المعركة الكبرى المقبلة في سوريا
ليست معركة عسكرية؛ فهذا النوع من المعارك لم يعد حدثا نوعيا. المعارك تتالى منذ القصير باتجاه واحد واضح هو اتجاه الحسم لصالح الجيش العربي السوري، ولم يعد أحد يتحدث عن استحالة انتصار أي من الطرفين، ليبني نظرية التسوية السياسية مع القوى الإقليمية والدولية التي تدعم الجماعات المسلحة والإرهابية.
وليست معركة سياسية ــ دبلوماسية؛ فالروس أداروا، ويديرون من أجل سوريا، أحسن المعارك، شكلا ومضمونا. وها هم يردّون صاع «الكيماوي»، صاعين، ويردون الكيد الى نحره بحقائق الاستخدام الاجرامي للسلاح المحرم من قبل الإرهابيين وحماتهم اخوان انقرة.
كان الرئيس بشار الأسد واثقا منذ البداية، مطمئنا إلى وطنية السوريين وبسالة جيشهم وثبات حلفائهم الاقليميين والدوليين، وكانت مقاربته للحل، دائما، داخلية من شقين، أمني وسياسي. وها نحن نرى، وسنرى، انجازات الشق الأول؛ فماذا عن الشق الثاني؟
الحل السياسي الداخلي هو، في الأخير، تسوية مع القوى الاجتماعية والتيارات الفكرية السياسية السورية؛ فكل سوري ــ ما عدا قلّة الخونة والإرهابيين ــ ينبغي أن يكون له مكان في سوريا ما بعد الحرب، وكل الفئات الاجتماعية ــ ما عدا الكمبرادور والفاسدين ــ ينبغي أن يكون لها قرار ودور ومصلحة في عملية إعادة الإعمار الآتية.
أين هو الحل السياسي؟ لا نراه، ولا نرى نتائجه، بل لا نرى خطوطه البرنامجية وأجندته وتوقيتاته. ونحن لا نتحدث عن المصالحات ــ على أهميتها ــ ولا عن ترتيب أوضاع مقاتلين سابقين ــ وهذا مهم جدا ــ وإنما نتحدث عن حل سياسي ــ اجتماعي يتضمن التفاهمات الأساسية على محتوى التغيير الديموقراطي المطلوب في الجمهورية الجديدة، ويتشكل في سلسلة اجراءات، أبسطها اغلاق الملفات الأمنية للمعارضين الوطنيين والاعتراف بحضورهم ودورهم وتمكينهم من حرية التنظيم ومخاطبة الرأي العام والشراكة في المنابر الاعلامية، وفي القرارات السياسية. وهو ما يتطلب الشروع في بناء جبهة متحدة لا تستثني أيا من الوطنيين. أينها؟ وأين نحن من ملامح مستقبل لا نكاد نلمس منها الا أقل القليل، بينما ملامح الماضي لا تزال جاثمة.
وفي إعادة الاعمار، نواجه قدرا من الغموض يثير القلق العميق؛
فأولا، هناك ما يجب أن يكون قد بدأ، فورا، في خطة تعمير وطنية عاجلة واعادة النازحين واجتذاب المهجّرين؛ أينها؟
كنّا نظن أنه، بعد انتصار القصير النوعي، أنه سيجري الإعلان عن هيئة وطنية تتولى ورشة عمرانية تتماشى مع حملة الرجوع الى البلدات والقرى والمنازل، وتنظم تأمين سبل الحياة لملايين المعذبين. وما زلنا ننتظر.
وثانيا، هناك السؤال الكبير عن خطة الاعمار الشاملة؛ فهل تم وضعها،أم أن هذا الجهد متروك للمؤسسات الدولية؟ وهل حُسمت آليات تمويلها؟ واتجاهاتها؟ ومضمونها الاجتماعي؟ وهل ستتم اعادة الإعمار في سياق الخصخصة والاستدانة من المؤسسات المالية الرأسمالية، أم من خلال التمويل الذاتي والتعاقدات مع الدول الصديقة، ووفقا للأولويات التنموية؟ وهل سيتم التركيز على القطاع العقاري والسياحي أم على القطاعين الصناعي والزراعي؟ وهل سيطلّ الفاسدون ــ الذين كانوا سببا في الثغر التي انفتحت في جدار الصمود السوري ــ بشركاتهم ونفوذهم وفسادهم، في اعادة الاعمار أيضا؟ ألم يئن بعد الأوان لتصفية المجموعات الكمبرادورية وشبكات الفساد واخضاع الجميع للمساءلة القانونية؟
القيادة السورية كانت واضحة في اعلان موقفها الاستراتيجي إزاء جهوزية الردّ على العدوان الاسرائيلي ولجمه، وإزاء تأسيس جبهة المقاومة الشعبية في الجولان. ونحن نقف، بالطبع، في الخندق نفسه. ولكننا نريد أن نعرف الخندق الاجتماعي الذي يتموضع النظام السوري داخله.
ليس لدينا، للأسف، سوى الأسئلة حول التوجه الاجتماعي لمسار اعادة الاعمار والتنمية، وحول الموقف من رأس المال المالي والمصارف والنظام الضريبي والقدرة على تحشيد الادخارات الوطنية، وحول الموقف من دور الدولة الاقتصادي الاجتماعي، وسيطرتها على السوق الوطنية، والقطاع العام، والحماية الجمركية، والصناعة باعتبارها العمود الفقري للاقتصاد الوطني؟
أبناء الفلاحين والكادحين الفقراء في الجيش العربي السوري ــ وهم الذين صنعوا معجزة الصمود وسيصنعون معجزة النصر ــ أين سيكون مكانهم في سوريا ما بعد الحرب؟ هل سيعودون لمعسكراتهم قبل أن يحصلوا لأبنائهم على أولوية المكاسب التنموية؟
كل تلك الأسئلة لم تزل من دون أجوبة واضحة ورسمية وعلنية من جانب السلطات السورية. صحيح أننا نستمع من زوّار الرئيس الأسد الى تطمينات، لكننا نريدها سياسات مقرّرة ومعلنة في توجهات وخطة ومنذ الآن.
المعركة الكبرى المقبلة في سوريا، المعركة الاجتماعية، لعلها بدأت بالفعل..
ناهض حتر
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد