الحرب تطرد بينالي دمشق إلى خان أسعد باشا
تأخرت دورة «معرض الخريف - خان أسعد باشا - 13 - 28 كانون الأول» لهذا العام عن موعدها الاعتيادي، والتي كانت تقام ما بين شهري تشرين الأول والثاني؛ فصعوبة نقل الأعمال المشاركة من المدن إلى العاصمة في ظل الحرب الدائرة، إضافةً إلى السجال الذي دار بين أعضاء اللجنة المسؤولة عن انتقاء أعمال واستبعاد أخرى؛ جعلا بينالي الخريف السنوي ينعقد في شتاء العاصمة؛ وذلك كفرصة جماعية لتقدم الفن التشكيلي إلى واجهة الأحداث الثقافية لمدينة بحجم دمشق؛ والتي أغلقت معظم صالاتها الكبرى، تاركةً فنانين سوريين في عراء تام أو عرضةً لإحراق مراسمهم وسرقتها أو لمضاربات أسواق الجوار واستقطاب هذه الأسواق لخيرة الفنانين السوريين. الأمر الذي دفع بوزارة الثقافة السورية إلى إعادة حضورها من جديد في سوق الفن التشكيلي؛ والإعلان عن اقتناء معظم الأعمال المشاركة في المعرض؛ حيث وصل إلى أكثر من ثلاثمئة عمل لمئةٍ وأربعين فناناً وفنانة. دورة هذا العام واظبت على تكريس الاكتظاظ وازدحام الأعمال المشاركة من نحت وتصوير وحفر وحروفيات في فضاء خان أسعد باشا؛ المكان الذي كان فيم ا مضى سجناً عثمانياً لطالما رددت جدرانه صرخات شكري القوتلي، الرئيس السوري الراحل عندما كان معتقلاً فيه مطلع القرن الفائت؛ ليتحول اليوم إلى فضاء ثقافي وفني يضم مراسم ومحترفات فن، ومسرحا وعروضا سينمائية؛ لكن المكان على الرغم من جماليته شكّل عائقاً في عرض الأعمال الفنية المشاركة في مهرجان الخريف؛ نظراً إلى التشويش البصري الذي يحدثه الحجر الدمشقي الأبلق بلونَيه الأبيض والأسود على فرجة جمهور المعرض؛ إضافةً إلى حشر أكثر من خمسة أعمال فنية في ستاند واحد؛ وعدم توفير الفضاء الكافي ليتمكن الزائر من تركيز انتباهه على العمل الذي يود مشاهدته؛ كل هذا ساهم منذ سنوات في إضاعة الفرصة على أعمال فنية لافتة لتبدو في حيزها الصحي للتلقي، بل إن الإضاءة السيئة في «الخان» ساهمت هي الأخرى في تعطيل متعة المتابعة. الفنانون المشاركون منذ أعوام ما زالوا يحلمون بإقامة وزارة الثقافة لمتحف الفن الحديث الذي قُدم كمشروع منذ ثمانينيات القرن الفائت، إلا أن مديرية الفنون الجميلة خسرت هذه الفرصة بسبب تخصيص قطعة الأرض المزمع إقامة المتحف عليها إلى حديقة حيوانات في حي العدوي! بالمقابل، غابت الحرب بشكلها المباشر عن موضوعات الأعمال المشاركة، لتتفرد اللوحات والكتل النحتية بإيماءات خجولة لما يحدث على كامل رقعة البلاد منذ نحو أربعة أعوام. يمكن القول إن «معرض الخريف» ظل في ذهن بعض الفنانين هو المكان الأمثل لإرسال أعمالهم السيئة التي من الصعب تسويقها، وذلك للفوز بفرصة اقتناء لأعمالهم؛ إذ يصل ثمن العمل الفني الذي تشتريه وزارة الثقافة إلى حوالي «سبعين ألف ليرة سورية ـــ أي ما يعادل 350 دولارا تقريباً». مفارقة دفعت اللجنة المسؤولة عن اختيار الأعمال المشاركة للتشدد في معاييرها وتقييم خياراتها؛ مفسحةً المساحة لأطروحات فنية جدية وقلقة وذات سيولة لونية وليونة في الريشة وخبرة في تقنياتها البصرية لتبدو المصفوفات الشامية والاتجاهات الجديدة في الحركة التشكيلية السورية؛ أكثر حضوراً في أعمال إلياس الزيات وطلال العبد الله وأكثم طلاع وإدوار شهدا وإسماعيل نصرة، جنباً إلى جنب مع لوحات أنور الرحبي وسائد سلوم ونزار صابور وأسماء فيومي، وغسان نعنع وسواهم؛ فالمعرض الذي صار تقليداً سنوياً منذ عام 1950؛ صار منفذاً لإيداع الأعمال المشاركة مستودعات رطبة ومظلمة يأكلها الغبار في مديرية الفنون التي تحتوي في أقبيتها على أكثر من 14 ألف عمل، قال الفنان عماد كسحوت؛ مدير دائرة الفنون إن العمل قائم اليوم على أرشفة وأتمتة هذه الأعمال، استعداداً لعرضها في متحف فن حديث، يكون ملاذاً لتراث سوري يتآكل منذ خمسينيات القرن الفائت دونما رحمة، وفي ظل مشاركات دولية نادرة عموماً تسمح ببيع هذه الأعمال؛ ووضعها تحت الضوء بعد عقود من الإهمال لوثائق عصر رائع مضى من حياة السوريين.
سامر محمد إسماعيل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد