اليمن يختفي على «الجزيرة»

10-10-2016

اليمن يختفي على «الجزيرة»

بحلول ظهر الأحد 9 تشرين الأول 2016، كانت وسائل الإعلام العالمية الكبرى تنقل عن مصادر في الأمم المتحدة أنّ عدد ضحايا الغارات التي استهدفت مجلس عزاء في العاصمة اليمنية صنعاء قد بلغ أكثر من 150، فضلاً عما يزيد عن 500 جريح. تتابعت الأخبار لتفيد بأنّ «الصليب الأحمر الدولي» أعلن تجهيزه 300 كفن تحسّباً لارتفاع أعداد الوفيات، وأنّ التحالف الخليجي الذي نفّذ الغارة الجوية (وفق مراقبي الأمم المتحدة في صنعاء) أصدر بياناً عن نيّته إجراء تحقيق في «الحادثة».
لم يغِب خبر الغارة عن أي من مواقع القنوات الأجنبية، برغم أنّ أخبار اليمن «غير جذّابة» للجمهور الغربي عموماً لعدم انعكاسها على يوميّاته، كما شرحت مقالة لأماندا تاوب في «نيويورك تايمز» مطلع الشهر الحالي. حضر الخبر برغم أنّ معركة حلب والصراع عليها في مجلس الأمن، كما الانتخابات الأميركية، مثّلا محور اهتمام رئيسياً في تغطية هذه القنوات.
بديهياً، كان الأمر أكثر إشكالية على المستوى العربي. أفردت قناة «الميادين» مساحة واسعة لقضية تسمح لها بالتصويب على السعودية. فيما «العربية»، لسان حال الرياض التي تقود الحرب ضد صنعاء، أوردت المسألة على موقعها بصيغة نفي وقوع الغارة أولاً، ثم بالإشارة إلى إجراء التحقيق الذي أفاد به بيان «التحالف».
لكن اللافت أنّ الخبر أُسقط تماماً من حسابات «الجزيرة»، المعنية بحرب اليمن كذلك من موقع المدافع عن «شرعيتها». إذ لم تحجز «حادثة» صنعاء لنفسها مكاناً من بين ثلاثين تقريراً وملفاً وحواراً تستعرضها الصفحة الرئيسة للقناة. ظل التغييب هذا قائماً بعد مرور يوم كامل على انطلاق الصواريخ «الذكية» صوب الجموع الغفيرة في المأتم اليمني، أي حتى كتابة هذه السطور. وكان من بين المواضيع الثلاثين مسائل بعيدة من يوميات جمهور القناة. واحدٌ منها مثلاً يحيل على دراسة حديثة، تفيد بأن التطور العلمي لن يُطيل عمر الإنسان إلى ما يتجاوز 125 عاماً: «يبدو أن أوهام إكسير الحياة قد تحطّمت إلى الأبد»، يقول التقرير في مطلعه.
تطوّر علمي.. تحطّم.. 125.. حياة.. إلى الأبد.
نظرياً، يمكن أن يُعاد ترتيب الكلمات وإدراجها في خبر عن اليمن؛ أن تُصاغ منها جملة افتتاحية لتقرير يتّصل بأولويات المنطقة، أكثر مما أوردته دراسة صادرة في نيويورك عن «جامعة ألبرت أينشتاين» عن الحدّ الأقصى لعُمر البشر.
لكن الخبر المتعلق بأعمارٍ انقضت فعلاً لم يرِد على صفحة القناة، ولا حتى بصيغة النفي أو التشكيك. بدا كما لو أن الوجود نُفي من أساسه عن المئات هؤلاء، وأنّ الحدث لم يحصل قط.
ليست هذه مضبطة أخلاقية (برغم جوازها). فالإعلام على ضفاف الصراع كافة يوظّف الأحداث وفق هواه السياسي على حساب البعد الأخلاقي أكثر الأحيان، ينتقي منها ما يُفيد، ثم يُضخّمه أو يحوّره.
ما نعتزم الإشارة إليه هنا أمر آخر: ثمة ما يفيد بأنّ المسافة الفاصلة بين «الإعلام الحكومي التقليدي» و»الإعلام الحكومي الذكي» (كـ«الجزيرة») تتلاشى إلى حدّ العدم. لا حاجة لأينشتاين، ولا لجامعة موازية في مجال الميديا للكلية التي تحمل اسمه، لإثبات الأمر.
الثابت بالأمس كان غياب أكثر من 700 يمنيٍ عن موقع «الجزيرة». هذه «فاحشة» مهنية. وهي بالتأكيد لن تغيب عن كرّاسات الإعلام ودراساته داخل العالم العربي وخارجه. والأخيرة عُمرها طويل.

ربيع بركات

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...