زعماء العصابات السلفية يتباكون "الوحدة الإسلامية" وعينهم على "الغنائم"
واصلت «حركة أحرار الشام الإسلامية» (حاشا) محاولة السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من محيط معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، فاستولت على مقارّ تابعة لـ«تجمع ألوية وكتائب شهداء سوريا» التي يقودها جمال معروف (أصبح أيضاً رئيس جبهة ثوار سوريا التي تشكلت منذ يومين)، ومقارّ أخرى تابعة لـ«كتائب الفاروق»، بينما سارعت كتيبة صغيرة تدعى «كتيبة الطير»، مقرها بالقرب من معبر باب الهوى، إلى مبايعة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) والانضمام إلى صفوفه.
ويأتي ذلك بعد سيطرة «داعش» على عدة مقارّ تابعة لـ«ألوية أحفاد الرسول» و«لواء صقور الإسلام» وبعض مستودعات الأسلحة التابعة لـ«هيئة أركان الجيش الحر» في المنطقة نفسها.
هذا التناحر بهدف السيطرة على معبر باب الهوى الحدودي بين «حاشا» و«داعش»، تزامن مع الاشتباكات العنيفة التي وقعت بين الطرفين في بلدة مسكنة بريف حلب، وسقط بسببها عدد من القتلى والجرحى.
ولوحظ أن عناصر لواء «مصعب بن عمير»، التابع لـ«حركة أحرار الشام»، انسحبوا من مقارّ عديدة كانوا يتمركزون فيها، أهمها مقر معمل السكر، بينما تمركز في هذه المقارّ عناصر من «داعش». وذكرت مصادر إعلامية مقربة من «أحرار الشام» أن انسحاب عناصر اللواء جاء حقناً للدماء على حد تعبيرها.
ولكن من دون شك فإن مشهد انسحاب عناصر «لواء مصعب بن عمير» من مقارّه، كان مؤلماً لقادة اللواء وقادة «أحرار الشام»، لا سيما أن «لواء مصعب بن عمير» كان يعتبر نفسه الحاكم الأوحد لبلدة مسكنة، وقد سبق له أن أصدر منذ أشهر، بياناً يمنع فيه تشكيل أي فصيل مسلح في مسكنة ويحظر الانشقاق عنه، معتبراً ذلك خطاً أحمر لا يسمح بتجاوزه، فكان دخول «داعش» إلى مسكنة وتعيينه أميراً عليها هو «أبو دجانة الكويتي» ووضع حواجز خاصة به ونشر عناصره، ومن ثم طريقة الاستخفاف التي تعامل بها «أمير داعش»، يوم الاشتباكات، مع وفود «لواء مصعب بن عمير» أو ممثلي «حركة أحرار الشام»، والتي كان فيها الكثير من الإهانة والإذلال المقصودين، حيث قام باعتقال وفدين بينهما عناصر قيادية من اللواء والحركة، كل ذلك جعل من الصعب على «لواء مصعب بن عمير» (حركة أحرار الشام) أن يستوعب الصفعة التي وجهها إليه «داعش».
ربما هذا الإحساس الدفين بالإهانة الموجهة عمداً من قبل «أمير داعش» في مسكنة أبو دجانة الكويتي، كان تأثيره أصعب على قادة اللواء والحركة من تأثير القتلى والجرحى الذين سقطوا خلال الاشتباكات. ورغم أن «حركة أحرار الشام» أصدرت بياناً لتوضيح أسباب وملابسات أحداث مسكنة بينها وبين «داعش»، كما صدر بيان داعم لموقفها باسم «الجبهة الإسلامية»، التي يشغل فيها «أمير أحرار الشام» حسّان عبود منصب رئيس المكتب السياسي، فإن النفوس بقيت تغلي، وتأثير الصفعة على ما يبدو كان يتفاعل تصاعدياً في كواليس «أحرار الشام».
في هذا السياق، بدا لافتاً أن يخرج أبو عبد الملك، أحد القيادات «الشرعية» البارزة في «أحرار الشام»، ويسجل مواقف ضد «داعش» هي الأعنف من نوعها منذ بدء الاحتكاك المباشر بين الطرفين عبر الاغتيالات والاعتقالات المتبادلة خلال الأشهر الماضية.
ولا يستبعد أن تكون تغريدات أبو عبد الملك القاسية التي طالت «أمير داعش» أبو بكر البغدادي شخصياً، رسالة موجهة إلى «داعش» بأن اللعب من اليوم فصاعداً سيكون على المكشوف، وأن كثيراً من الاعتبارات التي كانت تمنع الحركة من التصعيد، وأهمها الحفاظ على صورة «المجاهدين» في سوريا، لن يكون لها مكان بعد أحداث مسكنة، ولن تؤخذ في الاعتبار.
فقد اتهم أبو عبد الملك «الشرعي» كما يلقب، «داعش» بالغلو والتكفير «فلا حرج عند كثير من أمراء وأفراد تنظيم الدولة من وصف الإسلاميين وغيرهم بأنهم مبتدعة وصحوات وأن الجيش الحر كافر». كما عمد إلى فتح ملفات سابقة لمشاكل افتعلها «داعش» بدءاً باغتيال كمال حمامي (أبو بصير) أحد قيادات «الحر» في الساحل السوري، ومروراً بالبرنس والطير. وكان لافتاً كشفه أن «أمير داعش» في الساحل السوري أبو أيمن العراقي قال في جمع من قادة الفصائل الذين اجتمعوا لبحث قضية مقتل حمامي: «أنا لا أريد شرع الله»، وفي موقف آخر قال: «أنا لن آخذ حقي بشرع الله وإنما بشرع الغاب».
واستمر أبو عبد الملك «الشرعي» في هجومه غير العادي على تنظيم «داعش»، فاتهمه بنقض العهود، وإعطاء الأمان والنكث به والغدر وقصف مقارّ «المجاهدين» واقتحام البيوت. ورأى في التنظيم «صناع الصحوات التي تحارب الجهاد الشامي» على حد قوله، مشيراً إلى أن الحركة «لن تسمح بتكرار المشروع الجهادي في الشام بعد أن نُحر في العراق، ولن نكون كأنصار الإسلام أعانهم الله».
وقد يكون أقسى ما صدر عن «الشرعي» هو العبارة التي جاءت في ختام تغريداته، والتي وجهها إلى البغدادي شخصياً قائلاً: «أخيراً أنادي أبا بكر البغدادي بوضوح: اضبط جنودك، وراجع سياستهم، فنحن في سفينة واحدة إن غرقت غرقنا جميعا، وتباً لمن رفض التحاكم للشرع ثلاث مرارٍ (مرات)».
إذ بغض النظر أن مجرد التوجه إلى البغدادي بالكلام عبر «تويتر» سيعتبر إساءة لا تغتفر من قبل «داعش» وأنصاره، فإنه من المتوقع ان يكون لتحميله المسؤولية شخصياً عن سلوك عناصره ومطالبته بمراجعة سياسته تداعيات خطيرة على العلاقة بين الطرفين، وقد يصح أن يقال ان ما قبل مسكنة لن يكون كما بعدها.
وفي تأكيد أن تغريدات أبي عبد الملك تحظى بغطاء رسمي من قبل «الجبهة الإسلامية»، فقد لوحظ أن أبا العباس الشامي، «المفتي العام للجبهة الإسلامية» أعاد التغريد بها على حسابه في «تويتر»، في دلالة واضحة على أن تغريدات عبد الملك تمثل الموقف العام لكل فصائل «الجبهة الإسلامية»، ولكن لسبب أو لآخر لم تشأ الجبهة إصدار بيان رسمي بها، وكلفت أحد الشرعيين بنشره كتحذير أولي.
وما لم يقله عبد الملك، تولى القيادي في «أحرار الشام» أبو ابراهيم الحجي توضيحه من دون لبس، فقد قال في تغريدة له أقرب إلى التهديد إنه «إذا لم يسمع البغدادي نداء الشيخ أبي عبد الملك ويوقف جنوده فستتعرقل مسيرة الجهاد في سوريا، وسوف نضطر إلى سحب قواتنا من الجبهات من أجل الدفاع عن إخوتنا».
لم يصدر أي رد رسمي من «داعش» على كلام «شرعي الأحرار»، ولكن مساءً سُمعت أصوات اشتباكات وقصف مدفعي. وقال يونس ك، وهو ناشط من البلدة، إنهم عناصر البغدادي يستخدمون مدفع 57 لقصف مقارّ «أحرار الشام».
وقد دفعت خطورة الوضع بين «داعش» و«حاشا» عدداً من قيادات «صقور العز» و«جند الأقصى» و«جبهة النصرة»، إلى تشكيل وفد للتوسط بين الطرفين ومحاولة نزع فتيل الفتنة بينهما. وبحسب الشيخ عبدالله المحبسني، الذي يعتبر مقرباً من «داعش»، فإن ما يحقن الدماء هو وقف إطلاق النار فوراً، وإطلاق سراح المعتقلين من الطرفين، وتحديد قضاة ليحكموا في قضية مسكنة على نحو عاجل.
عبد الله سليمان علي
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد