صور وقصاصات قديمة تنعش الذكريات
كان يوماً شتوياً بامتياز وعلى رغم ذلك بقيت لارا تنتظر نصف ساعة أمام مركز البريد، النقطة الأقرب لانطلاق الحافلة. عندما وصلت صديقتها احتضنتها بقوة وحاولت بابتسامة أن تخفي حزن الفراق. عانقتها ورحلت بعد أن تركت لديها صندوقاً خشبياً طلبت منها فتحه في وقت تكون فيه «الشلة» مجتمعة.
كانت لارا ابنة الثالثة عشرة مرغمة على الابتعاد عن صديقاتها ومغادرة مدرستها بعدما قررت عائلتها السفر إلى الخارج حيث وجد والداها فرصة عمل أفضل. جاء قرار السفر سريعاً، فلم تمتلك الوفت الكافي لتودع صديقاتها وزميلاتها في المدرسة وتستعد معنوياً لفراقهن، فقررت أن ترسل إليهن ذلك الصندوق الذي احتفظت فيه بأشياء تذكارية من أيام أمضينها معاً.
حوى الصندوق مجموعة أصداف وأحجار ملونة جمعنها من شاطئ البحر أثناء ذهابهن في رحلة مدرسية، وأقلام تخطيط استعملنها في الكتابة على مقاعد المدرسة في لحظات شغب استمتعن بها، وقصاصات ورق وصوراً. ولم تنس لارا أن تضع في الصندوق هدايا لصديقاتها حرصت على أن تكون من صنع يدها، وهي عبارة عن أساور مصنوعة من الخيوط الملونة والخرز، فلطالما ارتدت لارا وصديقتها هذا النموذج من أدوات الزينة كتقليد اعتبرنه رمزاً لـ «شلتهن».
إلا أن الصديقات رفضن فتح الصندوق في وقت عادي، ورتبن خطة لفتحه في يوم عيد ميلادها، فاجتمعت الفتيات في بيت إحداهن، واتصلن بلارا التي كانت تفصلها عنهن آلاف الكيلومترات، طلبن منها أن تدخل إلى شبكة الانترنت لتتحدث مع صديقاتها وتشاهد ما يفعلن عبر الكاميرا الموصولة إلى جهاز الكومبيوتر. وباستخدام تقنيات الاتصال الحديثة استطاعت مـجموعة الـفتيات أن تـتشـارك مـتعة فـتـح الهدايا وارتداء الأساور مع صديقتهن التي وصـلتـها هدية عيد مـيـلادها عـبر الانـتـرنـت.
كانت هدية الصديقات مشابهة الى حد بعيد لهديتها. مجموعة صور تذكارية التقطنها معاً إضافة إلى صور حديثة لهن بعد سفرها، ثم أضفن صورتها إلى وسط المجموعة عبر تقنية الـ «فوتوشوب»، لتكون الصورة بعد تطويرها هدية تعبر عن استمرار الصداقة على رغم المسافات.
ويولي كثيرون من الشباب والمراهقين خصوصاً، اهتماماً كبيراً لمسألة تبادل الهدايا التي تحمل طابعاً رمزياً يعبر عن اهتماماتهم ومتانة الصداقة بينهم. فبالنسبة إلى عبد الرحمن كانت الهدية الأجمل التي تلقاها خلال السنوات الماضية قميصاً رياضياً يحمل الرقم عشرة ولقب النادي الذي يشجعه.
ويقول عبدالرحمن الذي يبلغ من العمر أربعة عشر عاماً: «غمرتني سعادة كبيرة عندما أهداني أخي الصغير قميص منتخب برشلونة الذي أحرص على متابعة مبارياته وتشجيعه، فرحت كثيراً لأنه اختار هدية أحبها وقدمها اليّ عندما اشتركت مع أصدقائي في مباراة كرة قدم في المدرسة».
وعلى رغم أن الهدايا بقيت سنوات طويلة محافظة على قيمتها المعنوية، فإن إيقاع الحياة المتسارع ألقى بظلاله على طبيعة الهدايا فظهر نوع من الهدايا مبني على القيمة النقدية لثمن الهدية مثل «بطاقة الهدية» وهي خدمة تتنافس المصارف على تقديمها والترويج لها خصوصاً في موسم الأعياد حيث يكثر التسوق.
ويقوم مبدأ هذه البطاقة على إيداع مبلغ نقدي باسم الشخص الذي ستقدم له الهدية كطريقة يمكن له من خلالها شراء ما يرغب فيه عند صرف قيمة البطاقة من فروع المصرف أو أجهزة الصراف الآلي التي باتت منتشرة في معظم الشوارع الرئيسية في المدن السورية.
وعلى رغم كثرة الانتقادات الموجهة لهذا النوع من الهدايا، خصوصاً من الأجيال الأكبر، تبقى الهدية مهما تغير شكلها وقيمتها، أسلوباً يقصد منه إظهار المودة، وتمتين الألفة بين الناس.
لينا الجودي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد