«زبيب».. تراجيديا بدوية بنمط شكسبيري
«السالفة» البدوية هي أصل حكاية «زبيب 5 ـ 17 كانون الأول ـ مسرح القباني» العرض المسرحي الذي حققته نسرين فندي عن نص لـ «عدنان وردي العودة» في محاولة لمقاربة مسرح الحكي؛ متخذةً من «عودة» الشخصية الرئيسية في العرض راوياً لها؛ فالشاب الحفيد الذي كان نتيجة باهرة ليانصيب الحب؛ مرةً حين تلده أمه «بدرة ـ روجينا رحمون» خارج مضارب القبيلة؛ منتصرةً لحبيبها « ميزر ـ مجد مشرف» في وجه أبناء العمومة المكتوبة على اسم واحدٍ منهم.
والثانية حين يلتقي جدّي الحبيبين «فهد الشاعر ـ محسن عباس» و «فضة - رنا جمول» بعد سنوات على آخر مرة التقيا فيها؛ هما العاشقان اللذان كانا قد واجها قدراً مماثلاً باعد بينهما عمراً بأكمله؛ ليجدا نفسيهما من جديد وجهاً لوجه للتقرير في مصير حفيديهما الخارجين عن نواميس القبيلة وأعرافها. إنه الحب يجري وينداح كنهر الفرات بين الجزيرة السورية وبوادي الشام ونجد؛ الوله والخطف والعار ومن ثم الندم والحسرة والنفي. مصائر ومكائد ترويها ألسنة عن ألسنة؛ مثلما يحفظ الزبيب نور الشمس ويخزّنها في ذاكرته يوم كان عنباً على دالية.
الغزو والضواري والأفاعي؛ جنباً إلى جنب مع الخلاخيل والسحر والقصائد؛ عناصر حاولت مخرجة «زبيب» الإفادة منها في صياغة عرض شبه غنائي تخللته لمحات راقصة؛ تاركةً عمق الخشبة مشغولاً بفرقة موسيقية (ميشيل خياط: إيقاع، عمار علي: ناي، لجين زغيب: فيولا) قامت بأداء مقطوعات مرافقة للحوار والتعليق عليها؛ لما يشبه حداء جاء على ألسنة الممثلين؛ وفي محاولة لمقاربة الطقس البدوي وتوظيفه في بنية حركية جامعة؛ يكون فيها الحوار مضطرماً ومتصاعداً تبعاً لفعل الروي الذي قام به (الحفيد ـ شادي قاسم) والذي سنعرف أنه يكرر بلا ندم مسيرة أبويه وجديه في قصة حبه لـ (خيمة) الفتاة التي غلا مهرها وكُتبت بدورها على اسم ابن عمها (الضاري) وجمَله الفريد بسرعته وأصوله.
مأساة بدوية
إنه الجمل مرةً أخرى يرسم المصائر وحدود المضارب في حكايا حب بدوية؛ يرويها الأحفاد ويعيشونها طبق الأصل عن آبائهم ومن قبلهم أجدادهم؛ أجيال ترث مرارة الحب في زمن حرب مستمرة ودائمة؛ فكأن الهودج الذي حمل امرأ القيس مع حبيبته؛ يعود محمّلاً اليوم بقصائد وثارات وغنائم لا تكل عن التوالد في أرض مفتوحة على الكارثة. مأساة بدوية حاولت (فندي) توليفها على الخشبة؛ ليبدو فيها الخطأ التراجيدي منسوجاً على نول المآسي الشكسبيرية الكبرى؛ حيث تقرر العشيرة وأعرافها في مصير بناتها وشبانها؛ كما تقرر في مصير قطعانها ومواشيها ومواقيت إغارتها على القبائل الأخرى.
العرض الذي أنتجته مديرية المسارح والموسيقى (نادي المسرح القومي) جعل من إضاءة (أدهم سفر) وموسيقى بلال الجندي (ميزانسين) رسماً حركياً لخطوات الممثل ونقلاته بين قطع ديكور زهير العربي؛ معتمداً بدوره على منظر ساكن من ستائر قماشية خفيفة للممايزة بين الأمكنة المتخيلة؛ مدعوماً بأزياء هشام عرابي التي تخلت في جزء كبير منها عن حرْفية الزيِّ وثراء زركشاته ونقوشه وطواطمه؛ لا سيما في بيئة بوادي (الرقة) السورية؛ فلم تكن منسجمة مع الطقس الذي توسلته مخرجة العرض؛ حيث لم يبدُ خياراً فنياً الإبقاء على قطع ملابس معاصرة وأخرى بدوية الطابع؛ إضافةً لأخطاء اللهجة التي لم يتقنها الممثلون على سوية واحدة؛ بل غابت اللكنة الدقيقة لبيئة حاول العرض محاكاتها؛ إلا أن تجسيدها كفرجة مسرحية معاصرة؛ يبقى مغامرة ما زالت تحتاج إلى بحثٍ أكثر في الشيفرة الثقافية؛ وربما لمعرفة الحدود الفاصلة بين العنب والدم.
سامر محمد إسماعيل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد