عباس يستنفر الأوروبيين: المفاوضات أو الإرهاب
كان الجميع يصغي لكلمات الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهو يغادر اللهجة المتحفظة التي يتحدث بها على المنابر العامة. جولته جاءت لاستنفار الأوروبيين، لذلك لم يكن مفيداً الانتقال إلى الغرف المغلقة وتكرار الحديث في العموميات. اختار السياسي المخضرم لمس العصب الحساس، الذي يجعل مستضيفيه يفتحون آذانهم جيداً: هناك مجموعة منظمات "إرهابية"، ضمّ إليها "حزب الله"، تترقب فشل التعاون الأمني مع الإسرائيليين لنشر الفوضى.
لقاءات عباس شملت العديد من قادة المؤسسات الأوروبية والحكومة البلجيكية. مصدر موثوق حضر بعض هذه الاجتماعات، كشف لـ "السفير" أن كلام الضيف الفلسطيني حمل بعض المفارقات، وعلى رأسها ضم "حزب الله" إلى الفريق الذي اعتبره تهديداً لانفجار الوضع في فلسطين، خصوصاً أن هذا الموقف لم يصدر سابقاً، بهذا العلن والوضوح، عن السلطة الفلسطينية.
المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته أكد لـ "السفير" أن عباس ردد في اجتماع مغلق أنه "إذا لم ينجح هذا الحل، عبر المفاوضات وحل الدولتين، فالبديل هو أن منظمات إرهابية تنتظر بفارغ الصبر توقف المفاوضات وفشل التنسيق الأمني مع إسرائيل لتحويل المنطقة إلى فوضى كما حصل في سوريا والعراق". وخلال استعراضه للمنظمات "الإرهابية" التي تشكل هذا التهديد، قال عباس إن "هناك الآن داعش وحماس والنصرة وحزب الله، وكل هؤلاء يترقبون فشل التنسيق الأمني مع إسرائيل".
ما يعرفه الرئيس الفلسطيني أن هذه المسألة شكلت هاجساً ملحاً لدى الأوروبيين والأميركيين. الشركاء الدوليون للسلطة الفلسطينية كان همهم الأول الحفاظ عليها، حالما ظهرت الانتفاضات العربية. بالنسبة إليهم، كما رددوا مراراً، سيعني فقدانها خسارة "الشريك الوحيد" المستعد للسير في العملية السلمية.
الجانب الفلسطيني لم يقصر في استثمار هذا الهاجس، وواصل استنهاضه وصقله كلما دعت الحاجة إلى ذلك. هكذا أعلن الأوروبيون الذين اعترفوا بالدولة الفلسطينية، من برلمانات، إضافة لحكومة السويد، أن "تقوية" الشريك الفلسطيني هو أحد أسبابهم الرئيسة للإقدام على هذه الخطوة.
رسالة التحذير التي حملها عباس من "الإرهاب" جاءت في إطار سعيه إلى حشد التأييد الدولي، الأوروبي تحديداً، لدعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية. قال خلال لقاءاته إن هذا الاعتراف "هو وسيلة للضغط على إسرائيل كي تستأنف المفاوضات".
طالب عباس الأوروبيين بالضغط على حكومة الاحتلال، كي تعود للتفاوض "مع جدول زمني واضح، وليس مفاوضات إلى ما لا نهاية". كما شدد على أولوية حمل إسرائيل على الإفراج عن أموال الضرائب الفلسطينية التي تحتجزها، مذكراً بأن ذلك يهدد الوضع الأمني، خصوصاً أن "70 في المئة من أموال الضرائب تذهب لتسديد رواتب الموظفين"، كما قال.
تلقى عباس الإشادة من الأوروبيين، خصوصاً لحضوره في الصف الأول من مسيرة "التضامن" مع فرنسا، ومسارعته إلى إدانة العملية الإرهابية ضد الصحيفة الفرنسية.
لكن ورقة "نحن أو الإرهاب" بات الآن يستخدمها أيضاً خصوم عباس السياسيون. القصد تحديداً حركة "حماس"، كما تؤكد لـ "السفير" مصادر فلسطينية واسعة الاطلاع على الأوضاع الداخلية في قطاع غزة المحاصر.
على كل حال، مشاهد وجود داعمي "داعش" في غزة باتت شائعة في مقاطع فيديو تتناقلها مواقع الإنترنت. آخرها كان في تظاهرة وسط غزة، جاءت اعتراضاً على إعادة نشر "شارلي إيبدو" الرسوم الكاريكاتيرية التي اعتُبرت مسيئة للنبي محمد.
في هذا السياق، تقول المصادر الفلسطينية إن هذه المظاهر "من المستحيل أن تمر من دون تغاضي سلطة حماس التي يمكنها منع ظهور أي أنشطة علنية لأي كان"، قبل أن تبين أن "حماس تريد أن تقول للغرب هنا إن البديل من حماس سيكون ما هو أسوأ منها بكثير".
ولكن إضافة لتظاهرات دعم "داعش"، التي تكررت خلال الأشهر الماضية، تلفت المصادر إلى وجود مقاتلين فلسطينيين يخوضون المعارك مع التنظيم الإرهابي في العراق وسوريا وليبيا. بعض من قتلوا في تلك المعارك، أقيمت لهم بيوت عزاء في غزة امتلأت برايات "داعش" وداعميه.
لكن الاستثمار السياسي، والتغاضي، ليس الشرط الوحيد الذي يحكم علاقة "حماس" بأنصار "داعش" كما تلفت المصادر. تقول إن من خرجوا لدعم التنظيم هم في النهاية "منشقون عن حماس، يحملون الفكر السلفي الجهادي ذاته، لكنهم يعتبرون أن حماس باتت متساهلة".
خروج العشرات في غزة وهم يحملون أعلام التنظيم الإرهابي، إضافة إلى حملهم صور منفذي اعتداءات باريس، يشير أيضاً إلى لامبالاة واضحة برد فعل ما يسمى "المجتمع الدولي". تقول المصادر حول هذه القضية إن "غزة باتت كارهة للمجتمع الدولي الذي تركها تواجه المجازر الإسرائيلية، وآخر ما يهمها هو رأيه أو انطباعاته"، قبل أن تضيف: "وهذا بالطبع يشكل بيئة تتقبل أنصار داعش، وبعضهم يفعل ذلك تحديداً من باب النكاية بالمجتمع الدولي الذي ترك غزة للموت".
وسيم إبراهيم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد