إيران الآن والبقية غداً
مثل العديد من الفيزيائيين الذين عملوا في مشروع مانهاتن لصنع القنبلة الذرية، لم يستطع ريتشارد فينمان ان يخرج موضوع القنبلة من رأسه بعد الحرب. فكتب: "حين ارى اناسا يبنون جسرا كنت افكر: انهم مجانين. انهم فقط لا يفهمون، انهم لا يفهمون. لماذا يقومون ببناء اشياء جديدة؟ ان ذلك عمل لا طائل تحته". وكان فينمان مقتنعا ان الإنسان قد اخترع في نهاية المطاف شيئا لا يستطيع التحكم به، والذي سيقوم بتدمير الإنسانية في آخر الأمر. وقد عملنا نحن على كبت هذه الفكرة في نفوسنا لعدة عقود وبنينا ما يكفي من التاريخ لنعتقد بأن تشاؤم فينمان لا مبرر له. وبعد كل شيء، وبعد ذلك بقليل، حصلت اكبر قوة عدوانية في العالم، وهي الاتحاد السوفياتي في عهد ستالين على القنبلة النووية، ومع ذلك، فإنها لم تستخدمها ابدا. ومنذ ذلك الوقت حصلت سبع دول اخرى على القنبلة ولم تستخدمها ابدا بدورها. حتى أن كوريا الشمالية التي ترغي وتزبد وتهدد بين الحين والآخر، لا تجرؤ على استخدامها، ذلك أنه حتى كيم يونغ ايل لا يتصف بنزعة انتحارية.
ولكن، هذه هي الفكرة. ذلك أننا بتنا نقف الآن على أعتاب فجر مرحلة جديدة سِمتها نجوم الأيدولوجيات الدينية المتعصبة، والتي لا تلقي بالاً إلى الحسابات العادية من التعقل والحفاظ على الذات. وهي تسيطر على مقاليد الحكم في الدولة وسوف تتمكن عما قريب من امتلاك القدرة النووية.
اننا نجد صعوبة في فهم عقلية حكام ايران الجدد. ومرة اخرى، نجد أنفسنا عاجزين عن فهم عقلية أولئك الرجال الذين ضربوا مركز التجارة العالمي بالطائرات، كما لا نفهم لغة الغوغاء في بعض العواصم ممن يصيحون "الموت لأمريكا والدنمارك"! ويعتنقون فكرة الشهادة المنطوية على المجد والرومانسية.
ان هذا الحب المتأصل لإراقة الدماء والموت والتضحية بالذات باسم الله ليس بالأمر الجديد، فقد كانت تنتشر في اوروبا في العصور الوسطى أعداد هائلة من الطوائف المسيحية المؤمنة بالالفية السعيدة. ولكنهم لم يمتلكوا أبداً، وحتى هذه اللحظة، تلك الوسيلة الكفيلة بتحقيق غاياتهم الرؤيوية.
ولعل هذا ما يجعل من وقوف ايران على أعتاب امتلاك الاسلحة النووية يمثل لحظة تاريخية مشهودة. ولا يتعلق الامر بحديث الرئيس الايراني عن الهولوكوست، بل يتعلق أكثر بإيمان الرئيس وحماسه لفكرة عودة ظهور الإمام الثاني عشر التي تطابق فكرة عودة المسيح عند المسيحيين. وقد نقل عن احمدي نجاد قوله في الاجتماعات الرسمية بأن نهاية التاريخ قد باتت على بعد سنتين او ثلاث فقط. وقد اخبر احد المقربين بأنه شعر بهالة تحيط به بينما كان يتحدث على المنصة أمام الجمعية العمومية في أيلول (سبتمبر) الماضي، وقال "لم يرف جفن في عيون قادة العالم خلال تلك الدقائق السبع والعشرين او الثماني والعشرين دقيقة كما لو ان يدا كانت تمسكهم وتفتح اعينهم" وهم يتلقون رسالته. انه يؤمن بأن علة وجود الثورة الاسلامية هي تعبيد الطريق الأخيرة للخلاص، والذي يسبقه، حسب منظوره الايماني باليوم الآخر، حدوث الجيشان والفوضى. فأية طريقة إذن أفضل لإشعال فتيل تلك البركة الخالدة من اللهب النووي؟
اعتماداً على المعتقدات الخاصة، فإن الرئيس احمدي نجاد إما أن يكون شخصا باطنياً او مشوشاً. وفي كلتا الحالتين، فانه يعتبر خطيرا بشكل كبير. وإيران هي الدولة الأولى. وبوجود تبادل متسارع ولامتناهٍ للمعلومات، وعلى نحو يساعد في نشوء جيل جديد من العلماء، فإن الدول المتطرفة التي يقودها متطرفون سوف تكون في موقع يمكنها من امتلاك الاسلحة النووية. وإذا لم نقم بفعل شيء، فاننا لا نواجه انتشار الاسلحة النووية وحسب، بل اننا نواجه الانتشار المفرط لهذه الاسلحة. ولن تحصل دولة واحدة على أسلحة الدمار الشامل فقط، وإنما ستحصل عليها الكثير من الدول المتطرفة. كما سيحصل عليها الارهابيون الانتحاريون المتعصبون ممن يعتبرون اخوانا لتلك الدول وزبائن لها.
ان من شأن ذلك أن يضع العالم أمام أحد مستقبلين. ويتمثل الاول في رؤية "فينمان للدمار" الانساني على مستوى لم يسبق له مثيل. وأما المستقبل الآخر، الذي ربما يأتي بعد خسارة مدينة او اثنتين ومقتل الملايين في يوم واحد، فهو انمحاء كامل للديمقراطية الليبرالية بينما تحاول الاجناس الحفاظ على نفسها بالتحول الى الحكم الأحادي الصارم، وهو ما يشبه طرد المرء نفسه بنفسه من جنة حرية ما بعد التنوير.
ولكن، هل ثمة سيناريو ثالث للمستقبل؟ إن ذلك يعتمد على ما اذا كنا سننجح في الإبقاء على مسألة الانتشار في زاوية ضيقة. وتعتبر ايران عينة الاختبار. وهي تمثل أكثر الكيانات السياسية خطراً على هذا الكوكب. ورغم ذلك فإن الرد الدولي كان كارثيا بتردده وبطئه. حيث مضت سنوات عديدة من المفاوضات التي يعرف تماماً بأنها عديمة الجدوى، متبوعة بقرارات دولية مترددة، ما أفضى بنا إلى اكثر الخطوات ترددا، وهي الاحالة الى مجلس الامن الذي يفتقر الى الوحدة والعزم في اتخاذ القرار. ان ايران تعلم هذا، ولهذا تعمل على مواصلة مسيرتها نحو القنبلة النووية بكل تحد وصراحة. وإن لم نستطع منع نظام ايراني يتحكم به مشوشون واصحاب رؤية دينية من الحصول على القوة النووية، فإننا نكون قد وصلنا عندها الى نقطة اللاعودة. ولا يقتصر الامر فقط على ان ايران ربما تكون مصدرا لحريق كبير، وإنما تكون قد اظهرت للعالم وللذين لديهم مثل هذه الميول في الحصول على اسلحة نووية بأنه لا يوجد اي رادع حقيقي يمنعهم من ذلك.
ان عمر كوكبنا 4,500,000,000 سنة. وقد حصلنا على القنابل النووية قبل 61 سنة. وليس بوسع احد التنبؤ بالآفاق المتعلقة بانقراض الانسان على وجه الدقة. ولكن فينمان كان عبقريا في الرياضيات وعرف كيف يحسب الاحتمالات. ولو كان له أن يشاهدنا اليوم بينما نحن على وشك إطلاق سراح عوامل انقراضنا، فإنه سوف يدعو إلى التوقف فوراً عن كل عمليات بناء الجسور.
شارلز كراوثامر
المصدر: مجلة التايم
إضافة تعليق جديد