«خزنة عبرا»: ماذا كان يحضّر الأسير؟
المشهد الداخلي في أكثر لحظات الارتباك والاهتزاز على كل المستويات، فالجيش اللبناني مستنفَر لملء الفراغ الأمني، ومستنزف بالتوترات المتنقلة من مكان إلى آخر، ومستفَز بالاعتداءات التي تطاله، تارة في صيدا التي تلملم تداعيات إنهاء ظاهرة احمد الاسير، والتي تكشفت حولها أسرار خطيرة في الساعات الماضية، وتارة اخرى في طرابلس التي استباحها المسلحون لساعات بعد ظهر أمس.
وفي المقابل، صورة سياسية تعكس واقع الدولة المشلولة والمنقسمة على ذاتها، فالرؤساء الثلاثة محكومون بعلاقة ملتبسة في ما بينهم، وفي محاذاتهم رئيس مكلف ينتظر ان يجد منفذا لحكومة لا يملك مفتاح قفلها. وعلى ارض الواقع السياسي، حكومة تصريف اعمال لا حول لها ولا قوة، ومجلس النواب ليس افضل حالا منها، وأول غيث الولاية الممددة، صدام مصالح وإرادات وحسابات متناقضة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، عطلته الى اجل غير مسمى، وأقفلته امام التشريع، وفتحته على كل عناصر الاشتباك في الآتي من الايام.
ووسط هذا الإرباك، انهى مساعد وزير الخارجية الاميركية وليام بيرنز زيارته بيروت، بالتحريض على «حزب الله» واتهامه بأنه يعرض مستقبل لبنان للخطر.
أمنيا، يوما بعد يوم، يتكشف المزيد من الخفايا التي تحيط مربع احمد الاسير في عبرا، وقال مصدر متابع لملف التحقيقات حول هذا الموضوع ان «أخطر ما تكشّف ليس حجم السلاح والمال المكتشف، ولا اللوائح الاسمية لكبار التجار ورجال الأعمال والمتمولين، الذين دعموا أحمد الاسير بالمال والعقارات والشقق السكنية التي تناهز السبعين شقة، والذين سارعوا الى طلب الحمايات السياسية حتى لا يتم توقيفهم، انما الأخطر، بحسب المصدر المذكور، هو أمران:
الأول، هو ما كان يحضّر له الأسير من عمل إجرامي يؤدي إلى نقل التجربة العراقية إلى لبنان، لجهة استخدام التفجيرات الدموية في مناطق مختلفة وفي بيئات مذهبية مختلفة بهدف إشعال الفتنة، والأشد خطورة لجوؤه إلى تفخيخ صناديق التبرعات والصدقات تمهيدا لتوزيعها على المساجد والمؤسسات والمحال التجارية وغيرها، بهدف تفجيرها في الوقت والزمان المناسبين، ولولا العناية الالهية التي عجلت في ارتكابه لجريمته الموصوفة بحق الجيش اللبناني، لكانت قد سفكت دماء بريئة في اكثر من منطقة لبنانية.
الثاني: فوجئ المعنيون بأن شاحنة محملة بالأسلحة كانت عبرت، قبل يومين من المعركة، حاجز الأولي عند مدخل صيدا الجنوبي، وثمة معلومات ترجح أن يكون ذلك تمّ بمواكبة امنية من جهاز أمني رسمي معروف، وقد وجدت أمام مجمع الاسير في عبرا ولم يتم إفراغ حمولتها بعد. وإذا صحت المعلومات فإن ذلك يدلل على حجم الانقسام الذي وصلت اليه البلاد. فهل يعقل أن يعمد جهاز أمني يفترض انه في خدمة كل اللبنانيين، مع فريق في مواجهة فريق آخر؟ وهنا مكمن الخطورة الفعلية.
ولم يستبعد المصدر نفسه «ان يكون الاسير ومعاونه الفنان التائب فضل شاكر قد قتلا خلال المعركة إذ إنه تم العثور على جثتين محروقتين لم يتم التعرف الى هويتي صاحبيهما بعد، وقد تم استدعاء والدة الاسير وأحد أشقاء شاكر وتم أخذ عينات منهما لمطابقتها مع الحمض النووي للجثتين».
طرابلس: الجيش بمواجهة شريعة الغاب
اما على صعيد الامن الشمالي، فبدت طرابلس، امس، وكأنه فُرض عليها ان تسلك مجددا طريق جلجلتها .
واشار مراسل «السفير» في الشمال غسان ريفي الى أنّ المدينة شهدت توترا شديدا سرعان ما ترجم نفسه بمواجهات مسلحة مع الجيش اللبناني.
وقد تقطعت أوصال المدينة، ابتداء من عصر امس، بتحركات لمجموعات مسلحة فرضت نفسها على الشارع، احتجاجا على توقيف غالي حدارة، الذي ظهر في شريط فيديو بث مؤخرا مع فضل شاكر.
وقد أغلق المسلحون طرقات ساحة عبد الحميد كرامي وبولفار بشارة الخوري والبحصاص، وأطلقوا النار من الأسلحة الرشاشة بكثافة في الهواء، إلا أنهم رفعوا درجة احتجاجاتهم بإلقاء القنابل اليدوية وإطلاق القذائف الصاروخية.
وأثار ذلك حالة رعب كبرى في صفوف المواطنين الذين سارعوا الى العودة الى منازلهم.
وقد استنفرت وحدات الجيش من دون ان يحصل أي احتكاك مباشر بينها وبين المسلحين، باستثناء محاولة قطع الطريق عند مستديرة السلام، قرب موقع للجيش، حيث حصل تبادل لإطلاق النار بين الطرفين أسفر عن إصابة أحد المسلحين بجروح.
وليلا تفاقمت استفزازات المسلحين للجيش، وتجلى ذلك بإلقاء عدد كبير من القنابل اليدوية في شوارع المدينة، وصولا الى استهداف مركز الجيش في محلة الجميزات بالقنابل والرصاص. حينها استقدم الجيش تعزيزات اضافية، وقام بملاحقة المسلحين، مستخدما في بادئ الأمر القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم، لكنهم جابهوه بالرصاص، ما أدى إلى اشتباكات عنيفة بين الجيش والمسلحين الذين انكفأوا إلى الأحياء الداخلية التي شهدت بدورها اشتباكات نتيجة استمرار الجيش بالملاحقات. واستمر إطلاق النار وعمليات الكرّ والفر حتى ساعة متقدمة ليلا، وقد استقدم الجيش مزيدا من التعزيزات وفرض سيطرته على ساحة عبد الحميد كرامي، وانتشر على أسطح المباني المطلة عليها.
وأدت الاشتباكات الى مقتل سليم الأشقر الذي توفي اختناقاً من دخان الحريق الذي شب في أحد المحال في كرم القلة، كما أصيب كل من عبد الرحمن يوشع، أسامه عباس، علي حمزه، عبد الله عمار وعبدالله القادري، والعريف في الجيش حسن صبرا.
مجلس النواب اللبناني: سجال... ولا نصاب
سياسيا، لم يخرج انفراط الجلسة التشريعية امس عما كان متوقعا، إذ حضر الرئيس نبيه بري ونواب فريق « 8 آذار» ومعهم نواب «جبهة النضال الوطني»، وفي المقابل اجتمع فريق «14 آذار» ومعهم «التيار الوطني الحر»، وفق اعتبارات مختلفة، على هدف واحد، فقاطعوا وأطاحوا الجلسة، التي لا يبدو ان الرئيس بري قد سلم بفرض الأمر الواقع التعطيلي في شأنها، فرحّل الجلسة أسبوعين، ولثلاثة أيام بدءأ من 16 الى 18 الجاري، وبجدول الأعمال نفسه موضوع الخلاف والمؤلف من 45 بندا.
وعلى حافة الجلسة التشريعية المعطلة، تحوّل المجلس النيابي إلى حلبة سجالية، فكرر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي التأكيد على التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ورفضه توقيع مرسوم فتح الدورة الاستثنائية للمجلس. وقال انه لن يدخل في سجال أبدا مع الرئيس نبيه بري، «بل على العكس أنا أراهن على حكمته وقدرته على إيجاد المخرج الملائم لهذه المسألة».
وفيما اكدت اوساط النائب وليد جنبلاط عدم اقتناعها بأسباب تعطيل الجلسة، رافضة الدخول في تفاصيلها وخلفياتها، كان لافتا للانتباه الهجوم العنيف الذي شنه نواب «تيار المستقبل» على الرئيس بري، وكذلك الرد القاسي لرئيس المجلس عبر الوزير علي حسن خليل ، الذي اكد «ان المجلس لن يكون يوما مجلسا تتحكم به الفتاوى غب الطلب».
واذ لفت خليل الى ان هناك من يحاول، خلافا للقواعد الدستورية، اسقاط دور المجلس وحقه المطلق بالتشريع، قال: لا نعتقد ان هناك مصلحة لأحد في هذا الامر، لانه سيفتح نقاشا ميثاقيا من نوع آخر، فإذا كان المطلوب اليوم ان نغيّر قواعد ميثاقنا الوطني، فلتتحدث الناس بصراحة ومن دون مواربة، أو إعطاء تفاصيل وأمور وخلفيات بسيطة عما يحدث حاليا.
إضافة تعليق جديد