مصـر: عصـيـان بـورسـعـيـد يتـمـدّد
العصيان المدني الذي بدأ في بورسعيد منذ أربعة أيام يتطور كل ساعة، وأهالي المدينة التي تعرف باسم «الباسلة»، باعتبارها واجهة مقاومة أساسية ضد أي عدوان عسكري على مصر، يصعدون في عصيانهم، ويبتكرون في وسائل احتجاجهم السلمي.
بالأمس خطا أهل بورسعيد خطوة مهمة إلى الأمام، بأن وضعوا عشرات المناطيد على طول خط قناة السويس الممتد في مدينتهم، وكتبوا عليها عبارة «SOS»، وكأنهم يبعثون برسالة استغاثة إلى كل السفن المارة في القناة، ومنها إلى العالم بأسره، مفادها: «أنقذوا بورسعيد من ظلم نظام الإخوان».
الأمر لم يقف عند حدود ذلك، فأهالي بور فؤاد قطعوا طريق «شرق التفريعة» المؤدي إلى الميناء، بعدما دخل أكثر من 13 ألف عامل في العصيان.
وأصيب الميناء بالشلل التام بعد توقف حركة الشحن والتفريغ تماماً، ولم تفلح الاستعانة برجال القوات المسلحة في إعادة العمل في الميناء.
وتزايدت خيام المعتصمين في المنطقة المواجهة لمقر المحافظة، كما أعلن العاملون في هيئة التحركات والإرشاد في قناة السويس، تضامنهم الكامل مع مطالب أهالي بورسعيد، ملوحين بالمشاركة في العصيان كخطوة أخيرة، كون توقفهم
عن العمل يعني توقف المجرى الملاحي لقناة السويس بالكامل.
وفي الوقت ذاته بدا أن عدوى العصيان قد انتقلت من بورسعيد إلى محافظات ومدن أخرى، أولاها محافظة الإسماعيلية المجاورة، إذ بدأ الناشطون المعارضون أمس تنظيم لقاءات صباحية مع الموظفين في مقر ديوان المحافظة، لكي يوضحوا لهم أهمية العصيان المدني، ويضربون المثل بما يحدث في بورسعيد، خاصة أن الهم الذي يجمع مدن القناة الثلاث (بورسعيد - السويس - الإسماعيلية) يبدو واحداً.
وتحركت أمس مسيرة في الإسماعيلية وزع فيها المشاركون أوراقا تدعو للدخول في العصيان، وتم الإعلان عن تنظيم مسيرات ليلية تحت اسم (دوشة) لدعوة أهالي الإسماعيلية للعصيان المدني وتعليق شارات سوداء في شرفات المنازل، في الوقت الذي أعلنت فيه روابط «ألتراس» المصري البورسعيدي والإسماعيلي عن تنسيق لنقل وتبادل خبرات العصيان المدني، برغم ما يجمع الطرفين من خصومة رياضية في المعتاد.
المحتجون في بورسعيد رفعوا مطالب على رأسها: القصاص لشهداء المدينة ممن أعطى أوامر القتل من النظام ووزارة الداخلية، ومعاملة شهداء بورسعيد كشهداء الثورة ماديا ومعنوياً، وعدم تسييس قضية مذبحة بورسعيد ومراجعة أحكام الإعدام من جهة قضائية محايدة، وسرعة إصدار قانون عودة المنطقة الحرة.
في هذا الوقت، أعلنت «حركة 6 أبريل» في المنوفية في الدلتا أنها ستبدأ العصيان المدني اليوم، عن طريق تنظيم سلاسل بشرية تقوم بمحاصرة مبنى ديوان عام المحافظة.
«العصيان المدني هو أي انتهاك سلمي للقانون، الذي يقوم به يعرف هذا، ويكون مستعداً لدفع ثمن انتهاكه للقواعد». هكذا بدأت أستاذة العلوم السياسية في الجامعة الأميركية، منار الشوربجي إجابتها على سؤال لـ«السفير»، عن مفهوم العصيان المدني.
وتابعت الشوربجي قائلة: «مارتن لوثر كينغ كان من أهم الذين طبقوا فكرة العصيان المدني كأداة نضال من أجل الحقوق المدنية في الولايات المتحدة. انتهاك القانون يتم لأنه ظالم، والانتهاك يكون بشكل سلمي تماماً ومن دون أي عنف. من يقومون بهذا الفعل يكونون مقتنعين بأنهم ينتهكون قانونا ظالما وبالتالي فانهم مستعدون لدفع الثمن».
وبحسب الشوربجي فإنه «لا يوجد شكل واحد للعصيان المدني، وبالتالي نستطيع أن نطلق على ما يحدث في بورسعيد عصياناً مدنياً، لأن هذا المفهوم مفهوم واسع لا يوجد له شكل واحد ولكن جوهره هو أن تقول الجماهير «لا» بطريقة سلمية.
ورأت الشوربجي أن «ما يحدث في بورسعيد الآن سببه حالة الغضب الشديدة، بسبب ما يراه أهالي المدينة ظلماً وقع عليهم في قضية مذبحة إستاد بورسعيد، وما عقب ذلك من عنف نتج عنه سقوط شهداء».
وأضافت «لا توجد حالة شبيهة في مدن أخرى، وبالتالي لا أعتقد أن الدعوات التي بدأ النشطاء في إطلاقها الآن لنشر العصيان في مدن أخرى ستلقى نجاحاً».
أما الناشط السياسي وعضو الأمانة العامة في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، خالد عبد الحميد، فلمس في حديثه إلى «السفير» الفرق بين الوضع في بورسعيد وغيرها من المدن المصرية، مؤكداً في الوقت ذاته أن العصيان المدني لا يأتي بقرار خارجي من أحد، ولكنه مبني بالأساس على رغبة الجماهير نفسها واستعدادها للعصيان، وهو ما يستدعي وجود قوى اجتماعية منظمة تقوم بدور رئيسي في تطويره ودفعه للأمام.
وتطرح التطورات التي تشهدها بورسعيد العديد من التساؤلات، بشأن طبيعة القوى المشاركة فيه، وتحديداً الطبقة العاملة المصرية، التي غالباً ما كانت في قلب كل دعوات العصيان المدني، ورهاناً للقوى الثورية في إحداث التغيير على غرار ما حدث خلال الأيام الأخيرة التي سبقت تنحي الرئيس حسني مبارك عن الحكم.
وفي هذا الإطار، يلاحظ أن المشاركة القوية للطبقة العاملة المصرية ما زالت صعبة، بحسب ما توضح العضو المؤسس في الاتحاد المصري للنقابات المستقلة فاطمة رمضان.
وتقول رمضان لـ«السفير» إن «الفرق بين دولة مثل تونس مثلاً ومصر، هو عدم وجود تنظيم قوي مرتبط بالجماهير ينسق بين العمال في المناطق المختلفة لكي يستجـيبوا لــدعواته بالإضراب والعصيان المدني».
وتضيف «للأسف التنظيمات العمالية المستقلة في مصر تنظيمات وليدة ليست قادرة على لعب هذا الدور التنسيقي والتعبوي للعمال، وبالتالي لا يمكن التأكد من احتمالات انتشار عدوى العصيان لمدن أخرى».
وبرغم كل ذلك، لا تزال بورسعيد مشتعلة. حاول مرسي احتواء الموقف فأصدرت رئاسة الجمهورية قراراً بإحالة قانون إلى مجلس الشورى لتفعيل المنطقة الحرة في المدينة، إلا أن هذا لم يغير من الأمر شيئا.
«ما حدث في بورسعيد أعطى للنشطاء والقوى السياسية درساً عملياً يؤكد أن العصيان المدني لا يأتي بقرار فوقي، ولكن لابد من قوى اجتماعية منغمسة ومرتبطة بالناس لتقيس استعدادهم للاحتجاج»، يؤكد عبد الحميد، ولكن ذلك لا يعني أن القوى السياسية لا دور لها الآن، فهو يرى أن عليها الاشتباك مع ما يحدث ومحاولة دفعه للأمام وربطه بمطالب سياسية واضحة.
«ثورة 25 يناير كانت شكلاً من أشكال العصيان المدني حقق نجاحاً»، تؤكد الشوربجي، لكنها ترى أنه لا يمكن الحكم على المستقبل وفرص نجاح عصيان بورسعيد وانتشاره في مدن أخرى، «فهذا أمر لن يكشفه سوى المستقبل».
دينا جميل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد