الإصلاح في سوريا وتعقيداته
في الوقت الذي يجري النقاش في كواليس حزب البعث العربي الاشتراكي حول سبل الانتقال من موقع الحزب الحاكم الواحد إلى موقع الحزب المنافس على السلطة، تقوم السلطات بالاستعداد لمؤتمر حوار وطني يستند إلى جلسات الحوار الوطني التي شهدتها المحافظات السورية في أيلول الماضي، كما تستعد للإعلان عن لجنة دستورية لإعادة النظر في دستور البلاد. إلا أن هذه الخطوات تشوبها تعقيدات كثيرة تعرقل حركة الإصلاح السياسي في سوريا، وتجعلها مسيرة بطيئة ومتأخرة، بنظر كثيرين.
فخلال الأشهر الماضية خاضت كوادر حزب البعث نقاشا حادا حول مكانة الحزب في سوريا، ودوره في الأحداث التي تشهدها كما دوره المفترض في منعها. وشهدت جلسات الحوار الوطني التي انعقدت نهاية الصيف، وعلى مدار شهر تقريبا في سوريا، انتقادا لدور الحزب وتراجع حضوره السياسي والاجتماعي على حساب حضوره الحكومي المرتبط بمؤسسات الدولة بحكم الدستور الذي يعطيه هذه المكانة منذ بداية سبعينيات القرن الماضي.
وقد عكف الحزب مؤخرا على إجراء مراجعة، تتوج الآن بكتابة نص دستور جديد للحزب، ينص على تغيير في البنية والمنطلقات سيعرض على المؤتمر القطري المقبل والمرجح الشهر المقبل، والذي سينتهي إلى تغيير في القيادات الحزبية، كما سيضع نظاما داخليا جديدا للحزب. وقد يأتي المؤتمر متزامنا مع قرب انتهاء وضع تصور لدستور جديد، تقول مصادر واسعة الاطلاع إنه سيتضمن إنهاء العمل بالمادة الثامنة من ضمن تعديلات أخرى.
ويرى كثر أن المؤتمر أساسا قد تأخر، وكان يفترض أن ينعقد منذ أشهر، إلا أن جسم الحزب الثقيل لا يتحرك بالسرعة ذاتها. فانعقاد المؤتمر في موعد قريب سيعني إهمال ما جرى من انتخابات سابقة في ربيع هذا العام، إضافة إلى عدم استكمالها، وهو ما يقول البعض إنه سيمنح القيادات القديمة مرة أخرى فرصة الحكم على الأمور من منظورها، في الوقت الذي يفضل وجود قيادات جديدة في المؤتمر المقبل تقدر تماما حجم التحدي الحالي. إلا أن هذه المسألة ستعني حتما تأخرا في تحرك الحزب نحو مؤتمره، وبالتالي ستوثر على مسار أمور أخرى، لارتباط الحياة العامة في سوريا في نواح لا حصر لها بالحزب.
والجدل ذاته ينطبق على الدستور، الذي تأخر الإعلان عن تشكيل لجنته الدستورية، والمتوقع قريبا جدا، لتضم بين عناصرها شخصيات متنوعة الخلفيات والانتماء، بينها سياسيون ودبلوماسيون سابقون وقانونيون مستقلون.
ووفقا لمصادرنا فإن اللجنة ستدرس إعداد مسودة دستور جديد قد تعرض على مجلس الشعب، ومن ثم تطرح لاستفتاء عام. وهذا المسار ليس دونه عقبات، من بينها أن أي تأخير سيسمح للانتخابات المحلية التي ستجرى في كانون الأول المقبل، أن تجري بأضعف تمثيل حزبي ممكن. ذلك أن أغلبية الأحزاب التي تقدمت بطلبات ترخيص تحتاج لما يقارب الشهرين لاستكمال أوراقها والحصول على موافقة وزارة الداخلية، ما يعني أن أغلبها لن يستطيع خوض الانتخابات فعليا، ما يعيد قوائم البعثيين والمستقلين لواجهة مجالس الإدارة المحلية المقبلة.
كما أن التأخير في إقرار التعديلات الدستورية سيبقي على قانون الأحزاب، المستند للدستور الحالي، متحكما في رخص الأحزاب الجديدة، التي عليها أن تلتزم بدستور لا يسمح عمليا بالمنافسة، ناهيك عن مبادئ أخرى مثلا تتناقض مع المبادئ الدستورية الحالية، وبينها مفاهيم اقتصادية كالتناقض بين الاقتصاد الاشتراكي الموجه واقتصاد السوق الحر.
وفي هذا السياق، تواجه أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية تحديات مماثلة، فهي تعيش في حضن حزب البعث وبرعايته. وسيعني التوجه الجديد تجريدها (خلال ستة أشهر من إعلان قانون الأحزاب) من قدرتها على العمل السياسي إن لم تحقق شروط الأحزاب الأخرى، ما سيعني تغيرا في بنية الجبهة إن لم نقل تفككا. وتحاول قيادات هذه الأحزاب حتى اللحظة الحصول على تنازلات من السلطة تسمح لها بالعمل وفق إجراءات استثنائية، وأمامها لذلك أقل من أربعة أشهر.
أما بخصوص الحوار الوطني، فتستعد السلطة قريبا للدعوة إلى مؤتمر حوار وطني موسع بعد استكمال جلسات الحوار الوطني التي انعقدت في المحافظات السورية، واستمرت قرابة شهر، وتميز بعضها بارتفاع سقف النقد السياسي والأمني خلال جلساته.
ووفقا لمعلومات فإنه ستتم دعوة ما بين 50 إلى 70 شخصية من كل محافظة، ممن شاركوا في جلسات الحوار، لعقد مؤتمر حوار وطني موسع في دمشق تترأسه القيادة السورية، ويضع أسس التحول الديموقراطي في البلاد وآفاقها المستقبلية.
وترغب السلطة بمشاركة المعارضة المعروفة في المؤتمر، ولا سيما المتمثلة بتيارات يسارية وكردية (تجمعها هيئة التنسيق الوطنية)، وستسعى لدعوتها وإقناعها بالمشاركة، إلا أن دون ذلك معوقات أيضا، أبرزها فجوة الثقة التي بين الطرفين، إضافة لإحساس كل منهما بأن الوقت لمصلحته.
إلا أن الواقع هو أن الوقت ليس في مصلحة أحد في الداخل. ذلك أن تأخر الإصلاح سيعقد موقف السلطة أمام الرأي العام في الداخل وحلفاء دمشق في الخارج، وسيجعل كلفة تحقيق نجاح على هذا الصعيد مستقبلا أكبر. أما في ما يخص المعارضة، التي تعتقد أن تنامي الضغط الدولي على دمشق سيقوي فرصــها للتحاور أو لتحقيق مكاسب تفاوضية، فإن عزوفها عن المشاركة في صنع القرار الداخلي، ولا سيما الدستوري، وإصرارها على تجاهل الواقع الأمني المتردي في البلاد، سيزيد من كلفة الدم في الشارع، القائم على استعصاء الحل الداخلي، وسيبقي الأزمة مشرعة على احتمالات عدة خطرة لم تضح بعد.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد