الرقة: مصير مجهول يلفّ «الفرقة 17»
يسود غموض كبير حول التطورات الأخيرة التي شهدتها جبهة «الفرقة 17» في الرقة خلال الساعات الماضية، والتي انتهت بإخلاء جنود الجيش السوري مقارّهم في الفرقة، والتراجع باتجاه بعض الأماكن المدنية أو العسكرية الآمنة لهم.
ولم يعرف سبب هذا الانسحاب، هل هو بفعل الهجوم الثاني الذي شنّه مقاتلو تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» على الفرقة بعد فشل هجومهم الأول، أم أنه قرار من القيادة العسكرية بإعادة التموضع، وتجميع القوات في مناطق آمنة بانتظار وصول التعزيزات للقيام بهجوم معاكس، أو لخلق موقع جديد يؤدي الدور الذي كانت تضطلع به «الفرقة 17» لجهة تأمين موطئ قدم للجيش السوري في قلب «دولة داعش».
وما يعزز من الاحتمال الأخير أنه فور شيوع أنباء الانسحاب من «الفرقة 17»، جرى تسريب خبر عن إرسال تعزيزات عسكرية، محميّة بالطيران الحربي، من مدينة السلمية في ريف حماه إلى ريف الرقة.
وشنّ مقاتلو «داعش» هجوماً جديداً على «الفرقة 17»، امتد من الساعات الأخيرة لمساء أمس الأول إلى ظهيرة أمس، تمكنوا خلاله من السيطرة على بعض المواقع الجديدة داخل الفرقة، مثل كتيبة الكيمياء وكتيبة الإشارة، قبل أن يسيطروا على معمل السكر، الذي أحدثت السيطرة عليه انقلاباً في موازين القوى على الأرض، نظراً لموقع المعمل المرتفع والمشرف على مساحات كبيرة من الفرقة، الأمر الذي استغله مقاتلو «داعش» لتكثيف قصفهم بدقة لم تكن متاحة لهم من قبل، لاسيما أن اقتحام الفرقة بقوات راجلة كان أمراً شبه مستحيل، لأن الجيش كان قام بتقطيعها، كإجراء دفاعي، بواسطة خنادق ضخمة يتعذر معها السير لمسافات طويلة، وهو ما جعل أمام «داعش» احتمالين لا ثالث لهما: الانغماسيين من جهة والقصف المركز والدقيق من جهة ثانية.
وفي ظل غياب أي معلومات من مصادر رسمية نتيجة التعتيم الذي فرض على مجريات الأحداث، أفاد مصدر خاص أن التصدّي للهجوم الثاني أصبح مكلفاً لدرجة كبيرة، بشرياً ومادياً، خصوصاً أن الاشتباكات أصبحت تجري من مسافات قريبة في وسط معادٍ لا وجود فيه لأيّ صديق، لذلك تم اتخاذ القرار بالانسحاب بهدف المحافظة على ما يمكن المحافظة عليه.
واقتضت خطة الانسحاب أن تبقى مجموعة من الجنود، يقدّر عددها بالعشرات، داخل مقر الفرقة للاستمرار في الاشتباك مع المهاجمين، وبالتالي تغطية انسحاب رفاقهم. بينما انقسم الجنود إلى مجموعات، كل مجموعة ذهبت باتجاه مختلف، منعاً للاستهداف الجماعي لهم في حال وجود كمائن. فاتجهت بعض المجموعات إلى قرية الرحيات، وأخرى إلى قرية أبو شارب، وكلتاهما في شمال الرقة. أما الباقون فاتجهوا إلى قرية عين عيسى حيث يوجد «اللواء 93».
في هذه الأثناء، كان الطيران الحربي والطوافات يحلقان بشكل كثيف فوق «الفرقة 17»، ويقصفان محيطها بغزارة كبيرة، من دون معرفة إذا كان ثمة تنسيق بين الجنود المنسحبين وبين الطيران، لاسيما وأن المعطيات الأولية كانت تشير إلى انقطاع الاتصالات مع الفرقة.
وقد تسبب بقاء مجموعة التغطية واستمرارها في القتال، بتضارب كبير في الأنباء حول سيطرة «داعش» على مقر الفرقة من عدمه. واستمرّ هذا التضارب حتى بعد صدور بيان رسمي نقلته وكالة الأنباء السورية - «سانا» أعلن فيه مصدر رسمي «أنهت وحدة من قواتنا المسلحة المدافعة عن معسكر الفرقة 17 في الرقة بنجاح عملية إعادة تجميع، استعداداً لمواجهة المجموعات الإرهابية المسلحة في محيط الرقة». وهذا التصريح هو تأكيد غير مباشر لإخلاء الفرقة والانسحاب منها باتجاه القرى الشمالية التي يخرج عدد منها عن سيطرة «داعش».
وذكرت مصادر إعلامية مقربة من «الدولة الإسلامية» أن جنود الجيش السوري، الذين انسحبوا باتجاه قرية أبو شارب، وقعوا في كمين محكم، حيث تمّ قتل حوالي 75 جندياً منهم، في الوقت الذي حدثت فيه اشتباكات عنيفة مع إحدى المجموعات التي انسحبت باتجاه قرية الرحيات من دون معرفة حصيلة هذه الاشتباكات.
وفي السياق ذاته، نشرت صفحات «جهادية» صوراً قالت إنها لدفعة جديدة من أسرى الجيش السوري الذين نفذ فيهم حكم الإعدام، وعلّقت رؤوسهم على السياج الحديدي لدوار النعيم في مدينة الرقة، مشيرة إلى وجود حوالي 100 جندي سوري في أسر «داعش» وأنه تقرّر قتل الجميع، لكن على دفعات.
ومن شأن هذا التقدم الجديد الذي حققه التنظيم المتشدّد أن يعزز من قدراته عسكرياً ومادياً ومعنوياً، الأمر الذي يثير مخاوف إضافية من تنامي هذه القدرات التي كانت شهدت طفرةً نوعيةً منذ سيطرته على مدينة الموصل في العراق قبل حوالي شهرين، لاسيما أنه حصل من «الفرقة 17» على كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر. وتتحدّث بعض مصادر «داعش» عن حصوله على 30 مدفع هاون وثلاثة آلاف كلاشينكوف، و100 رشاش ثقيل، و200 عربة، وكمية كبيرة من المسدسات.
وبعد السيطرة على المباني التي تحوي مكاتب الضباط، سرّب إعلاميو «داعش» وثيقة قالوا إنهم وجدوها في مكتب قيادة الفرقة ـ اطلعنا عليها، ولكن لم يتسنّ التأكد من صحتها - تثبت أن قيادة الجيش السوري كانت تتوقع أن تشهد «الفرقة 17» هجوماً عليها خلال عيد الفطر، الأمر الذي دفعها إلى إرسال برقية إلى قيادة الفرقة تتضمّن مجموعة من الإجراءات التي يجب اتخاذها للاستعداد وصدّ الهجوم.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد