مشروع «حرف» للقراءات.. الطريق إلى المسرح أجمل منه
ينطبق على ذهاب الجمهور إلى فعالية «مشروع «حرف للقراءات المسرحية مديرية المسارح والموسيقى» مصطلح «الجمهور العفوي» الذي لطالما تحدث عنه رولان بارت؛ معتبراً لحظة خروج الجمهور من بيته واستعداده لهذا النشاط هما اللحظة الحقيقية لبداية العرض؛ فما بالك إذا كان الطريق إلى المسرح أجمل منه؟. ففي عرض القراءة الذي أخرجته نسرين فندي تحت إشراف المخرج مأمون الخطيب جعل من اختيار «خان أسعد باشا» كمكان للحدث المسرحي في قلب دمشق القديمة فعلاً ثقافياً لافتاً؛ حيث توجه الجمهور لأول مرة منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد إلى البلدة القديمة لمتابعة أول عروض القراءة؛ بعد تعمير خشبة خاصة أنشئت هناك من قبل وزارة الثقافة لهذا المشروع الذي سيقدم مساء كل خميس نصوصاً مسرحيةً لكتّاب أجانب وعرب ومحليين؛ ولتكون البداية مع «أنطون تشيخوف - 1860- 1904» في مسرحيته الشهيرة « الشقيقات الثلاث». هكذا كان على الجمهور عبور سوق البزورية المتفرع عن سوق الحميدية الدمشقي، مروراً بين محلات العطارة والتوابل وأقمشة الدامسكو والأغباني والسكاكر، وصولاً إلى الخان الذي بناه والي دمشق المعروف باسمه عام 1735، بعدما كان هذا المكان مخصصاً كاستراحة لنزلاء تجار طريق الحرير ومواكب الحج إلى فضاء ثقافي فني، فقبل أن يتم تعمير الخشبة لافتتاح مشروع «حرف المسرحية» تم توزيع غرف الخان البالغة حوالي الستين غرفة على الفنانين التشكيليين الشباب لتكون بمثابة مراسم خاصة بهم، فيما تم استغلال جدران الخان لعرض أعمال هؤلاء الفنانين، إضافةً لإقامة العديد من معارض الخريف والربيع تحت قباب «أسعد باشا» التي تتعانق فيها العمارة الدمشقية ذات الطابع المحلي المعروف ببركة مياهه ذات الأضلاع الثمانية مع الطراز المعماري الإسلامي المشغولة وفق تنويعات الحجر الأبلق بلونيه الأسود والأبيض.
في هذا الفضاء الشامي العريق قدم «حرف» عرض قراءته الأول، مشتغلاً على واحد من أصعب النصوص التي كتبها تشيخوف متعاطفاً مع النظام الإقطاعي الروسي، غير متجاهل سيئاته أيضاً عبر قصص متجاورة لكل من «أولغا وإيرينا وماشا» الشقيقات الثلاث اللاتي قام بأدوارهن في العرض السوري كل من الممثلين يامن سليمان، مجد مشرف، سامر خليلي؛ جنباً إلى جنب مع الممثلة روجينا رحمون ووفق تبادل أدوار ذكي ولافت، دمج بجرأة فنية بين أداء رجال لأدوار نساء وبالعكس؛ حيث لم تكتف مخرجة العرض بالقراءة وحسب، بل عملت على تقديم ملامح مسرحية عن كل شخصية في عملها الإخراجي الأول، مستثمرةً طاقة ممثليها الأربعة في رسم ما يشبه بورتريهات ساخرة ومؤسلبة عن الشخصيات في نصها الأصلي، بل كان لافتاً خروج الممثلين عن النص نحو عبارات جريئة وقوية تلامس المأساة السورية بحس نقدي لا يخلو من المرارة والسخرية في الكثير من المواضع التي تفاعل معها الجمهور، فمفردات مثل «هاون، سيارة مفخخة، مخابرات، ذبح، عبوة ناسفة، صاروخ، معارضة، موالاة» كانت حاضرة هنا على لسان الفنانة روجينا رحمون التي ساهمت برفقة زملائها الثلاثة في إنجاز نسخة سورية أقرب إلى نيغاتيف مسرحي يتحرك فيه الممثلون بين كراسيهم، أو يتقدمون إلى لسان الخشبة، مصدّرين العديد من « الجيستات» الذكية التي تمت تعبئتها بإشارات قوية عبّرت عن لسان حال السوريين اليوم. لعبة قدمتها المخرجة «فندي» بروح مرحة لا تخلو من الطرافة، لكنها أبقت الاحتمالات مفتوحة على عروض قراءة قادمة؛ ربما تكون ما يشبه «بروفة طاولة» نحو إخراج المسرح السوري من غرفة الإنعاش هو الآخر وعدم الاكتفاء بقراءته للجمهور.
سامر محمد إسماعيل
السفير
إضافة تعليق جديد