الجماعات السلفية تفترس بعضها شمال حلب
لم تكد تتواتر أنباء عن انسحابات متتالية في صفوف تنظيم «داعش» من مواقع سيطرة التنظيم في سوريا إلى العراق، حتى بدأت «جبهة النصرة»، التي نأت بنفسها عن قتال «داعش»، بالاستعداد لملء الفراغ الذي سيتركه التنظيم، عن طريق البدء بضم الفصائل المقاتلة في حلب إلى صفوفها، الأمر الذي أشعل فتيل الصراع في الشمال السوري بين «النصرة» والفصائل الكبيرة التي بدأت تستشعر الخطر على وجودها.
أول الاشتباكات اندلع بين «النصرة» و«حركة نور الدين الزنكي» بعد أن رفضت الأخيرة مقترحاً تقدمت به «الجبهة» لضم «الحركة» إلى فرع تنظيم «القاعدة» في سوريا، الأمر الذي تبعه قيام «النصرة» بتفجير سيارة في مقر لـ «الحركة» في دير جمال، تبعه هجوم على حواجز «الزنكي» في الأبزمو ومعارة الأرتيق في ريف حلب الغربي، ما تسبب بوقوع قتلى وجرحى في صفوف الطرفين، إضافة إلى أسر عدد من المقاتلين من الطرفين.
هجوم «النصرة» جاء بعد يومين فقط من سلسلة رسائل أرسلتها عبر مبعوثين إلى فصائل عدة لضمها لصفوف الجبهة، وهي الخطوة ذاتها التي اتبعتها «أحرار الشام» أيضا في سباق على قضم الشمال بعد انسحاب محتمل لـ«داعش» الذي يسعى للانكماش والتمترس في مواقع سيطرته في العراق، والتمدد شرق سوريا لتحصين الرقة، حيث بايعت «كتائب القدس» المقاتلة في ريف حلب الغربي أبو محمد الجولاني وانضمت لـ «النصرة»، في حين انضمت «كتائب أبو عمارة» إلى «أحرار الشام».
وأشار مصدر «جهادي»، إلى أن الخلاف بين «الزنكي» و «النصرة» لم يكن متوقعاً، خصوصا بعد العلاقات الطيبة و «جسور التواصل» بين الطرفين، إثر اندلاع خلاف بين «الزنكي» و «أحرار الشام» استغلته «النصرة» لتقوية علاقتها بالحركة، التي تعتبر من ابرز الفصائل المقاتلة في ريف حلب الغربي، إلا أن رد «الزنكي» القاسي على مبعوث «النصرة» أشعل فتيل المعارك بين الطرفين، حيث سحبت «جبهة النصرة» قواتها من جبهات القتال مع القوات الكردية في محيط حي الشيخ مقصود وزجت بهم في المعارك غرب حلب، في محاولة لتكرار سيناريو التهام «حركة حزم»، الجناح العسكري لجماعة «الإخوان المسلمين»، والتي قضت عليها «النصرة» واستولت على أسلحتها، وقامت بضم عدد من قواتها إلى صفوف التنظيم «القاعدي».
حشد «النصرة» ردت عليه «حركة الزنكي» بحشد مماثل، ما تسبب بوقوع اشتباكات عنيفة، قبل أن يتدخل رجل «القاعدة» النافذ في سوريا «القاضي الشرعي» لغرفة عمليات «جيش الفتح» السعودي عبد الله المحيسني ويتوسط بين الطرفين، لتهدأ الاشتباكات، ويتوصل الطرفان إلى هدنة أوقفت موقتاً الاشتباكات، وتم خلالها إطلاق سراح الأسرى، وسحبت «النصرة» قواتها من مواقع الاشتباك.
الهدنة التي أبرمها الطرفان في وقت متأخر، وإن تم تنفيذها على الفور، اعتبرها مصدر «جهادي» بأنها «هشة»، موضحاً أن الاشتباكات ستعود قريبا مع إصرار «النصرة» على «التمدد» في ريف حلب، ورفض «الحركة» التخلي عن نفوذها، خصوصاً أن «حركة نور الدين الزنكي» أصدرت بياناً قاسياً ضد «النصرة» اتهمتها من خلاله بـ«السعي لابتلاع حلب»، ردت عليه «النصرة» بتلميح بتعاون بين «الزنكي» والقوات الروسية، حيث تعرض احد مواقع «النصرة» لغارة روسية خلال الاشتباكات بين الطرفين.
وتوقع المصدر أن يستعر ريف حلب الشمالي باشتباكات بين الفصائل المنتشرة خلال الفترة المقبلة، خصوصاً مع تمدد «النصرة» و «أحرار الشام» الحليفان في ريف إدلب والعَدُوَّان في ريف حلب، الأمر الذي يشرع الباب أمام اندلاع اشتباكات عنيفة قد تصل إلى اشتباكات مباشرة بين «النصرة» و«أحرار الشام»، خصوصا أن كليهما يعتمد على التواجد في مدينة إدلب التي دخلت حيز الهدنة التي عقدت قبل فترة، والتي تقضي بإخراج مسلحي الزبداني وإخراج الأهالي من الفوعة وكفريا المحاصرتين بريف إدلب، حيث يعتمد كلا الطرفين على وجود مدينة محصنة لن تطالها المعارك في الفترة المقبلة لتأمين مراكز قيادة آمنة لعملياتهما في الشمال السوري.
بدوره، استغل تنظيم «داعش» انشغال الفصائل المقاتلة باشتباكات داخلية، وقام بإرسال سيارتين مفخختين إلى مواقع تابعة لـ «الجبهة الشامية» في بلدتي احرص ودير جمال، ما تسبب بوقوع عشرات القتلى والجرحى. وفسّر مصدر معارض إقدام التنظيم على إرسال المفخخات بمحاولاته نفي شائعات انسحابه من مناطق سيطرته في ريف حلب، وتحصين مواقعه في وجه مقاتلي «الجبهة الشامية»، موضحا أن «هذه المفخخات هدفها إحداث أكبر ضرر ممكن بالفصائل التي تقاتل داعش خلال هذه الفترة، وتحصين مواقع التنظيم في الوقت الحالي، ليتم في ما بعد اتخاذ القرار المناسب بالانسحاب أو التمدد وفق المتغيرات الميدانية، رغم يقيننا بأن التنظيم سيتابع انسحابه نحو مواقع أكثر تحصينا».
علاء حلبي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد