صفوان داحول: بلادنا غابت عنها الألوان التي لا أعرف ما الذي يجعل العرب لا يحبونها

18-03-2011

صفوان داحول: بلادنا غابت عنها الألوان التي لا أعرف ما الذي يجعل العرب لا يحبونها

أقام الفنان التشكيلي السوري صفوان داحول معرضاً ليس من المعتاد أن نراه في غاليري للفن التشكيلي، فقد حمل معرضه الأخير اسم «مرسم صفوان داحول»، حيث نقل الفنان مرسمه كله، إلى الغاليري. بدأ الفنان من الصفر، من البياض، يرسم أمام جمهور الزائرين. الذين كانوا بدورهم يعودون إليه مرات ومرات ليروا ماذ حلّ بتلك اللوحات. ليس ذلك وحسب، فالتجربة كانت أون لاين، كان بإمكان المتابع أن يفتح موقعاً الكترونياً ليتابع لحظة بلحظة ما يفعل الفنان. تجربة تذكر ربما بمنجزات برامج تلفزيون الواقع، ياستثمار ثقافي إيجابي هذه المرة. الفنان السوري صفوان داحول (مواليد ١٩٦١)
تجربة هي الأولى في صالة عرض، ولو أنها ليست الأولى على مستوى حضور الرسامين أمام الناس، الأمر الذي نشهده في ملتقيات فنية هنا وهناك. تجربة أهم ما فيها أنها تكسر تلك الطقوس السرية والمحرمة المضروبة حول مراسم الفنانين، وأدواتهم ومواد عملهم.
تحدثنا هنا مع داحول بدءاً من هذه التجربة، وحول هموم لوحته وانشغالاتها، وكيف أثرت به مجمل حوادث مأساوية، وكيف صنعت لوحاته.
÷ كيف جاءت فكرة هذا المعرض؟
} حصل ذلك بالصدفة، كنت أتحدّث عن عمل كبير الحجم أود رسمه، بينما مساحة المرسم عندي غير مناسبة وقد تعيق، فكانت الغاليري حلاً. ولكن تطوّرت الفكرة من مجرد رسم لوحة بالصالة، إلى «مرسم صفوان داحول» معرضاً في الغاليري، أصبح المعرض أنا واللوحة. حين أقول بالصدفة فهذا ليس تقليلاً من الفكرة، فالصدف تحدث عند الجميع، ولكن المهم هو كيف تطوّرها. تطورت الصدفة إلى حدث غريب وجديد، وأعطاني دفعاً لأكتشف شيئاً بنفسي؛ فالرسام الذي يرسم طوال الوقت بعزلة كاملة، يرسم الآن أمام الجميع على اختلافهم، واختلاف أذواقهم. لكن أيام المعرض، المرسم الأخيرة كانت صعبة، فطاقة التحمّل أمام الجمهور لديّ نفدت مع الوصول إلى النهاية. ولكن مرت الأمور على خير. وفي النهاية كنت ممنوناً لهذه الصدفة ومرتاحاً للنتائج.
÷ هل جاءت النتائج مختلفة عن المعتاد؟ هل استطعت أن تثبت شيئاً بخصوص طقوس الرسم وسرية الرسم؟
} من الصعب أن يختلف شيء خلال شهر واحد. اختلفت الطريقة. كل مرة يكتشف المرء أشياء يعتقد أنه يخاف منها. ما كنت أخشاه أن يتحول الأمر إلى استعراض ومسرحة. لكن ذلك لم يحدث، وبقيت مسيطراً، وممتلكاً القدرة على فصل حواس.
نستطيع أن نأخذ أشياء كثيرة من هذه التجربة. لقد أثبت لنفسي أنني قادر على العمل بهذا الجو (من ضمن الأشياء الجديدة أن كان هناك من يساعدني (دهان) في أشياء تقنية مهنية في اللوحة). كذلك أنت كفنان عرّفت كثيراً من الناس حولك كيف تبدأ اللوحة وكيف تنتهي، كيف تبنى، وكيف تتطوّر. ورغم الضغط الهائل الذي يشكله حضور الناس أنت قادر على أن لا تلغي عواطفك تجاه الآخرين. لم أنتظر الوحي، كما اعتاد الرسام أن يفعل، كانت اليد والعواطف موجودة رغم كل هذه الظروف. أما إلغاء هذه السرية في إنجاز فهو لا يؤثر على العمل الفني، فلا أسرار في اللوحة كما هو معتقد، السر في القلب، وليس بالمواد والأشياء التي تتحضر بها اللوحة.
÷ هل كان لديك بالأساس طقوس رسم معتادة؟
} لم أعش بعمري طقساً معيناً. أجلس في مرسمي أشرب النسكافيه حوالى الساعتين قبل أن أبدأ، أرى ما رسمت أمس، ثم أبدأ بالعمل الذي يستمر حوالى سبع ساعات يومياً. هذا الطقس يشبه طقس أي أحد ذاهب إلى عمله. لا طقس سوى هذه العزلة في المكان، والعزلة هنا لا تعني الاعتكاف والبعد عن الناس، هي تأتي من الطبيعة الفردية للمهنة. العزلة تحصيل حاصل.
المذكرات اليومية رسماً
÷ أرى أنك ترسم بورتريهات شخصية، قلت إنها جاءت بسبب عودتك كئيباً من مصر حين زرتها منذ ثلاثة أشهر؟ أولاً لماذا الكآبة؟
} ربما لأن هناك صورة ما في ذهني لمصر لم أجدها. كانت تلك زيارتي الأولى إليها. أنا مولع بالفن الفرعوني، ويرى الناس أحياناً أثراً له في عملي من خلال بعض التفاصيل. كانت في تصوّري شيئاً رومانسياً، ولكني شعرت بشيء مختلف، الأهرامات والمتحف لم أرها كما في تصوري. لا أخفيك أنني الآن أندم على هذه الكآبة، ولعلي حينها كنت أرى اللحظة الأخيرة التي عاشتها مصر قبل الثورة، ربما كنت كئيباً مثل أي مصري. أتخيل لو كنت الآن في مصر قد لا تعاودني مشاعر الكآبة تلك. أندم فعلاً لأنني أعلنت هذا الانطباع السلبي، فبعد فترة قصيرة شعرت أنني كنت أقف على أرض تحتها بركان، لنرى بعدها ما حصل في مصر، وكيف أثبتت أنها بلاد حية، وستبقى.
÷ كيف ألهمتك هذه الكآبة؟ ولماذا البورتريه هو رد الفعل؟
} في لحظة أحسست بأن الفن لا معنى له. هكذا أحسست بمعرضي (في القاهرة آنذاك) في لحظة ما. أحسست اللوحات غريبة في الصالة، وأنا غريب في المكان. حين عملت هذه البورتريهات، وهي كروكيات على أي حال، أحسست حينها بالموت. تذهب إلى الأهرامات وتراها محاطة بإضاءة ليزرية فتشعر أنك أمام أفلام كرتون، وفي المتحف لم أجد حضوراً لكل تلك التحف الرائعة. حين ترى الأهرامات على هذه الشاكلة، وترى المتحف مهملاً وكأنه مستودع، فما سيكون حال معرضي؟ وبالتالي ما أنا؟ المشاعر ليست تجاه مصر، بل تجاه وضع، وهذا جعلني كئيباً. أما لماذا دفعني ذلك إلى بورتريه شخصي، فلا أستطيع أن أتحدث عن سبب مباشر، سوى أنني أحببت أن أرى وجهي على هذه الحالة. ما رسمته على كل حال كان بسيطاً، وأنا أسمّيها مذكرات. أنا عموماً وفي كل أعمالي أكتب (أرسم) مذكراتي اليومية. دائماً هنالك دافع ما لرسم هذه اللوحة أو تلك، لذلك هذه مذكرات.
÷ من السهل القول إذاً إن تجاربك شكلتها أحداث؟
} يوم حرب تموز عملت بورتريهين كبيرين. دائماً هناك شيء أحب أن أقوله عن أي حدث في حياتي بطريقة غير مباشرة. رسمت البروتريهيين ولم يكن بذهني غير الحرب، ولكني لا أعرف لماذا اخترت البورتريه.
÷ هل يمكن الحديث عن مراحل في تجربتك، قد تكون تلك الأحداث هي ما شكلها؟
} أتصوّر أن ما أعمله هو سلسلة، حلقة وراء حلقة، أكثر من أن يكون مراحل، لهذا أنا أكتب مذكراتي أكثر من أن أرسم لوحات. مفردات التعبير عندي بسيطة ومحدّدة، بورتريه، شخص، كرسي، طاولة،.. وأي حدث أمرّ به، حتى لو كان يومياً، أشتغل عليه من خلال هذه المفردات. أحياناً يأتي من خلال إضافة بسيطة، باللون، أو من خلال لوحة فارغة لا شخص فيها.. على المدى الطويل أكتشف أن هذه المذكرات اليومية يمكن أن تكون تحت عنوان مرحلة. منذ ثلاث سنوات لم تغب نوار (زوجة الفنان التي قضت بالسرطان)عن رسوماتي. ولكن لا شك في أنها تغيّرت منذ عام إلى الآن، فلا أدري إن كان يمكن أن يُقال إنها مرحلة ما بعد نوار. على كل حال تقسيم المراحل هو تحصيل حاصل. قد يأتي وقت آخر لتقسيمها.
هناك حوادث أخرى كل منها يشكل منعطفاً بالنسبة لي، سفري ودراستي في بلجيكا، موت صديقي الفنان محمود جليلاتي، وفاة أمي، وفاة أخي الذي رسمت عنه كثيراً، هذه الحوادث الشخصية امتزجت بحوادث عامة، بحيث أن كل الأسئلة تطرح حولك من دون جواب؛ الموت، الحب، الحرب، الأشياء التي هي سبب وجودك.
مفردات محدودة
÷ واضح أن الموت هو محرّك أساسي في عملك؟
} الموت ومشاعر الخسارة يدفعانك إلى أسئلة كبيرة الأجوبة عليها مستحيلة، لكنها تمنحك الفرصة كفنان للبحث عن جواب. وبالتالي هي من أكثر الأحداث تأثيراً بحياة الإنسان.
ولكن لماذا على الفنان أن تكون لديه هذه المصادر المأساوية. من فترة لأخرى يبحث الفنان عن حيلة لتركيب مواده. لذلك لا أدري إن كان عليّ فعلاً أن أجيب على كيفية تأثير وفاة محمود، وهي فعلاً أثرت. أنا أقول إنني تأثرت جداً بوفاة صديق وأحببت أن أعمل عنه معرضاً أسميه تحية إلى محمود جليلاتي، الفكرة أخذتني بطبيعة الحال إلى وضوح الشخص وظهوره في اللوحة بشكل أكبر. حضوره أحياناً كظلّ، أو كرسي فارغ. الموضوع بحدّ ذاته يأخذك إلى أدوات مختلفة عما قبلها، وبالتالي ولدت مرحلة جديدة. ولكنها لم تكن مقصودة، هي فقط تعبير عن لحظة كنت أعيشها، ولكنك بعد مرور سنوات ترى أنها شكلت منعطفاً، ولكنني بالتأكيد غير واع لهذا الانتقال، ولم أقصد أن أبني أشياء على أشياء. ولن أفرض على أي شخص كل الأشياء التي مررتُ بها كمراحل فنية. كل ما أريده هو أن أوصل اللوحة، وأريد أن أكون شاهداً صادقاً لكل الأحداث التي عشتها في حياتي، والمتلقي ليس مضطراً لسماع كل هذه الأشياء التي تخصّني. حين تنظر إلى ألبوم صور حياتك، تنتظر أن ينام الجميع من حولك كي تستعرض ألبوم صور حياتك. وبالتالي لا أرى أنها حالة صحية أن أعرض ألبوم حياتي على الآخرين، ما الجدوى؟ أنت اليوم تدخل إلى متحف اللوفر ولا تعرف عن حياة أولئك الفنانين، تجد نفسك واقفاً أمام لوحة شهدت على عصرها.
ورغم كل الضغوط الشخصية على الفنان هناك ضغوط أخرى فنية، التي هي التغيير الذي يحدث بالفن من فنون وآراء، من تحويل الفن من مدارس جماعية إلى فردية. كل ذلك لا يمكن أن تنساه وأنت تعمل على لوحتك، فالهمّ البصري حاضر أساساً عند الفنان.
أكثر رسام عاش معاناة مباشرة هو رامبرانت رغم ذلك كان موضوعه بورتريهاً شخصياً. لم يشرح حياته الشخصية. كان وجهه بالنسبة له أشدّ أدوات التعبير عن كل أحزانه. وبالتالي حين ترى بورتريه لرامبرانت تحسّ بهذه الهيبة الهائلة للبورتريه لأنه محمّل بكل ما عاشه رامبرانت، وبالتالي هو لم يفسر الحدث الذي عاشه بلوحة.
ألوان ممحوّة
÷ بدأنا حديثنا بكآبتك بعد زيارة مصر، ألا تشعرك سوريا بكآبة مماثلة؟
} الرسام من أكثر الناس الذين يصنعون حيلاً، دائماً يخترع حيلة جديدة ويعيشها، وبالتالي يحافظ على أنانيته بالاستمرار، إمكانية استغلاله للظروف المحبطة أو المفرحة يصنع منها عملاً جديداً بحيله. أنا بكل الأحوال أعيش عالمي الشخصي، في سوريا أو في أي مكان. دائماً أجد حيلة جديدة. في اللحظة التي تقرر فيها أن تكون رساماً يجب أن تكون مستعداً لتعيش هذه الحياة. الأكيد أنني أعيش في بلد أحبه، ولست مستعداً للعيش في أي مكان آخر في العالم.
÷ لماذا هذه القلة للألوان في لوحاتك؟
} أحياناً تستهويك مجموعة كبيرة من الألوان، أو درجات كبيرة من اللون الواحد في لوحة، هي في النهاية المعادلة نفسها. سألني طفل في معرضي الأخير هذا السؤال وأجبته أن الربيع جميل بألوانه الكثيرة، ولكن حين تنظر إلى السماء هل يكون التأثير أقل مع رؤية تلك التدرجات لّلون الواحد. لديك كل هذه الخيارات في الفن، والخيار الأقرب لدي هو الخيار الروحي، أي درجات كثيرة من لون واحد. بالتأكيد هذا ينتمي إلى طريقة تفكير واضحة جداً، متقشفة جداً، وأرى فيها سرية أكثر، كما عليك أن تكتشفها على مهل.
÷ تحدثت مراراً عن المحيط الذي لا يمنحك سوى هذه المحدودية بالألوان؟
} لعلّي أمنح نفسي فرصة لجواب مختلف، ولكن حقيقي. أنا في سورية لا أرى ألواناً، والذاكرة الذهنية عندي تفتقد إلى الألوان. بلادنا غابت عنها الألوان، ولا يحتاج الأمر إلى رسام ليجيب عن ذلك، بل نحتاج إلى عالم نفس. أنظر، حتى نحن كأشخاص، أنظر إلى ما نرتدي من ألوان. في سوريا ترى فناناً يرسم لوحة مليئة بالألوان في الوقت الذي لا يمكن أن تجد في خزانة ملابسه قميصاً أحمر. في ذاكرتي امّحت كل الألوان بسبب هذا المحيط. بصرياً لا أعرف ما الأشياء التي تجعلنا كشعب عربي لا يحب الألوان. إننا نخاف الألوان. فهل أجبر نفسي على لون منسيّ، لا أراه. أحياناً أتصنّع أن أضع لوناً وسرعان ما أشعر أنني أكذب، فألغيه. أنظر إلى مدينة مثل باريس، وكيف في لحظة واحدة يمكن أن ترى كل الألوان معاً.
فن ما بعد الموت
÷ يتحدث النقاد عن تجربة البحث الكامنة في التكرار في لوحاتك. في الوقت نفسه يساق الأمر على سبيل الاتهام بأنك منذ سنوات ترسم اللوحة نفسها؟
} يُضحكني مثل هذا الاتهام، ولا يُخيفني. لأنني أنا من يقول إنني أبني موضوعي على التكرار، ولا أدري من اكتشف ذلك بعد ثلاثين عاماً من تجربتي. منذ خمسة وعشرين عاماً حين أسميت لوحة لي باسم «حلم»، لم أكن أعرف بعد كل هذا الزمن أنني سأظل أسمّي لوحتي بالاسم نفسه. حتى لم أكن أعرف أن هذا اسمه بحث، أسميها مفردات قليلة جداً أحببت أن أشتغل عليها كاحتمالات. أنا أرى عند بعض الفنانين أعمالاً مختلفة من معرض لآخر، فمن قال إنها ليست سوى اجترار. التحدي الأكبر هو خلق تفصيل جديد بعمل ما يميّزه عما قبله، هذ التفصيل يمنحني فرصة أن لا أترك موضوعي، وأظل ألاحقه لأنني دائماً أرى أشياء لا نهائية لاكتشافها من لوحة لأخرى، حتى لو كان الموضوع نفسه، وبالتالي أجد أنني أتخلى عن الموضوع من أجل لوحة، أقصد أن التكرار في اللوحة هو ذاته اللاتكرار. ليس تحدياً كبيراً أن تعمل على الموضوع نفسه في معرض أو اثنين، التحدّي الكبير أن تعمل كل حياتك على الموضوع نفسه.
÷ ماذا عن تأثرك بالفن المصري؟ أنت الذي لم تزر مصر إلا أخيراً؟
} لاحظ أن الفن المصري يمتدّ على مدى ثلاثة آلاف عام. كم عملوا احتمالات من عناصر محدودة؟ السرية التي في العمل هي التي أغنته. أنت من اللحظة الأولى تكتشف أن هذا العمل أو ذاك ينتمي إلى الحقبة الفرعونية، مع أن هذه الأخيرة أخذت فترات زمنية طويلة. حكى عن أفكار تنتمي في غالبيتها للموت، أو ما بعد الموت. أي هناك سمات للفن الفرعوني على مدار كل هذا الزمن، وضعية الرأس، الأكتاف، وضعية الجلوس، ولكن الغنى الأساسي فيه كيّف حول الفنان المفردات المحدودة إلى سمات لا نهائية. لم أكن أرى أنني سأتأثر برسم العين أو البروفيل، فأنت ترى حتى الأهرامات تأخذ الشكل نفسه، كان هناك ضوابط صارمة في الفن الفرعوني من دون خشية التكرار، ففي كل عمل فني يصنع الفنان عملاً آخر، مع أنها بصرياً تبدو مكررة.
أما كيف تأثرت فلا تنس حضور الفن الفرعوني الطاغي والمؤثر عبر التاريخ. حين أقول إن الفنان شاهد على عصره أجد في الفن الفرعوني تأكيداً، فهو أكثر الفنون شهادة على عصر في التاريخ.
حقيقة الفن السوري
÷ أنت تستقي من مصادر عديدة، الفن الفرعوني، فن الأيقونة، الفن البلجيكي.. أيها الأكثر تأثيراً في تجربتك؟
} الفنان في النهاية هو حصيلة كل هذه الأشياء. قد تكون لوحة لشاب شاهدتها في حيّنا وأنا طفل قد لا تقل أهمية عن تأثير الفن الفرعوني بالنسبة لي. كل هذه الأشياء تؤدي إلى خلاصة، هي ما صنع منك هذا الشخص. أما بلجيكا، حيث درست، فما زلت متعصباً لهذه المنطقة التي لديها خصوصية هائلة في فنونها. هي التي أنجبت رامبرانت وفان غوغ وروبنز وفيرمر وبروغيل الذي هو إله بالنسبة لي. فن الأراضي المنخفضة يميل إلى الفنون غير المتعالية، تجد لديهم شيئاً من اليومي، غير المزركش والمنمق.
÷ إلى أي مدى تلتقي أو تتقاطع مع المدرسة السورية في الفن التشكيلي؟
} أنا في النهاية ابن هذا الوسط، المدرسة السورية التي فيها الملامح المزيج من الصرامة والعواطف. ابن هذا الوسط الذي يميل إلى اللون الغامق، كما يميل إلى الموضوع، وحتى إلى قلة الألوان في اللوحة. هذا شيء سواء رضيت به أم لا موجود في كياني. وفي المقابل أنا ابن ما يحصل في الكون، هذه مهنة يجب أن تحكي لغة مفهومة ومشتركة إن كنت في سوريا أو أي مكان في العالم.
ما زالت اللوحة السورية محافظة جداً، تنتمي إلى سطح ومساحة. الفنون في العالم وصلت إلى مسافات أبعد بكثير، فيها فنون الفيديو والفنون التركيبية وغيره.
÷ أنت من أبرز الفنانين الذين يوقعون عقد احتكار مع «أيام غاليري». كيف يؤثر ذلك بتجربتك؟ أنت تعرف أن الحالة كلها تثير جدلاً؟
} ليس هنالك احتكار، ومشكلة هذه الكلمة أنها تأخذ بعداً سلبياً. هناك مجموعة فنانين يعملون مع «أيام غاليري»، وانا لديّ كامل الحرية والفرصة لأن أكون في مدن وعواصم مختلفة من خلال «أيام»، فهل يصحّ، مع كل هذا الانتشار أن نسمّيه احتكاراً.
عموماً أرى أن الوضع صحيّ في المشهد التشكيلي السوري. لوقت طويل بقي الفن التشكيلي يعيش بصمت وجمود. كان هناك تواطؤ بين الفنانين والصالات على أن يكون الفنان السوري درجة عاشرة. كان تواطؤاً مخزياً بين الصالة والفنان، ثم حدث أن قدّم الفن السوري بطريقة لائقة. فبات هناك حضور مميّز للفنان السوري عربياً، وهذا ما طرح أسئلة؛ فما هي حقيقة الفن السوري، هل هو ما كان قبل «ايام غاليري» أم الآن؟ وجوابي أن الحقيقة هي الآن.

راشد عيسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...