هموم القمح 2016.. إنتاج 37% من المخطط و75% منه خارج مخازن الحكومة
بلغ إنتاج سورية من موسم القمح 1.7 مليون طن للعام 2016، تم تسويق 425 ألف طن منها لمصلحة المؤسسة العامة للحبوب، حسب ما صرح به وزير الزراعة أحمد القادري منذ فترة، موضحاً أن الموسم كان جافاً حيث انخفض معدل الهطل المطري نحو 55% عنه في العام الماضي، مؤكداً أن الكميات الأكبر من الحبوب تم استلامها من الحسكة، على حين في بقية المحافظات لعب عامل الجفاف دوراً سلبياً في ذلك، إضافة إلى احتفاظ بعض الفلاحين بإنتاجهم، على حين البعض الآخر باعه للتجار.
وحسب بيانات وزارة الزراعة فإن المحافظات الأساسية بزراعة القمح هي الحسكة والرقة ودير الزور وحلب وإدلب عانت ظروفاً أمنية صعبة، بسبب منعهم من تسويق إنتاجهم لمؤسسات الدولة حيث كان الإنتاج المتوقع في حلب 325 ألف طن، على حين الكميات المسوقة 10 أطنان فقط، كذلك من المتوقع أن يكون الإنتاج في الرقة أكثر من 350 ألف طن، وفي دير الزور نحو 200 ألف طن، لكن التسويق محدود جداً.
أرقام صادمة
يبين الخبير الزراعي محمد حسان قطنا أن الخطة الإنتاجية لزراعة القمح لعام 2016 تضمنت زراعة مساحة 1.7 مليون هكتار لإنتاج 4.6 ملايين طن قمح وتضمنت الخطة كميات مستلزمات الإنتاج اللازمة لزراعة هذه المساحات التي تحتاج إلى 363 ألف طن من البذار و400 ألف طن من السماد وتوفير التمويل اللازم من المصرف الزراعي التعاوني.
ولفت أنه من خلال تتبع التنفيذ تبين أن المساحة المزروعة فعلاً لم تتجاوز 76% من الخطة وأن كميات السماد التي تمكنت الجهات العامة من إيصالها إلى مناطق الإنتاج لم تتجاوز 15% من المخطط وأن 80% من البذار قام المزارعون بتأمينها ذاتياً من دون الاعتماد على البذار عالي الإنتاجية المنتج من المؤسسة العامة لإكثار البذار وأن القروض الزراعية الممنوحة للمزارعين لم تتجاوز 20 مليار ل.س وتشكل 72% من المخطط، وكل ذلك ترافق مع انخفاض معدل هطل الأمطار إلى 55% من المعدل السنوي وترافق ذلك مع الاضطرابات الأمنية في العديد من المناطق وعدم تمكن المزارعين من تقديم الخدمات الزراعية الكاملة بمواعيدها وهو ما أدى إلى عدم تحقيق سوى إنتاج 1.7 مليون طن من الإنتاج المخطط البالغ 4.9 ملايين طن، أي بنسبة لا تتجاوز 37% من الخطة الإنتاجية لزراعة موسم القمح، وما تم تسويقه للمؤسسة العامة للحبوب لم تتجاوز نسبته 25%، أي إن هناك 75% من الإنتاج الفعلي لم يتم تسويقها لمصلحة مؤسسة الحبوب.
وأشار قطنا إلى أنه لو تمت متابعة واقع زراعة وإنتاج القمح خلال فترة الأزمة من العام 2011 وحتى العام الحالي 2016 لوجدنا أن ذلك لم يكن وليد عام 2016 فقد تراجع إنتاج القمح خلال هذه السنوات، ليس بسبب الظروف الجوية وتراجع هطل الأمطار فقط بل بسبب تراجع المساحات المزروعة إلى حدود 70% من المساحات المخطط زراعتها وإلى عدم التمكن من إيصال مستلزمات الإنتاج إلى مناطق الإنتاج بسبب الظروف الأمنية وإلى قيام بعض المزارعين باستبدال زراعة بعض المساحات التي كانت تزرع بالقمح بزراعة الشعير أو محاصيل أخرى ذات جدوى اقتصادية أعلى مثل التوابل وغيرها.
إن هذه الأرقام المذهلة تجعلنا نقف وقفة تأمل أمام واقع إنتاج القمح.. هذا المحصول الإستراتيجي الذي حققت سورية في الثلاثين سنة الماضية أمرين مهمين أولهما وجود مخزون إستراتيجي من القمح لسنوات تم من خلاله ضمان قوة القرار السياسي وعدم الخضوع لأي حصار اقتصادي من أعداء سورية وثانيهما تحقيق الأمن الغذائي الوطني الذي يوفر لقمة العيش للشعب السوري وبأسعار تتحكم بها الحكومة لتحقيق البعد الاجتماعي في إدارة الاقتصاد السوري.
مشكلة القمح أيام الثمانينيات
واستذكر الإجراءات التي تمت خلال فترة الثمانينيات عندما عانت سورية شح القمح السوري ووضعت في حينه مجموعة من السياسات الزراعية التي مكنت الحكومة من رفع إنتاج القمح من مليون طن في الثمانينيات إلى 4.9 مليون طن عام 2006 وتضمنت هذه السياسات زيادة المساحات المروية المزروعة بمحصول القمح ورفع أسعار شرائه من المزارعين بحيث تم تحقيق هامش ربح مجز لتشجيعهم على زراعة المحصول وتسليمه للمؤسسة العامة للحبوب مع تأمين مستلزمات الإنتاج بأسعار مدعومة.
ولكن موجات الجفاف التي أصابت البلد في عامي 2008-2009 أثرت بشكل سلبي في إنتاج القمح ولم يتم إنتاج سوى 2.2 مليون طن رغم زراعة كامل المساحات المخططة وقد تأثر المحصول بالتغيرات المناخية وبالإجهادات الحيوية وتم في حينة تشكيل لجان علمية متخصصة ضمت خبراء ومختصين من الجامعات السورية ومن مراكز البحث العلمي التابعة لجميع الجهات والمنظمات العلمية المحلية والدولية وتم عقد مؤتمر علمي متخصص لذلك.. وتمخض عنها خطة وطنية لتطوير زراعة القمح وتحسين الإنتاجية ومواجهة التحديات التي واجهت زراعة وإنتاج المحصول ومعالجة أثر التغيرات المناخية في إنتاج وإنتاجية القمح وتمت الموافقة عليها من الجهات الوصائية.
ما العمل إذاً؟
وأضاف الخبير الزراعي محمد حسان قطنا إن الأزمة الحالية عادت بالتحديات ولكن بشكل آخر وبظروف مختلفة وأصبح من الضروري معالجتها بكل الوسائل الممكنة، وأهمها أن تتكامل جهود وزارة الزراعة مع الجهات الأخرى لتحقيق الاستقرار في إنتاج القمح وإعادة تحقيق مخزون إستراتيجي منه من خلال إحياء المجلس السوري للقمح ليتولى إعادة رسم السياسات الزراعية اللازمة لإعادة النهوض بهذه الزراعة ومواجهة الصعوبات التي حالت دون تحقيق الإنتاج المخطط واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان زراعة كل المساحات القابلة لزراعة القمح وزيادة الدعم اللازم له وعلى رأسها وضع أسعار تشجيعية لشراء المحصول من المزارعين وتوفير مستلزمات الإنتاج بمناطق الإنتاج بأسعار مدعومة وبشكل مستقر ومستدام.
علي محمود سليمان
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد