أول. ولكن مهلاً، لدينا إيزابيل أوبير بأداء نادر في Elle لبول فيرهوفن (فيلم ناطق بالفرنسيّة). دور تخوّفت منه كلّ الأميركيات. أوبير لم تمانع لعب امرأة «تستمتع» باغتصابها.
لا أحد قادر على جعل الانحراف الأخلاقي محبّباً سوى ممثّلة بهذا الحجم. تاريخياً، لم يكن فوز أبطال الأفلام الأجنبيّة مفروشاً بالورود. فوزها سيجعلها ثالث فرنسية بعد سيمون سينوريه وماريون كوتيار، وثالث رابحة عن دورٍ غير ناطقٍ بالإنكليزية بعد صوفيا لورين وماريون كوتيار، وثالث أكبر ممثلةٍ سنّاً في تاريخ الفئة بعد جيسيكا تاندي 1989 وكاثرين هيبورن 1981. في حال خسارتها، ستنضم أوبير إلى غريتا غاربو وبيتر أوتول في قائمة المظلومين. من نافل القول إنّ ميريل ستريب تنافس عن Florence Foster Jenkins لستيفن فريرز. لا يبدو أنّ الترشيح رقم 20 سيحمل أوسكاراً رابعاً. ناتالي بورتمان تستحق الاحترام في Jackie لبابلو لارين.
ماذا تفعل فيولا دافيس في فئة أفضل ممثّلة دور مساعد؟ سؤال طرحه كثيرون، نظراً إلى دورها الرئيس في Fences. إذا لم تفجّر ناعومي هاريس مفاجأةً عن أدائها اللافت في Moonlight، فإنّ طريق دايفس معبّد تماماً نحو الأوسكار الأول.
تبقى الإشارة إلى نعم الجائزة الأخرى على الممثّلين. بالإضافة إلى دخول التاريخ، والارتقاء في نوعية الأدوار وكمّها، يرتفع الأجر أيضاً. دراسة بيّنت أنّ أجر الممثّل يزيد 4 ملايين دولار كمعدّل وسطي، والممثّلة نصف مليون. التفاوت مؤشّر واضح على التمييز المالي بين الذكور والإناث في هوليوود.
أفضل فيلم أجنبي
قرار ترامب حول المهاجرين، وامتناع الإيراني أصغر فرهادي وأبطاله عن حضور الحفل، قد يرجّح كفّة «البائع» على حساب منافسه الأقوى «توني إردمان» لمارين أديه. ها هي السياسة تطلّ برأسها مرّة أخرى، وربّما تبتز أعضاء الأكاديمية عاطفياً. شريط أديه يعدّ أحد جواهر 2016، إن لم يكن أبرزها. أب يسعى لإعادة العلاقة مع ابنته الوحيدة. سيناريو يأخذ وقته في التأسيس وإشباع الشخصيات خلال تحوّلاتها (يوميات رتيبة، النفور في اللقاء الأول، التفاعل والاشتباك، التطهير والانفجار العاطفي). ذكاء مبهر في المواقف والحوارات. انتقال سلس من كوميديا القهقهة والصراخ، إلى تراجيديا الاكتئاب والأسئلة الكبيرة. الشخصية الألمانية ليست جافة وباردة كما اعتادها المرء، خصوصاً في كليشيهات هوليوود. أسلوبية التصوير الحميمية آتية من الموجة الجديدة في رومانيا، التي تحتضن معظم الأحداث (عرفناها في أفلام كريستيان مونجيو، وكريستي بويو، وكونيليو بارمبوي، وكاتالين ميتشاليسكو، وكريستيان نيميسكو...). كل ذلك يجعل «توني إردمان» أكثر من مجرّد فيلم عائلي بسيط. في الساعة الأخيرة، يصل الاثنان إلى التطهير والانفجار العاطفي. يكشف الفيلم عن مكنوناته الثمينة. يعرّي الحياة الحديثة. يسبر واقع المرأة العاملة في الشركات الكبيرة. يخوض في معنى الأبوّة والعائلة. إنّها حيوات مجوّفة مسروقة. تتدلّى عن الحافة، ولو بدت عكس ذلك.
علي وجيه
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد