«الإخاء الإسلامي ـ المسيحي»: أفكار لمواجهة المخاطر المحدقة بمسيحيي المشرق
كثيرا ما ترددت أمس على لسان المتحدثين الآية القرآنية «يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم»، لتأتي بعدها كلمة الإنجيل التي تدعو جماعة المؤمنين ليكونوا «قلبا واحدا وروحا واحدة»، بل حلت العبارتان شعارا للمؤتمر الذي حمل عنوان «الإخاء الإسلامي ـ المسيحي»، وجاء بمثابة متابعة لأبعاد مؤتمر سينودس الشرق والبلاد العربية، والذي خرج بمقررات تحذر مما يهدد مسيحيي الشرق، ولا سيما الأوسط منه.
وإن اتفق من تحدث من تحت عمامة أو قلنسوة على أن الحوار والإخاء بين أطياف الأديان والمذاهب موجود ويتمثل في ساحات كنموذج، ومنها سوريا، حذر البعض الآخر من أن الأخطار محدقة أيضا، وثمة حاجات لتداركها، وهنا برزت لاءات مفتي عام سوريا الشيخ أحمد حسون الذي اعلن عن عدد من «اللاءات» بينها «لا للدولة الدينية والطائفية واليهودية»، فيما حذر العلامة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي من أن ما تشهده المنطقة هو من صنع السياسيين في الغرب، وذلك فيما اعتبر نائب أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم لأن ما يتهدد المسيحيين في الشرق «جدي. بل جدي جدا».
وكان المؤتمر الذي عقد بدعوة من وزارة الأوقاف والطوائف المسيحية في سوريا دعا ممثلين دينيين من 30 دولة يمثلون مختلف الطوائف المسيحية والإسلامية، كما ممثلين عن المذهب الدرزي في سوريا ولبنان.
وبدأ حفل الافتتاح بعشرين متحدثا بين بطاركة ومطارنة وحجج إسلام ومفتين ومشايخ بارزين، وسيدة وحيدة هي عقيلة رئيس مجلس النواب رنده بري، التي حذرت من تهويد القدس داعية إلى اعتبار وثيقة السينودس «قيامة من قيامات المسيح المتجددة» لما فيها من صلة بواقع اليوم. ودعت بري إلى الاهتمام بالتنوع متخوفة من ضياعه، وتعزيز اللغة العربية كحاضنة قومية.
من جهته، تحدث ممثل الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير بلغة دافئة عن سوريا ورئيسها «حامي الوحدة الوطنية»، وما تمثله من نموذج للتعايش الداخلي. وقال المطران بولص منجد الهاشم أن سوريا «عاشت مقررات السينودس قبل تطبيقها على صعيد تمسك المسيحيين بوطنهم في المشرق».
من جهته، قال بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس اغناطيوس الرابع هزيم «أن الدين شخصي، أما الله فواحد، هو خالق الجميع»، فيما دعا رئيس الكنيسة السريانية في العالم البطريرك زكا الأول عيواص إلى مكافحة التطرف وتعزيز الوحدة الوطنية وبث الوعي القومي. وذهب بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان إلى تسجيل اقتراحات «كنبذ الإرهاب باسم الدين والدعوة للتعامل بروح إيجابية مع الآخر والتركيز على ما يجمع بين الديانات لا ما يفرقها».
وحذر البوطي من الديموقراطية «كشعار زائف»، معتبرا أن الخطر موجود على المسيحيين في الشرق لكنه «لا ينبثق من الداخل وإنما يفد إلينا من الخارج. من السياسة التي تقودها الدول الكبرى، والتي تخضع لفكرة البراغماتية الذرائعية في سبيل تحقيق مطامعها».
من جهته، دعا الشيخ قاسم إلى خمس خطوات، بينها التركيز على المفاهيم الدينية المشتركة، وتعزيز مجالات الحوار والتعاون بين المذاهب والأديان، والاعتراف بأن فلسطين للجميع، مضيفا ضرورة رفض الهيمنة الأميركية و«المحافظة على استقلال بلداننا وخياراتنا». وظهر لافتا إشارة قاسم «إلى خيارات قلة من المسيحيين في منطقتنا التي لا تنسجم مع واقع البلد» الذي يعيشون فيه، داعيا هؤلاء إلى مراجعة مواقفهم.
كما كان لمفتي عام سوريا أحمد حسون كلمة عالية النبرة ذهب فيها الى تأكيد «لا» رافضة «للدولة الدينية والدولة الطائفية». وأضاف، وسط تصفيق، «لا للدولة اليهودية ولا لأميركا التي قسمت العراق لمذاهب وطوائف، ولا لتقسيم السودان».
وفيما عدا ذلك كانت السياسة عابرة في الأحاديث الروحية، لكن هاجس مسيحيي الشرق الذي ألقته مقررات السينودس في أحضان المؤتمرين بقي العنوان الرئيس.
وعند سؤال مطران القدس للروم الكاثوليك الياس شقور عما إذا كانت مخاوف المسيحيين حقيقية، فرأى أن «الخطر لم يبدأ بمسيحيي العراق وإنما تجدد بهم، وقبلهم مسيحيو فلسطين وقبلهم آخرون من ديار بكر إلى جبل طارق»، داعيا هؤلاء للصمود «كما نحن صامدون في أرضنا وبلادنا».
ورأى شقور أن سبب التهديد كان «عدم الشعور بالراحة والظلم وعدم الاستقرار المستمر من 60 سنة في كل الشرق الأوسط وعدم الثقة بالذات، بحيث قاد عجز مواجهة العدو إلى مواجهة الآخر.
من جهته، رأى قاسم أن تكثيف هذه اللقاءات يمثل «إضافات مساعدة لا تكفي وحدها»، مشيرا في تصريحات إلى أنه «يمكن تنميتها بأنواع أخرى من اللقاءات»، معتبرا أنه وبالرغم من أن «الأثر الكبير يكون للسياسيين عادة» إلا أن «المناخ الشعبي يشكل حالة ضاغطة على السياسيين بحيث أنهم لا يستطيعون تجاوزه».
لكن هل الخوف على المسيحيين حقيقي؟ نسأل مجددا فيجيب قاسم «في رأيي هناك خوف على مسيحيي الشرق، وهو جدي جدا، وكي ننزع هذا الخوف نحن بحاجة لأمرين، أولا أن يهتم المسلمون بتشكيل الحماية الكافية من خلال التعاون والتواصل، وثانيا أن لا تكون هناك مواقف مسيحية تشكل ذريعة للبعض المتوتر».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد