صبري مدلل آخر تلامذة عمر البطش اللمبدعين
شيعت حلب ابنها الفنان المبدع صبري المدلل الذي توفي مساء السبت الفائت عن عمر ناهز 88 سنة، ودفن في أقدم مقبرة في حلب وهي مقبرة «الصالحين».
ولد صبري مدلل في حلب عام 1918 مع دخول فيصل الأول سورية، في حي المشارقة. كان والده يعمل في الزراعة والتجارة... تعلم على الشيخ في الكتّاب وبرع في ترتيل القرآن، ومن هنا اكتسب قوة الصوت وجماله... كان والده صديقاً لعلاّمة حلب والشرق الموسيقي عمر البطش، الذي سمع الفتى مرة فأعجب بصوته وقام بتدريسه أصول الغناء، وكان يتقاضى عن كل درس مبلغ 50 قرشاً سورياً، وكان ذلك عام 1930، وهذا المبلغ كما يقول صبري كفيلاً بإعالة أسرة ثلاثة أيام. وبعد دروس عدة أعفاه عمر البطش من الأجر كونه تلميذاً متفرداً في التلقي والحفظ.
عند افتتاح إذاعة حلب عام 1949 استدعاه استاذه عمر البطش مع مجموعة من فناني الشهباء ومطربيها، وعلى رأسهم بكري الكردي للعمل معه وكان نشاطاً متميزاً لهذه الإذاعة الفتية وسجل فيها أغاني وأقام حفلات على الهواء مباشرة. ولسوء الحظ لم يحفظ منها أي أغنية. وأعطاه بكري الكردي ألحاناً عدة، لحن «ابعتلي جواب» الذي أشهره ثم غناه بعده محمد خيري وصباح فخري.
ثم كان نجاح آخر في لحن «يجي يوم ترجع تاني»، ثم عمل مع الملحن إبراهيم الدرويش وكاتب إذاعة حلب آنذاك مهوى أفئدة مطربي سورية ولبنان ومصر. في عام 1954 ترك الإذاعة لخلاف مع إدارتها الجديدة واتجه للعمل الحر «بائع مواد غذائية في حي الجديدة» كما كان يقول. وتابع صبري مسيرته. وظل يعشق الكلمة واللحن. وزاره المطرب المنشد ومبدع المدائح النبوية المرحوم فؤاد خانطوماني وعرض عليه تأسيس فرقة إنشاد ديني لمدح محمد (صلى الله عليه وسلّم). ولأنه كان أشهر من أنشد هذا الفن الخاص في بلاد الشام بعامة وحلب بخاصة هنا بدأت نقطة التحول في حياته وأسس فرقة في العام 1954 شاركه فيها: خانطوماني، عمر النبهان، أحمد المدني وكلهم رحلوا.
في مطلع 1960 قدم صبري لحناً لفرقته بعنوان «صلاة الله ذي الكرم على المختار في القدم» فكان أول لحن منهجي لمدائح الرسول وأدخل أدوات عدة لضبط الايقاع كالدف والطبل. وتتالت العروض على فرقته وطافت شهرته الوطن العربي. وجدد الفرقة بأصوات شابة (عبدالرؤوف حلاق، عبدالمهيمن قباني أبو الورد، حسن الحفار، محمد الصابوني وعمر الصابوني).
العام 1974 كانت نقطة تحول في حياة الفرقة، فبعد عشرين سنة من تأسيسها انطلقت نحو العالمية حين سمعها المستشرق الفرنسي السوري الأصل كريستيان بوخه فأثارت إعجابه بفنها وأصالتها ودعاها الى فرنسا عام 1975، وكانت حفلة للذكرى يقول صبري مستذكراً ان كل من حضرها من العرب والمسلمين أبكاه بمدح الرسول.
في عام 1982 اختلف صبري مادياً مع صديقه وتلميذه حسن الحفار، فانفصلت العُرى، وأسس حسن فرقته الخاصة ثم عاد صبري بعد تحريض ابن اخته الفنان محمد حمادية وأسس فرقة جديدة شاركت في حفلات في ألمانيا وفرنسا وهونغ كونغ ولبنان وتونس والمغرب، ونال صبري إعجاباً وشهرة كبيرين.
ولعل المشاركة في «مهرجان الأيام الموسيقية العربية» في باريس مع صباح فخري ووديع الصافي والقارئ الشهير عبدالباسط عبدالصمد أطلقته كأشهر منشد للمدائح في العالمين الإسلامي والعربي. يقول صبري: «بعدما سمع عبدالباسط صوتي في مدح الرسول، قال لي إذا كان صوتي معجزة في قراءة القرآن الكريم فإن صوتك هدية الله لعباده لتمدح مصطفاه محمد (صلى الله عليه وسلّم)».
عاش صبري في حي الجلوم في دار عربية شرقية، ومات فيها. ومن غرائب الصدف انه لم يتعلم النوطة الموسيقية كتابة بل حفظها عن ظهر قلب مما يدل على موهبته الفريدة.
سألته مرة ما أحب الأصوات إليك أجاب: صباح فخري ومحمد خيري، لطفي بوشناق وعبدالوهاب وأم كلثوم وماري جبران وفيروز ونور الهدى ووديع الصافي وصباح وسعاد محمد. أما من الأصوات الجديدة فكاظم الساهر ونبيل شعيل وملحم بركات.
وسألته: من هم أصدقاؤك يا شيخ صبري؟ ضحك، وقال: كل من أحب صوتي. ولكن خلال مرضي الأخير لم يبق إلا القلائل، لكن الرئيس بشار الأسد سأل عني وأهداني بيتاً. ما أعظم الوفاء من الرجال للرجال.
رحل صبري المدلل بجسده لكنه باقٍ بفنه وروحه وضحكته الهادئة وطربوشه الأحمر القاني المائل على رأسه وصوته الشجي.
وضاح محي الدين
اللمصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد