مرضى السرطان في سوريا .. عقاب الحرب والغرب
لم تغادر عائلة «رؤى» حلب هرباً من العنف أو الحرب الدائرة هناك، وإنما غادرتها بحثاً عن مستشفى حكومي يعالج طفلتهم المريضة بالسرطان، بعد أن أضحى مستشفى «الكندي» في المدينة خارج الخدمة، إثر حصار المجموعات المسلحة له قبل ثلاث سنوات وسيطرتها عليه العام الماضي، بعد أن دمرته.
العائلة قصدت اللاذقية حيث مستشفى «تشرين الجامعي» المجاني، ونقلت إقامتها بالكامل من حلب، لمواكبة علاج «رؤى» التي تحتاج الى متابعة دورية وأدوية، وكل ذلك غير ممكن في المحافظة الشمالية الملتهبة، كما أن الطرقات غير آمنة، وتكاليف المواصلات باتت مرتفعة جداً.
في البداية، كان لدى العائلة بعض المدّخرات التي ما لبثت أن نفدت على تكاليف العلاج وأجور المنزل ومصاريف باقي الإخوة، في ظل عدم توفر فرص عمل للأب، وملازمة الأم لطفلتها. وتقول الأم «روعة» انه لولا مساعدة بعض الخيرين وتعاطفهم معنا لكنا الآن في وضع يرثى له، حيث أن قريبة لنا مقيمة في الخارج ترسل لنا مصاريفنا وتكاليف العلاج، ونحن الذين كنا في حلب نساعد الآخرين. هذه العائلة وجدت من يعينها، لكن هناك عشرات العائلات الأخرى التي تعالج مرضاها في اللاذقية، وتذوق الويلات كل يوم، حيث تحول المستشفى إلى مكان إقامة شبه دائم لهم أثناء العلاج. ويقول أبو حيان، من منبج شمال سوريا، أنه لا يستطيع الإقامة في اللاذقية، وبالتالي فإنه يأتي إليها كلما احتاج ولده إلى جرعات، وينام في باحة المستشفى، محتملاً البرد وآلام الظهر.
ويوضح أبو حيان أنه، قبل سنوات، كان يعالج ولده في مستشفى «الكندي»، مشيراً إلى أن طفله تحسن وعاد الى حياته الطبيعية قبل أن ينتكس مجدداً في العام 2014. ويضيف بحسرة «للأسف توقف مستشفى الكندي عن العمل. كان يوفر علينا الكثير من الوقت والجهد والمصروف».
ليست حلب المحافظة الوحيدة التي يأتي منها المرضى للعلاج في اللاذقية، فهناك من يأتي من الرقة، وإدلب، وطرطوس.. إلخ، لدرجة بات فيها مستشفى الأورام الوحيد في محافظة اللاذقية يستقبل يومياً قرابة 350 مريضاً، في حين أنه مهيأ لاستقبال 100 مريض فقط في اليوم.
المستشفى المجاني لم يعد قادراً على تأمين الدواء لمرضاه، وبات يستقبلهم ويقدم لهم الخدمة وبعض الأدوية فقط، بينما عليهم تأمين الجرعات غير المتوفرة في المستشفى من الســـوق السوداء، بأسعار مرتفعة جداً، تفوق قدرة الكثير منهم على شرائها، لدرجة أن بعضهم توقف عن العلاج، وبعضهم توفي لعدم توفر الدواء.
«زويا» باعت منزلها لتأمين الدواء، وهي لم تشف بعد من مرضها، وتحتاج بين الحين والآخر إلى إبرة ثمنها 280 ألف ليرة سورية (أكثر من 1200 دولار)، إضافة الى أنواع أخرى من الأدوية غير المتوفرة في المستشفيات الحكومية، والتي ارتفع سعرها في السوق السوداء أكثر من خمسة أضعاف منذ بداية العام 2014 إلى الآن، والارتفاع مستمر ما لم يكن هناك حلٌ جذري للمشكلة.
تقول «زويا» إنها لم تعد قادرة على شراء أي نوع من الأدوية منذ شهر تقريباً، وقد كانت بحاجة الى جرعتين عاجلتين، لأن حالتها بدأت تتدهور، أمنتهما عن طريق بطريركية الروم الأرثوذكس، لكنها لا تعرف كيف ستتمكن من تأمين باقي العلاج.
المجتمع المدني في سوريا منشغل عن مرضى السرطان، فجّل اهتمامه منصب باتجاه الحرب ومضاعفاتها التي تستهلك إمكاناته، وبالتالي فإن قلّة من يهتمون بهؤلاء المرضى في أيامنا هذه، خصوصاً المغتربين وبعض المنظمات والجمعيات المحلية التي تغطي ما لا تزيد نسبته عن 10 في المئة من إجمالي المرضى. ويقول «حنا»، وهو صيدلاني، إن «على المنظمات الدولية أن تتدخل بسرعة لإيقاف هذه المعاناة الإنسانية».
تأمين الأدوية هو المطلب الأول بالنسبة للمرضى الذين تضاعفت آلامهم بسبب فقدانها. وأشهر الأدوية المفقودة هرسيبتين، ونيوكين، وزوميتا، وإيماتيب، ودوستياكسل، ونيوبوجين. وبعضها يستخدم لفترة قصيرة وبعضها مدى الحياة.
وتلقي الحكومة السورية المسؤولية كاملة على العقوبات الغربية. ويقول مدير صحة اللاذقية عمار غنام إن الغرب يبيعنا شــــعارات إنسانية، وفي الوقــــت ذاته يمارس علينا حصـــاراً يخلّف نتائج إنسانية كارثيــة.
في السابق كانت الدولة السورية تؤمن الأدوية وتقدمها في مستشفياتها بالمجان، لكن الأدوية فرغت من هذه المستشفيات، وبات من الصعب تأمينها. ويقول غنام إن الغرب يمنع الحكومة من فتح اعتمادات في الخارج لشرائها، وبالتالي هم يحظرون استيرادها، علماً أننا خلال عقود من الزمن واظبنا على توفيرها، والغرب يعلم أن قراره هذا ينعكس على المرضى، وقد يفقدهم حياتهم!!.
بدائل الاستيراد ليست متوفرة، والدولة لا يمكنها التعامل مع السوق السوداء، ويشير غنام إلى عدم الثقة بمصادر أدوية هذه السوق وفعاليتها.
ولا تقتصر الأدوية المفقودة على أدوية السرطان فقط، فهناك أدوية التصلب اللويحي، وزرع الكلية، ونيتروبين (للضغط)، وتثبيط المناعة، ومصل الكزاز، وغيرها، وهي جميعها تعد حاجة ماسة للمستشفيات وللمرضى، فبعضها «إسعافي».
من الآثار المؤلمة جداً لفقدان هذه الأدوية، أن بعض مرضى الكلى، الذين دفعوا تكـــاليف باهظة لإجراء عملية زرع، غير قادرين على متابعة الجرعات الدوائــــية اللازمــــة، وبالتــــالي فإن الكلى مهددة بالتــلف والتوقف عن العمل.
وكان نائب في البرلمان الفرنسي، زار سوريا مؤخراً، أبدى أسفه الشديد من الحظر الذي تفرضه بلاده على سوريا. وقال في دردشة صحافية «قبل زيارتي دمشق لم أكن أعلم أن بلادي حظرت توريد الأدوية إلى سوريا، حيث شاهدت أطفالاً يحتاجون إلى أدوية ممنوع استيرادها من الخارج، أنا خجل من بلدي».
يذكر أن سوريا من البلدان التي تعتمد الطبابة المجانية، حيث تتكفل الدولة، عبر مستشفياتها ومراكزها الطبية، باســـتقبال المرضى وعلاجهم بالمجان، إلّا أن قطاع الصحة تضرر كثيراً خلال الحرب، ودمرت مستشفيات ومعامل أدوية، إلى جانب عقوبات ضاعفت من حجم أزمته.
بلال سليطين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد