العقار في سوريا: هل ما زال على عرشه؟
بقي العقار في سوريا، أسوة بما هي عليه الحال في معظم دول العالم، متربعاً على عرش الاستثمار الأكثر أمناً وضماناً حتى الأعوام الأخيرة، التي انقلبت فيها معايير عامة كثيرة، كما هي الحال في كل الحروب، ولا سيما التي تشترك فيها مكونات داخلية.
وتتمثل هذه الحال في سوريا بعدة عوامل،
وتختلف من منطقة إلى أخرى. ففيما يظل العقار سيداً، ولكن مع أسياد آخرين في مناطق سيطرة الدولة كالذهب والعملة الصعبة، يصبح التعاطي به عبثياً في المناطق التي تخضع لسيطرة المسلحين، وتتلقى القصف الجوي في آن.
ويخضع قطاع العقارات، الذي كان قبلة المستثمرين في سوريا، لتناقضات الحرب هو الآخر.
وفي مناطق سيطرة الدولة، ولا سيما التي ازدادت استقراراً في الأشهر الأخيرة (منها طرطوس بعد التدخل العسكري الروسي)، ارتفع الاعتماد على العقار باعتباره ضمان استقرار رئيسياً. لكن المفارقة استمرت في الفارق بين سعر العقار المعد للبناء والزراعي بالدرجة الثانية، وأسعار البناء التي تؤهله ليصبح استثماراً مربحاً. ففيما تخضع المواد التي تدخل في مرحلة البناء للصعود المستمر للدولار (قارب حدود الـ400 ليرة سورية) لا تخضع الأراضي للاعتبارات ذاتها.
وفيما يمكن أن تكون كلفة عقار في منطقة منظمة حكومياً بمساحة 400 متر مربع 10 ملايين ليرة سورية، يمكن أن تكون كلفه بناء سكني من ثلاثة طوابق بحدود 16 مليون ليرة. الأمر الذي يجعل عمليات الإكساء، كما الشراء، عالية الكلفة بما لا يتحمله أصحاب الدخل العاديون.
ووفقاً لما نقلته وكالة الأنباء السورية (سانا) مؤخراً فإن أسعار مواد البناء سجلت في الآونة الأخيرة ارتفاعاً جديداً، فتجاوز سعر الطن الواحد من الحديد 212 ألفاً (كان 30 ألفاً قبل الحرب) والمتر المكعب من الرمل 5500 ليرة سورية، أما الاسمنت فتجاوز سعر الطن الـ22 ألف ليرة.
لكن على الرغم من ذلك لم تتوقف حركة العمران، وان كانت قد تعثرت في أعوام سابقة بسبب عدم وضوح الظروف الداخلية والخارجية. ويفسر المحامي عمار يوسف، وهو أحد الخبراء في المجال العقاري، هذا التناقض بعدة عوامل «بينها الحاجة للسكن، ولا سيما مع الأخذ بعين الاعتبار الدمار الذي حصل في البنية العمرانية وحالات الهجرة والنزوح الداخلي، وثانياً بسبب الحاجة للادخار بأكثر الطرق أماناً».
وتعتبر هذه الطريقة من أكثر الوسائل جاذبية، على اعتبار أن الدولة عقدت من إمكانيات الادخار بالعملات الصعبة، وثقة المواطنين بالحالة الأمنية لا تشجع على شراء كميات كبيرة من الذهب.
وتشجع هذه الحالة البعض على تشييد المساكن، ولا سيما المغتربين الذين استفادوا من فروق العملة بسبب ضعف الليرة، خصوصاً حين يأتي الأمر لأسعار المعدات الخاصة بالبناء. ووفقا ليوسف، فإن الارتفاع في الأسعار يتحمل نتائجه المواطن الراغب بالسكن خاصة، علماً أن التاجر الوسيط بين صاحب العقار المعد للبناء والباحث عن سكن هو الرابح الأكبر.
وتجري العديد من عمليات البناء حالياً عبر تعاقد بين صاحب العقار ومتعهد لإنشاء بناء، وفق نسبة معينة تتراوح بين 35 و45 في المئة من قيمة البناء لصاحب الأرض، فيما تبقى النسبة الأعلى لصاحب رأس المال في تمويل المشروع، علماً أن إكساء شقة يحتاج إلى ضعفي مبلغ الإعمار وفقاً ليوسف.
أما الحال في المناطق التي تخضع لسيطرة المسلحين فمختلفة. فمن شبه المستحيل تقدير الأسعار منطقياً في ظل حالة انعدام الأمن وإمكانية تدمير العقار في أي لحظة، كما أن الأعمال الإدارية المتوفرة في المناطق الحكومية ليست دائماً ممكنة في المناطق التي تخرج عن سيطرتها، وتتم بعقود شخصية بين البائع والشاري، ما يعرّض أية عملية شراء وبيع للإلغاء مستقبلاً.
ووفقاً لدراسة محلية، انخفضت قيمة العقارات المشيدة في تلك المناطق 85 في المئة عن قيمتها قبل الحرب، فيما انخفضت قيمة الأراضي المعدة للبناء بنسبة 35 في المئة، لاعتبارات أمنية، كون الأرض المنبسطة غير قابلة للتدمير!
ويضاف إلى هذا مصادرة البيوت، من قبل المسلحين على طرفي الصراع، وعمليات البيع الوهمي التي تجري بعقود ووكالات مزورة أيضاً، وهذه الأخرى تحدث لدى الطرفين أيضاً.
ولا يمكن في الحالة ذاتها أيضاً إغفال لجوء بعض المغتنين حديثاً، ولا سيما بسبب عوامل الحرب والأعمال غير المشروعة، إلى «تكديس العقارات وشرائها أحياناً في مناطق غير آمنة وبمعايير تفوق قيمتها» للحفاظ على قيمة المبالغ التي تم تحصيلها بأشكال مخالفة للقانون، فيما يحصل أمر مشابه في مناطق السيطرة الحكومية، تترافق فيها عمليات شراء عقارات بأسعار كبيرة، مع افتتاح مشاريع سياحية أو ترفيهية، تعكس بوضوح وجهاً من أوجه التناقض الكثيرة التي رسمتها الحرب.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد