جان عزيز: عن لغات معلولا

19-09-2013

جان عزيز: عن لغات معلولا

في معلولا، على محدودية الحدث من ضمن كارثة سوريا، لا بل كارثة كل المنطقة، كانت كل تلك الأمثلة حاضرة، لا بل فاقعة. فكان هناك خطاب «أكثروي» لم يكترث ولم يهتم ولم يسأل ولم يسمع. مذبح عمره 17 قرناً؟ ماذا يعني؟ لا شيء. لغة مؤسِّسة لحضارة كاملة؟ هامش تافه. اتهامٌ بصليبية لأناس وجدوا قبل الصليبيين بقرون؟ خطأ مطبعي ربما. علماً بأنّ هذا الخطاب هو نفسه الخطاب الذي قتل ناساً أبرياء وأحرق ممتلكاتهم، لأن شخصاً في اسكندنافيا لا يعرفونه، خطَّ رسماً سخيفاً، أو لأن مريضاً نفسياً في غرفة مغلقة ولَف شريطاً لم يشاهده أحد!
في المقابل الثقافتان الأقلويتان كانتا ماثلتين أيضاً في معلولا. ثقافة الذمية التي أصرت على أن شيئاً لم يحصل. والثقافة «البارانوئية» التي ضجّت بأنّ ما يشبه هيروشيما تكفيرية قد أصاب معلولا. بعض الذميين تمنى ربما لو أن كل معلولا لم تكن موجودة أصلاً، كي يرتاح من عقدة إحساسه بذنب العجز حيالها اليوم. وبعض «البارانوئيين» تمنى ربما لو أن التكفيريين محوا معلولا من الوجود اليوم، ليستثمروها أكثر في تأكيد صحة رهابهم وخوفهم.
المأساة في الثقافتين وفي كل لغاتها وخطاباتها أن لا وجود للإنسان. ولا أولوية لذاته وللآخر المختلف عنه، ولا شرط لحضور الاثنين معاً في تنوع وتعدد، هما أساس يناع الإنسان وإغنائه. مأساة محكومون بالعيش معها وفيها، ما دام في أساطيرنا ما هو أكبر من إنساننا وأقدس من حياته.

جان عزيز: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...