المهنة قد تحدد مكان المرض بالدماغ
في دراسة دولية لمرضى نوع مدمر من الخرف المبكر يصيب ضحاياه غالبا بمنتصف العمر، وجد الباحثون أدلة مثيرة للاهتمام على أن اختيار وممارسة المهنة قد يحدد موضع تجذر المرض بالمخ، حسب خدمة (يوريك أليرت).
وأجرى الدراسة نيثان سرنغ، وهو طالب دكتوراه بعلم النفس، وزملاؤه بمعهد روتمان للبحوث بمدينة بيهكريست بكاليفورنيا بالتعاون مع مركز الذاكرة والشيخوخة في جامعة كاليفورنيا بسان فرنسيسكو، ومواقع علاجية أخرى بأميركا وأوروبا. ونشرت نتائجها إلكترونيا بدورية "السيكولوجية العصبية" Neuropsychologia.
قام الباحثون بمواقع سريرية متعددة بمراجعة واستعراض بياني لمعطيات مهن وصور أدمغة 588 مريضا مشخصا بتلف فص الدماغ الجبهي الصدغي (FTLD)، ويسمى أحيانا الخرف الجبهي الصدغي (FTD).
وبين حالات الخرف لمرضى أعمارهم لا تتجاوز 65 عاما، كان تلف الفص الجبهي الصدغي شائعا كمرض ألزهايمر، ومتفاقما ومهلكا مثله.
لكن بخلاف ألزهايمر الذي يؤثر سلبا على جانبي المخ بالتساوي، يظهر تلف الفص الجبهي الصدغي غالبا بأحد جانبيه. ويصبح أكثر انتشارا بتفاقم المرض. وتشمل أعراض المرض المعتادة تغيرات شخصية وسلوكية وتدهور المهارات اللغوية.
قيم الباحثون مهن المرضى "رقميا" باستخدام قاعدة بيانات المهن الصادرة عن وزارة العمل الأميركية، حيث تشير التقييمات للمهارات اللازمة للمهنة، بما فيها المهارات اللغوية والبدنية والبصرية.
فمثلا، تقييم المهارات اللغوية لمدير المدرسة يفوق مهاراته البصرية، وبعكس ذلك مهارات مهندس الطيران. وتقييم المهارات "البدنية" لكلتا المهنتين دون نظيرتهما لدى رجل الإطفاء.
ربط الباحثون بين مهنة كل مريض وموقع فقدان الأنسجة بالدماغ، وفقا لمعطيات صور الدماغ.
ووجدوا أن المرضى ذوي المهن التي تتطلب مهارات لغوية عالية -كمديري المدارس- كان أكبر فقدانهم لأنسجة الدماغ بجانبه الأيمن، بينما كان فقدان أنسجة الدماغ لدى مهن مهاراتها اللغوية منخفضة -كمهندسي الطيران- بالجانب الأيسر.
وقد كان هذا الارتباط أوضح ما يكون بفصوص الدماغ الصدغية. وحسب الدكتور سرنغ، الباحث حاليا بقسم علم النفس بجامعة هارفارد، يبدو أن المرض يهاجم جانب الدماغ الأقل استخداما في حياة المريض المهنية. والمعلوم أن نصف الدماغ الأيسر، خاصة الفص الصدغي، متخصص باللغة ومهارات الخطاب.
وفي المهن ذات المهارات اللغوية العالية، يؤدي استخدام هذه المهارات لعشرات آلاف الساعات إلى بناء قدرات إضافية عبر تعزيز الاتصالات بنصف الدماغ الأيسر، مما يجعله أكثر مقاومة لتلف الفص الجبهي الصدغي.
وقد تجعل هذه العملية نصف الدماغ الأيمن، الأقل اهتماما بمهارات التخاطب، معرضا أكثر للخرف بسبب عدم الاستعمال.
لكن الباحثين لا يستبعدون تفسيرا بديلا، فحسب الدكتور برايان لفين، الباحث بمعهد روتمان للبحوث وأحد مؤلفي الدراسة، قد يكون هناك ضعف وظيفي غير مكتشف يتصل بتلف الفص الجبهي الصدغي لدى هؤلاء المرضى، تدفعهم نحو مسار مهني معين قبل إصابتهم بعقود.
يشترك التفسيران في أن اختيار وممارسة المرضى لمهنة في وقت مبكر من الحياة كانا مرتبطين بتغيرات لاحقة بالمخ.
ينبه الباحثون إلى أن النتائج مقيدة بحالات تلف الفص الجبهي الصدغي، وقد لا تفسر أمراض وحالات الدماغ الأخرى.
فليس هناك دليل على أن شخصا ما ينتمي لمهنة ذات مهارات لغوية أو غير لغوية مثلا معرض بشكل خاص للإصابة بمرض في الدماغ.
بيد أنه إن كان لشخص أن يصاب بمرض تلف الفص الجبهي الصدغي، الذي يصيب سنويا ربع مليون أميركي و25 ألف كندي، فقد يكون موقع المرض (تلف أنسجة المخ) مرتبطا بالممارسة المهنية للمريض.
لذلك، ولأجل فهم أفضل للنتائج، هناك حاجة لمزيد من البحث وصولا لتحديد إن كانت المهنة مؤشرا قويا على موقع المرض في أي من جانبي الدماغ.
مازن النجار
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد