موظفو إدلب ضحايا سيطرة «النصرة» علىها
في كل يوم يمضي تثبت الحرب في سوريا أن المواطن هو الضحية، وأنه من يدفع ثمن كل ما يحدث، شاء ذلك أم أبى، فنــتائج المعارك هي التي تفرض عليه هذا الظرف القاسي الذي يعيشه.
قبل شهرين، سيطر «جيش الفتح»، بقيادة «جبهة النصرة» (فرع تنظيم «القاعدة» في الشام) على محافظة إدلب، وتعالت الأصوات هنا وهناك قائلة إنه تم «تحرير» إدلب، وأن الظلم رفع عن الناس، الذين تهجروا ودمرت بيوتهم وشرد أطفالهم واستشهد المئات منهم في تلك المعركة.
قبل أسبوع واحد من المعارك في إدلب، كان الأهالي يعيشون حياةً مستقرة هادئة في بيوتهم وأعمالهم. ويقول الدكتور زاهر «كنت أتابع عملي بشــكل يومــي، في ظل هدوء واستقرار عاشتهما المدينــة، التي كان خيار جميع المقيمين فيها: السلم، والأمــن والأمان».
ووفقاً للإحصائيات فإن أكثر من 200 ألف مواطن كانوا يعيشون في مدينة إدلب، بينهم عشرات آلاف الموظفين والمتقاعدين الذين يقبضون رواتبهم من الدولة السورية، ناهيك عن آلاف المدرّسين في الريف الساخن الذين لم تقطع الدولة رواتبهم، من كفرتخاريم وحتى سلقين وجبل الزاوية (وهي مناطق تسيطر عليها المجموعات المسلحة منذ العام 2012)، وجميعهم كانوا يقبضون رواتبهم من مديرياتهم المعنية في مركز المدينة، حيث كانت تسيطر الحكومة السورية قبل نيسان العام 2015.
رواتب هؤلاء الموظفين كانت كفيلة بتأمين حاجات عوائلهم ومنع العوز للمتقاعدين، الذين يحصلون على رواتب تقاعدية هم بحاجة ماسة لها في ظل الغلاء الكبير في المعيشة، نتيجة الحرب وتداعياتها.
أنس، وهو شاب ثلاثيني، هرب من إدلب إلى حماه، يقول إن والده متقاعد يعيش في معرة النعمان، وظل يقبض راتبه من الدولة بشكل منتظم طوال سنوات الأزمة السورية، إلا أنه ومع سيطرة «النصرة» على إدلب بات عاجزاً عن قبض راتبه، وهو في عمر لا يساعده على السفر إلى خارج المحافظة لكي يقبضه.
ويوضح أنس أنه من الصعب عليه إرسال الأموال إلى والده نظراً للظروف الراهنة، وبالتالي فإن الأب بات بلا دخل حالياً، وينتظر مساعدةً من الآخرين، وهو الذي كان في السابق غنياً عن الحاجة ومكتفياً براتبه الذي منحته إياه الدولة السورية على مدى سنوات.
جزء كبير جداً من موظفي محافظة إدلب هربوا أثناء المعارك الأخيرة في المدينة باتجاه الريف، الذي يخضع لسيطرة «النصرة» وحلفائها أيضاً.
ويقول الحاج عبد الخالق، وهو موظف حكومي، «لم يكن لدي خيار آخر، المعارك كانت دائرة على بعد أمتار من منزلي، ولدي أطفال أريد حمايتهم، فهربت بالاتجاه الذي وجدت طريقاً منه، وقد وصلت في النهاية إلى قرية يعيش فيها أقرباء لي، وخضعت لتحقيق مكثف واستجواب أكثر من مرة، وسحبت مني هويتي طوال شهر من الزمن، ما أدى لمنعي من مغادرة المحافظة. وبعد أن كتبت تعهداً، وتدخل وسطاء، أعيدت لي هويتي وغادرت في بداية حزيران إلى حماه لكي أقبض راتبي وأؤمن طعام أسرتي الجائعة».
وأضاف «عبد الخالق»، الذي التقيناه في حماه وسط سوريا، «هناك مئات الموظفين وضعوا تحت الإقامة الجبرية في ريف إدلب، وعوائلهم تعيش وضعاً يرثى له، من ضيق معيشي ومالي، وحتى خوف على مصيرهم ومستقبلهم».
واستقر بعض الموظفين، الذين خرجوا من ريف إدلب إلى محافظة حماه لقبض رواتبهم، بعد أن تم نقلها إلى المديريات المعنية فيها بقرار من الحكومة السورية لتسيير وتسهيل أمورهم، في حماه في حين عاد بعضهم إلى الريف الإدلبي مجتازاً رحلةً محفوفةً بالمخاطر. ويقول عدنان إن «التنقل في المرحلة الراهنة خطر جداً، فقد تستهدف السيارات المسافرة بالصورايخ أو القذائف وحتى بالطيران، وقد تصادر على الطريق، أو يتم احتجاز ركابها من قبل حواجز المجموعات المسلحة أو حتى حواجز الحكومة لأسباب مختلفة، بعضها أمني».
ويضيف عدنان «نحن المتضرر الأكبر مما حصل. لو لم تكن مصادر الدخل معدومة، وعائلتي تحتاج نقــوداً لتعــيش، لما كنت تكبدت كل هذا العناء واجتزت هذه المخاطر لكي أصل الى حماه. حقيــقة، لا يمكنني إلا أن أشكر وجود الدولة، لأنه لــولا هذا الراتب لكنت الآن في وضع سيئ يفــوق وضعي الحالي بأضعاف».
وتقول الصحافية السورية نور حاتم، معلقة على استمرار الدولة في دفع رواتب الموظفين حتى في تلك المناطق الخاضعة لسيطرة المجموعات المسلحة، «هذا فكر الدولة، فهي لا تتعاطى بعقلية الثأر والانتقام، وتتوجه لكل المواطنين على طول جغرافيتها، من دون تمييز أو تفريق بينهم».
جدير بالذكر أن موقف الدولة هذا لا يقتصر على موظفي إدلب فقط، فهي مازالت تدفع رواتب الموظفين في الرقة الخاضعة لسيطرة «داعش»، وكذلك في مختلف المحافظات السورية.
بلال سليطين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد