من يسلم حق أدونيس و رأسه يجازف بتسليم رأسه أيضاً
«مطلوب للعدالة.. بتهمة التشبيح الطائفي والإعلامي والتهجّم على الدين الإسلامي.. الشبيح المجرم علي أحمد سعيد إسبر.. (أدونيس)».
هذه ليست مزحة. إنه أفيش أو منشور تم توزيعه على صفحات الفايس بوك. منتصفه، طبعت صورة الشاعر الكبير أدونيس. والدماء تسيل على اسمه المطبوع أسفل الصفحة وإلى جانبه كتبت العبارة التالية: لوائح القتلة.
ومطلوب للعدالة ليست عبارة بريئة على الإطلاق. شكل المنشور ونوع ولون الورقة يحيل الذهن إلى ورق البردي الذي استخدم في مصر نهاية الألفية الرابعة قبل الميلاد!
إنها فتوى للقتل. دعوة مبطنة للانتقام. فعل خطير له دلالات موجعة. لا نعرف بالضبط من بدأ بتوزيعه. لكن ابنته السيدة أرواد إسبر نشرته على صفحتها قبل أيام. المنشور الذي يتهم أدونيس بالتحريض الطائفي، لا يخلو هو الآخر من تلك النزعة التحريضية. وأي عدالة تلك التي تستدعي المثقف أو المبدع أو حتى المواطن العادي إلى التحقيق، بتهمة الرأي والموقف والاعتقاد؟ وهل تبني أدونيس لرأي مخالف، يجعله مجرماً؟
الورقة أو المنشور مرفق بنص يوضّح الأمر. «هو علي أحمد سعيد إسبر «علوي»... ولد سنة 1930 في قرية نصابين التابعة لجبلة في سوريا». هكذا يبدأ البيان ثم يكمل: «ثار على اسمه واسم أبيه لأنه في نظره من التراث العربي الإسلامي المناقض للحداثة واعتبر أن اللغة العربية في طريقها للفناء.. فتسمّى بأدونيس نسبة لأحد أصنام الفينيقيين». يحاسب أدونيس هنا على اسمه! بعد كل تلك السنوات، تذكروا أن اسمه أدونيس!
ثم يقتبس البيان بعضاً من أشعار أدونيس التي تدلّ حسب اعتقادهم على «ازدرائه» للدين ولله. «لقد كشف الرجل عن حقده على الدين صراحة (يدّعي أنه علماني ولكنه يهاجم فقط الدين الإسلامي).. فقد حظي الدين المسيحي باحترامه.. بينما لم يتعرض لليهودية بأي نقد! فلماذا الإسلام فقط يا ترى؟.... أدونيس: هل أنت مجنون أم مجرد عميل صغير؟ يا للعار كنت من الشعب وأنت الآن من خونة الشعب!».
ملحد وخائن وعميل ومجنون ومجرم. نعم هكذا قالوا عن أدونيس. الشاعر والمفكر الذي مهما بلغ بنا الاختلاف مع آرائه، لا يمكننا إلا الاعتراف بدوره كمعلّم ومثقف وشاعر وإنسان. هذه بعض الشهادات التي تدين ما ورد على صفحات الفايس بوك من تشهير يؤسس لثقافة العنف والتكفير والتخوين على حساب الحوار واحترام حرية الفكر والاعتقاد.
حازم صاغية: إدانة إقحام الفتاوى
لا يستدعي الأمر تهديد أدونيس من أجل إدانة كل شكل من أشكال إقحام الفتاوى وإقحام العنف في الخلافات السياسية. فهذا مما يـُشجب ويـُدان بأقوى الألفاظ أكان موجهاً ضد مبدع أو ضد أي مواطن.
أحمد بيضون: مطالبة قيادات حركة التغيير السورية بإبداء رفضها
قرأت البيان السافل الذي جرى فيه تناول أدونيس، أصلاً وفصلاً، شعراً وفكراً، وتكلل بتهديد واضح لحياة الرجل: تهديد لا تموّهه «عدالة» معلومة الأوصاف في هذا النوع من الأوساط أو الحلقات أو العصابات. وشاهدت الملصق المصاحب للبيان أيضاً. هذان البيان والملحق، ولا ريب، وجه من وجوه هجوم كثير المجالي الأخرى وواضح المعالم يُشنّ من الداخل على حركة التغيير السورية. هذه الأضراب من أنذال الناس ينبغي أن يُحْمل على محمل الجدّ تصميمها على الأذى واحتمال قدرتها عليه. ولكن لا يتوجّب تصديقها حين تحاول الإيحاء أن الحميّة الدينية أو الوطنية كانت حافزها إذ استثارتها مواقف جديدة أو قديمة اتّخذها أدونيس أو كلام قديم أو جديد كتبه. هؤلاء بشر خططوا بهدوء كليّ لفِعْلة البيان هذه وليس بشرطٍ أن يكونوا مؤمنين بربّ أو بكتاب أو بغاية أصلاً... باستثناء أن ما يفعلونه ههنا يصلح، مع أفعال أخرى من صنفه، سنداً لوضع يدهم على حركة الشعب السوري الجارية أو لتحسين موقعهم فيها.
وأما الحميّة والعصبية فهما احتمال قائم في كل عقيدة: دينية أو علمانية، طائفية أو طبقية، إلخ.، وقائمٌ معهما، ولو اختلفت الأبواب والصيغ، احتمال الجنوح إلى العنف المجرم. لذا قيل إن الديموقراطية، بصيغتها العامّة أو المجرّدة، ليست «عقيدة» بالمعنى الذي يصحّ فيه هذا الوصف على الإسلام أو على الماركسية مثلاً... ولكن الحميّة والعصبية، حين يؤول الأمر إلى الجريمة المخططة سلفاً والمعلنة مسبقاً، لا تعدوان أن تكونا طعماً يلقى للغوغاء فتستسيغ الجريمة ولا تكونان هما الباعث على الفعل ولا سببه.
يقع إبداء التضامن مع أدونيس في ما دون الواجب وينتمي إلى تحصيل الحاصل. وهو، في كل حال، تأييد لقيم متصدّرة بين ما هو حيوي للشعب السوري بأسره ولحركة التغيير الجارية فيه ولكلّ مثقّف ولكلّ إنسان. لا لأن أدونيس هو أدونيس: فإن الرجل يكفيه أن يكون ندّاً في حقوقه الأصيلة لأيّ إنسان ولا نراه يبتغي مزيداً ولا هو يحتاج إلى مزيد. وإنما الاستثنائي هو اتساع الرقعة وصفة الاشتمال وتماسك المنظومة المعلنة التي تتأتى كلها للتهديد وللأذى حين يكونان تهديداً لأدونيس وإيذاءً لا يجوز استبعاده له.
فتحملنا صفة الحدّ الأدنى اللاحقة حكماً بما نبديه من التضامن على تجاوزه إلى المطالبة: مطالبة القيادات المسؤولة في حركة التغيير السورية بإبداء رفضها الجازم لهذين البيان والملصق القذرين وإنكارها لانتساب واضعيهما إلى مُثُل الحركة وتصميمها على ملاحقتهم وكشفهم. فإذا كان إعلان النية الجرمية، ناهيك بالإقدام على تنفيذها، ينتمي إلى عُدّةٍ يراها أصحابها مناسِبةً لوضع اليد على سوريا الجديدة، فإن السكوت عن الإعلان، إن لم يعنِ الموافقة على الفعل الجرمي، فهو يعني الاستسلام المسبق لخطة المجرمين السياسية. إلى الآن سكتت القيادات المشار إليها عن كثير ممّا يعدّ السكوت عنه جنوحاً بسوية الحركة وطعناً في قياداتها. فليس لهذه القيادات أن تظلّ تردف الجنوح إلى الجنوح وتشفع الطعن بالطعن، وهي تحسب نفسها وتحسب الحركة كلها بمنجاة من تبعات هذا السلوك. فإن من يسلّم حقّ أدونيس أو رأسه يسلّم معه ما يتنزّه به، هو نفسه، عن الجريمة ويباشر تسليم رأسه، هو نفسه، أيضاً.
ممدوح عزام: ذئاب من أقبية التاريخ
بينما يقف الشباب الثائرون في شوارع المدن السورية، وعلى أرصفتها، وهم يرفعون لافتات كتب عليها: أوقفوا القتل! في تحد سلمي وأخلاقي وإنساني لسلوك أجهزة الأمن. تخرج إلينا من أقبية التاريخ ذئاب أطاشت دماؤنا صوابها، لتتماهى مع القتلة وتدعو لاغتيال أدونيس. أدونيس منا وفينا، أدونيس أنا وأنت، فكيف إذا كنا نتحدث عن الشاعرأيضاً، عن القامة التي أثرت حياتنا منذ أكثر من خمسين عاماً بالشعر والأفكار؟ أوقفوا القتل! هتف بها شباب سوريا الثائرون. ولا للقتل نقولها للذين فقدوا صوابهم من أدعياء الثورة.
فرج بيرقدار: يهدر دمي معه
(منقول عن صفحته على الفايس بوك)
أدونيس أحد أهم الكتّاب السوريين سورياً وعربياً وعالمياً
من شاء أن يهدر دمه فليهدر دمي معه
لا أنكر أن لي الكثير من الملاحظات أو الانتقادات على مواقف أدونيس
ولكنها اجتهادات وخلافات تحدث بين كل كتّاب ومثقّفي العالم.
لم أكن أعتقد يوماً أنني سأكون في صف المدافعين عن أدونيس.
أما الآن فأجد نفسي معنياً بالدفاع عنه وعن آرائه ما دام لا يحمل بندقية يقتل بها شعبنا.
ردّوا على الكلمة بكلمة وليس برصاصة.. فإن لم تكن الثورة كذلك فما حاجتي إليها؟!
منصورة عز الدين: عمل ظلامي
الدعوة لقتل أدونيس، في حال صحتها، مؤشر منذر بتحولات خطيرة. أختلف مع موقف أدونيس من الثورة السورية، لكن الدعوة لقتله (أو لقتل أي شخص آخر بسبب آرائه) عمل ظلامي مثير للغثيان.
أرفض فكرة القوائم السوداء، فما بالكم بقوائم القتل؟ لعبة الانتقام مدمرة لطرفيها، لأنها تنذر بتحول من يصارع الوحوش إلى أن يصير وحشاً بدوره. المعركة الأساسية يجب أن تكون مع الأنظمة التي تقتل وتُعذب وتعتقل وتحرق الأخضر واليابس. هذه المعركة تتطلب أن يكون المغزى الأخلاقي للثورات نصب أعيننا دائماً.
الثورات العربية بدأت طلباً للحرية والعدالة واعتراضاً على التعذيب والظلم، وهذا ما يجب أن نتذكره جميعاً ونسعى من أجله احتراماً لدماء من دفعوا حياتهم ثمناً لحريتنا. لم تقم الثورات من أجل استبدال ديكتاتوريات بديكتاتوريات أخرى، بل من أجل إرساء دولة القانون.
المخيف في ما كُتِب في حيثيات المطالبة بقتل أدونيس هو بروز النفس الطائفي، والحس التكفيري الذي يفتش في إبداع الكاتب بحثاً عمّا يدينه.
لا أعرف هل هذه الدعوة جدية أم لا، كما لا أعرف موقع الجماعة التي تبنتها من المشهد العام للثورة السورية، لكن ما أعرفه أنها لن تصب إلاّ في صالح النظام السوري. وما أعرفه أيضاً، أنها ليست بعيدة تماماً عن طريقة تفكير بعض التيارات الموجودة في مجتمعاتنا، وسبق لكتّاب ومفكرين مصريين أن اكتووا بنيران شبيهة، وإن اختلفت الظروف، كما رأينا في محاولة اغتيال نجيب محفوظ، وتكفير نصر حامد أبو زيد.
بشرى اسطفان
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد