تطورات حلب.. هل ثمة اتفاق تركي ـ روسي؟
مع اقتراب قوات «درع الفرات» المدعومة تركياً من مدينة الباب السورية خلال الأيام الماضية، وتجدد النشاط الجوي العسكري الروسي والسوري فوق حلب بعد صيام 28 يوماً، تبدو ملامح اتفاق تركي ـ روسي، طالما جرى التكهن بشأنه، أكثر وضوحاً.
منذ أسابيع، ومع تشديد الحصار العسكري السوري على أحياء حلب الشرقية، وإعلان الهدنة الأولى، مع ممرات المغادرة الإنسانية والعسكرية الستة، ووقف الطلعات الجوية، تحدث ديبلوماسيون وخبراء عن اتفاق ربما يكون جرى بين موسكو وأنقرة، على المستويين العسكري والسياسي، يُبدي «تفهماً لقلق الأتراك من التمدد الكردي في شمال سوريا، ومخاطر وصل الكانتونات الثلاثة، الحسكة وعفرين وعين عرب»، مقابل تفهم الاتراك لـ «حاجة الروس والسوريين لاستعادة حلب، أو توحيدها»، كما يفضل المسؤولون في دمشق القول، بما يسمح بتوفير الشروط لانطلاق عملية سياسية جديدة سورياً.
وفي الحديث عن اتفاق من هذا النوع، كانت مدينة الباب هي حجر الزاوية، ولا سيما لكونها تقع جغرافياً وسط تقاطع طموح ثلاث قوى رئيسية، الأكراد لوصل جغرافيا الإدارة الذاتية بين الشمال الشرقي والشمال الغربي، وتركيا لمنع هذا الامتداد، وسوريا لخلق خط مواجهة وردع أمام قوى الاحتلال التركي، أو حلفائها بالقرب من مدينة حلب.
ورغم أن تصريحات السوريين، والمعلومات الميدانية المستقاة أو المُسرّبة من الجبهات هناك، كانت دوماً تتحدث عن استعدادات الجيش للتقدم نحو مدينة الباب، ومواجهة تنظيم «داعش» فيها، والأهمية التي تشكلها تلك المدينة على المستويين السياسي والعسكري، إلا أن أمر التحرك لم يُعط، وظلّت القوات منهمكة من جهة أخرى بمعاركها مع «جيش الفتح» على مشارف حلب الغربية.
من جهتهم، لم يحصل الأكراد متمثلين بـ «قوات سوريا الديموقراطية»، أو «وحدات حماية الشعب»، على إذن «دولي أميركي» بالتوجه نحو الباب، رغم المسافة القصيرة التي تفصلهم عنها في عفرين، وهي 12 كيلومتراً، بل دعيت هذه القوات تحت غطاء جوي دولي، وبمساعدة لوجستية أميركية للتقدم نحو الرقة، بالتزامن مع المعركة التي يخوضها التحالف ضد «داعش» في الموصل العراقية.
تركيا، على الجبهة الثالثة، تابعت تقدمها باتجاه الباب، وصولاً لبلدة قباسين التي احتلتها قوات «درع الفرات» أمس (تردد أنهم خسروها مساءً)، وذلك بعد انسحاب مفاجئ آخر لقوات «داعش» منها، الذي تقلصت قواته لعشرة مسلحين فقط في البلدة، وفقاً لتقارير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعارض، وبعد تمهيد مدفعي تركي، وقصف جوي قامت به المقاتلات التركية الاثنين الماضي على 15 هدفاً للتنظيم في الباب، وهو قصف مفاجئ، ومن الصعب أن يجري من دون رضا موسكو، باعتبار أن الأجواء السورية تحميها القوات العسكرية الروسية في هذه الفترة.
الاقتراب من الباب، وانتهاء الانتخابات الأميركية بفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، شجع على تحديد ساعة الصفر مجدداً لعملية مشتركة جديدة في حلب، ولكن بالاستعانة هذه المرة بالأسطول البحري الروسي المتمركز قبالة السواحل السورية، إضافة للقوى الجوية الحاضرة في قواعد حميميم وتي فور وغيرها.
المعركة ستنتهي لمصلحة القوات السورية وحلفائها، وهو أمر مفروغ منه، وفق كل القراءات التي تتحدث عن مرحلة ما بعد «توحيد حلب».
ويأتي الحديث عن انطلاق جهود تسوية، ربما بغياب أميركي في المرحلة الاولى، مع اعتبارات مهمة، بينها سيطرة الأتراك على مساحةٍ كبيرة من الشمال، وتمركز قواتهم وجهاً لوجه أمام الجيش السوري وحلفائه. يعرف الروس، كما يدرك السوريون، أن تركيا تريد لنفسها مكاناً في أي تسوية ستأتي، وذلك بعد فشل الرهان العسكري والديبلوماسي على سقوط النظام، أو رحيل رموزه.
في الوقت ذاته، تقدر دمشق الخطورة التي ينطوي عليها أي دور تركي في رسم مستقبل سوريا السياسي، والمتمثل بطموح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمدّ نفوذه، عبر لاعبين محليين، هم رهاناً بعض التركمان أو ممثلون عن تنظيم «الاخوان المسلمين»، إلى أفق مستقبل سوريا، عبر منحهم حصةً في التسوية السياسية المحتملة مستقبلاً، وهي تسويةٌ يعرف الجميع أن لا مفر منها، وأن توقيتها سيفرضه تفاهمٌ قادم بين الجانبين الأميركي والروسي، قد يذهب إلى حد الاعتراف بمحاصصة إقليمية، مبنية على توزع نفوذ القوى على الارض، وهي محاصصة ترفضها دمشق بالمطلق، وأخبرت الروس أنها ستقاتلها حتى النهاية، بسبب تأثيرها «المدمر على مستقبل سوريا الموحدة والمستقرة».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد