منبج: «الخطة المغلقة» تنذر باشتعال المعارك، لا ممر آمناً للمدنيين.. وبحث عن «صيد ثمين» في «لندن المصغّرة»
لم يعد السؤال المطروح حول معركة منبج يتعلق بطبيعة الخيار الذي سيتّبعه تنظيم «داعش» في مواجهة الهجمة الضخمة التي يتعرض لها، وتهدد أهم معاقله وخطوط إمداده في المنطقة، فمنذ قيام «قوات سوريا الديموقراطية» برسم دائرة كاملة حول المدينة، من دون أن تترك أي منفذ لانسحاب عناصر التنظيم التكفيري أو على الأقل تأمين خروج آمن للمدنيين، صار السؤال: لماذا المطلوب دفع «داعش» إلى خوض هذه المعركة حتى الرمق الأخير؟
وهذه هي المرة الأولى التي تُتّبع فيها هذه الخطة في سوريا، سواء ضد «داعش»، أو ضد غيره من الفصائل المسلحة، إذ كانت القوات المهاجمة في مختلف المعارك تحرص دائماً على عدم تطويق هدفها من جميع الجهات، تاركة ممراً آمناً من أجل خروج المدنيين، وكذلك منفذاً يتيح لعناصر التنظيم المتشدد الانسحاب إلى جهة أخرى، بدل أن يضطروا إلى خوض حرب استنزاف طويلة.
وتُستخدم حالياً هذه الخطة «المغلقة» في العراق في معركة تحرير الفلوجة، ولم يسبق اعتمادها من قبل في أي مدينة أخرى، مهما بلغت أهميتها، الأمر الذي يشير إلى أن «التحالف الدولي» الذي يقود كلا المعركتين (منبج والفلوجة) قد يكون أجرى تعديلات جوهرية على خططه الموضوعة للتعامل مع المدن التي يسيطر عليها التنظيم التكفيري.
لكنّ تطويق المدينة من جميع الجهات، لم يؤد إلى محاصرة مقاتلي تنظيم «داعش» فحسب، بل هناك مئات الآلاف من المدنيين أصبحوا محاصرين أيضاً مع مقاتلي التنظيم داخل الحدود الادارية لمدينة منبج.
ووقع لغط كبير حول حقيقة أعداد المدنيين الذين ظلوا في المدينة، فبينما كان «المرصد السوري لحقوق الانسان» يقدر أعداد هؤلاء في بداية المعركة بحوالي عشرين ألفاً فقط، اضطر، بعد مراجعته من قبل عشرات النشطاء المعارضين ممن احتجوا على تقليل الأعداد، إلى الصعود بها إلى مئتي ألف مدني.
وكان مستغرباً بالفعل أن يقع «المرصد السوري» في هذا الخطأ الفادح في تقدير أعداد المدنيين، وهم بعشرات الآلاف، في حين أنه يقدم إحصائيات دقيقة عما يقول أنها أعداد القتلى في مختلف المعارك التي تدور في سوريا ومنها معركة منبج الأخيرة، حيث تمكن من إحصاء القتلى فيها، بينما الاشتباكات لم تتوقف بعد.
لكنّ «مركز منبج الإعلامي الموحد» المعارض، لم يخف قلقه من أن يكون وراء محاولات تقليل الأعداد ما ينذر بسيناريوهات مؤلمة كالتهجير والدمار، وخصوصاً بعد اطباق الحصار على المدينة، وعدم ترك طريق لعناصر داعش ان تنسحب.
وقال مصدر في «مركز منبج» إن «عدد سكان منبج حالياً هو أكثر من 250 الفاً، أما المدينة مع الريف فيصل العدد إلى أكثر من نصف مليون»، هذا عدا النازحين الذين وفدوا إلى المدينة من مدن اخرى أهمها مدينة السفيرة، فأعداد النازحين المسجلين لدى الهلال الاحمر في منبج هي 45 الف عائلة، وعلى فرض أن العائلة تتألف وسطياً من خمسة اشخاص، سيكون العدد 225000 نسمة ناهيك عمّن انتشر في القرى، ولم يتسن له التسجيل.
كما اشار إلى أن غالبية السكان، أي نسبة 90 في المئة، وهم من العرب، فيما العشرة في المئة الباقون من الشركس والأكراد والتركمان.
وحول الوجود المسيحي في منبج، قال المصدر «كانت تسكنها حوالي 100عائلة مسيحية وأرمنية في السابق، ومع انطلاق (الثورة) غادروها، لكن بقيت عائلتان أرمنيتان، في زمن سيطرة الجيش الحر، وهؤلاء كانوا يسكنون شارع الرابطة، الا انهم نزحوا مثل قسم من ناشطي وثوار منبج عندما اصبحوا مطلوبين لتنظيم داعش».
هذا التواجد الكثيف للمدنيين داخل المدينة، يجعل من «الخطة المغلقة» التي تتبعها «قسد» سبباً كافياً لإثارة المخاوف على مصير السكان، خصوصاً في ظل اندلاع المعارك واقترابها من مشارف المدينة المكتظة، وفي ظل عدم وجود اي خطة واضحة لإخلاء السكان وتجنيبهم ويلات المعارك.
وليست هذه الملاحظة الوحيدة التي يمكن أخذها على الخطة المتبعة، فهناك ملاحظة لها صلة بالجانب العسكري، إذ أن محاصرة مقاتلي «داعش» من جميع الجهات، وعدم ترك أي منفذ لهم للانسحاب والهروب، هي بمثابة دعوة موجّهة لهؤلاء المقاتلين للقتال حتى الموت وعدم التفكير في أي احتمال آخر، وهو ما سيزيد من استعار المعارك من جهة ومن الأخطار التي تهدد المدنيين من جهة ثانية.
وقد يكون السبب الوحيد لهذه المخاطرة بمصير المدنيين، ومحاولة تضليل الرأي العام حول أعدادهم، هو رغبة الولايات المتحدة في قطع دابر المقاتلين الأجانب في مدينة منبج وحرمانهم من الهروب نحو اي مكان آخر سواء ضمن سوريا أو خارجها عبر الحدود التركية.
وتُعدّ منبج من أكثر المدن السورية اكتظاظاً بالمقاتلين الأجانب خصوصاً من المتحدثين باللغتين الانكليزية والالمانية، لدرجة أن بعض الصحافيين الغربيين أطلقوا عليها اسم «لندن المصغّرة»، وكان هؤلاء المقاتلون يرون أنها مناسبة لإقامتهم حتى أكثر من الرقة وذلك بسبب هدوئها وأمانها وقربها من الحدود التركية. كما أن هناك شبهات كبيرة جداً بأن مدينة منبج تضم بعض الخلايا المسؤولة عن إدارة العمليات الخارجية التي يقوم تنظيم «داعش» في بعض الدول الأوروبية. كل هذا يجعل من المدينة وسكانها صيداً ثميناً يستحق المخاطرة بغض النظر عن الثمن الانساني الذي يمكن دفعه لقاء ذلك.
على صعيد متصل، تصاعدت حدة الانتقادات التركية للعملية العسكرية في ريف حلب الشمالي الشرقي، ووجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتهامات إلى «دول صديقة» بالقيام بتنفيذ مخطط خطير في شمال سوريا. قال: «هناك مشروعٌ خطيرٌ يتم تنفيذه، جنوبنا (شمال سوريا)، ومع الأسف يقف وراء تنفيذه أطراف تُظهر أنها صديقة لنا». كما انتقد أطرافًا (لم يسمها) بسبب دعمها «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سوريا، المرتبط بحزب «العمال الكردستاني» في تركيا، بذريعة محاربتهما تنظيم داعش الإرهابي»، وذلك في كلمة ألقاها الرئيس التركي عقب حضوره مأدبة إفطار أقامها «وقف الاتحاد» (جمعية أهلية) في مدينة إسطنبول، امس الاول.
وكانت مدينة أورفا، قد شهدت، في اليوم ذاته ، انعقاد المؤتمر التأسيسي لـ «رابطة الكرد السوريين المستقلة» برئاسة عبد العزيز تمو، شقيق مشعل تمو الذي اغتيل في القامشلي منذ سنوات. وقد نظرت مصادر إعلامية مقربة من «حزب الاتحاد الديموقراطي» إلى هذه الخطوة على أنها «مؤامرة جديدة من الدولة التركية بالتنسيق مع بعض الأحزاب والهيئات الكردية، في طليعتها الحزب الديموقراطي الكردستاني والمجلس الوطني الكردي، لتشكيل تنظيم أو هيئة جديدة ضد حزب الاتحاد الديموقراطي و روج آفا».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد